"إن لم تكن حذرا، فإن محطة الراديو العاطلة سوف تدور في رأسك أربعا وعشرين ساعة في اليوم، دون توقف، مثل نظام صوتي" ثمة احتمال أن "آن لاموت" لا تعرفه شخصيا لكن من المؤكد أنها تقصده بعبارتها، وربما لو لمحت " طيور العنبر" وذاقت السهر على شاطئ البحر في الوقت الذي كان "لا احد ينام في الإسكندرية" ولو وقعت في غرام " الصياد واليمام"، ولو جربت العيش في "البلدة الأخرى" وأطلت على زرقة البحر الصافية من شرفة "بيت الياسمين" ولو سمعت معه ذات صباح " هنا القاهرة" لقطعت "المسافات" لتضع قبلة على جبينه النبيل. وبعد فنجانين من القهوة تهمس في أذنه بنصيحة ستيفن كينج:" إذا كنت تنوي أن تكتب بصدق قدر الإمكان، فاعلم أن أيامك كفرد في المجتمع المؤدب قد أصبحت معدودة على أية حال" فلا تضيع وقتك في الانشغال برضاء الناس.. فقط اغمض عينيك وتنفس وابدأ في عمل جديد. أظنك سمعت يا أستاذ ابراهيم ما قاله "جويس كارول" للذين يقودهم حظهم العسر لملاقاة الأشباه الذين لا يجيدون سوى لعبة الهدم:" اكتب من القلب.. لا تضع في حسابك أن يتم التعامل معك بعدالة، أو برحمة على الأقل". أعرف أنك واحد من الكبار في هذا العالم، الذين يخفضون بقدر الامكان من الجرعات الهائلة للسخف والدمامة وانعدام الذوق وقلب المفاهيم، يكفينا نحن المحبون لك أنك بعد إعلانك فائزا ب"كتارا" فعلت كما يفعل الكبار وبالتحديد ساراماجو الذي قال بعد فوزه بنوبل" لن أمارس واجبات الفائز بنوبل كمن فاز بمسابقة الجمال، ذلك الذي يتوجب عليه المفاخرة في كل مكان.. لست أطمح لذاك العرش، وبالطبع، لست قادرا على اعتلائه". كل الذين هاجموك يا صاحب "الصيف السابع والستين" يعلمون تماما أنك تلقيت جائزة على ما قدمت من أدب رفيع وأن جائزتك المتواضعة أمام قامتك لم تكن "جائزة للتخابر!" لكن اسمح لي أيها الكبير أن أذكرهم بما قاله "ساراماجو": " الذي يهمني هو أن أقوم بعملي على أفضل وجه، وعلى حسب مقاييس العمل الجيد الخاصة بي، وذلك أن يكتب بالطريقة التي أريده أن يكتب بها". الكاتب الحقيقي يا سادة لا تعنيه الجوائز بل كل ما يعنيه هو أن يقول كلمته وكفى، كل الجوائز ذهبت إلى الجحيم وما بقي هو العمل الجيد الذي يظل وفيا لصاحبه ويذكر الناس به كل آن. دعني أقول للذين انتقدوا قبولك لهذا الجائزة ما قاله "سارا ماجو" إن تاريخ البشرية قد يبدو معقد للغاية، غير أن الواقع شديد البساطة. جميعنا يعلم اننا نقطن عالم متوحش. العنف ضروري لبقاء جنسنا، علينا قتل الحيوانات، او يجب على أحد أن يقتلهم لأجلنا، لكي نحصل على الطعام. نختار الفاكهة، ونقتلع الزهور لنزين بها منازلنا. وتلك كلها تصرفات عنيفة ضد كائنات أخرى حية. والحيوانات تتصرف بشكل مماثل. يأكل العنكبوت الذبابة، وتأكل الذبابة أيا كان الشيء الذي يأكله الذباب، إنما هناك فارق عظيم، الحيوانات ليست قاسية، عندما يلف العنكبوت الذبابة في شبكته، فإنه يقوم بحفظ وجبة غدائه للغد في الثلاجة. القسوة اختراع بشري. الحيوانات لا تعذب بعضها البعض، نحن نفعل ذلك، نحن الكائنات القاسية الوحيدة على هذا الكوكب، إذا كنا قساة، كيف لنا المضي في القول أننا مخلوقات عقلانية؟ لأننا نتكلم؟ لأننا نفكر؟ لأننا نملك القدرة على الخلق؟ بالرغم من أننا قادرين على جميع تلك الأمور، فإنها ليست كافية لردعنا من اقتراف تلك الأفعال السلبية والوحشية التي نمارسها. إنها مشكلة أخلاقية يجب الالتفات إليها، وذلك هو السبب الذي يجعلني أفقد الرغبة شيئا فشيئا في الحديث عن الأدب". يا سادة الجائزة شرفت بإبراهيم عبدالمجيد.. وستذهب إلى الجحيم وما سيبقى في النهاية هو اسم هذا الكبير وأعماله.