قبل أيام من اغتياله، شنّ المعارض الروسي بوريس نيمتسوف هجومًا لاذعًا على سياسة انفتاح الكرملين على الصين، واتهم الرئيس فلاديمير بوتين. ويتفق فريق واسع من السياسيين والخبراء الاقتصاديين في انتقاد التوجه لتوسيع العلاقات مع بكين على حساب أوروبا والولاياتالمتحدة، ويحذرون من أن هذا التوجه محفوف بالأخطار السياسية - الاقتصادية إذ يزيد اعتماد موسكو على بكين وتحولها مستقبلًا إلى "الشريك الأصغر". وعلى رغم الإعلان عن توقيع عقود ببلايين الدولارات بين البلدين، والحديث عن شراكة إستراتيجية وزيادة التعاون الاقتصادي والاستثماري، فإن شكوكًا كثيرة تثار حول قدرة الصين أو رغبتها في إنقاذ روسيا من أزمتها الاقتصادية الخانقة بسبب عقوبات واشنطن وبروكسيل، وانهيار أسعار النفط. وعلى خلفية ضم القرم في العام الماضي والعقوبات الغربية، وضعت روسيا على رأس أولوياتها توسيع علاقاتها مع الصين المهتمة بمصادر الطاقة الروسية لتنويع مصادر الإمدادات اللازمة لحاجة اقتصادها. منتقدو توجه موسكو نحو الصين يشيرون إلى الحصاد الهزيل لسنة كاملة من هذا التوجه. فوفق البيانات الرسمية الصينية تراجع حجم الصادرات إلى روسيا في كانون الثاني الماضي نحو 42 % ليبلغ 2.8 بليون دولار، فيما تراجعت الواردات نحو 28.7% مسجلة 2.5 بليون، فيما الهدف المعلن للبلدين الوصول بحجم التبادل التجاري إلى 100 بليون دولار هذه السنة، ورفعها إلى 200 بليون في 2020. ويعود تراجع الصادرات الروسية إلى انخفاض الطلب على الطاقة في المصانع الصينية وهبوط أسعار النفط. ويُتوقع تراجع الطلب في الصين نتيجة استمرار انخفاض وتيرة النمو إلى أقل من 7.1 % هذه السنة من 7.4 و7.7 % على التوالي عامي 2013 و2014. ووفق توقعات "البنك الدولي" فإن نمو الاقتصاد الصيني سيشهد تباطؤًا في السنوات المقبلة. وعلى رغم أن الصين تشغل المرتبة الثانية ضمن شركاء روسيا التجاريين، فإن روسيا حلت ثامنة ضمن شركاء الصين، ولا تستأثر بأكثر من 2% من حجم التجارة الخارجية لبكين. كما أن الاتحاد الأوروبي ما زال الشريك التجاري الأول لروسيا فيما تتصدر الولاياتالمتحدة قائمة شركاء الصين التجاريين. وتشير المعطيات السابقة، وفقًا لخبراء، إلى صعوبة تخلي البلدين عن علاقاتهما التجارية التقليدية مهما تقاربت المواقف السياسية للطرفين ضد السياسات الغربية. فموسكو لا تستطيع الاستغناء عن السوق الأوروبية، والصين لا يمكنها تقليص علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. ويكشف هيكل الصادرات والواردات بين البلدين عن خلل مهم، إذ يشكل النفط والغاز قرابة نصف الصادرات الروسية إلى الصين، فيما تشغل الأخشاب 15%، وتراجعت المعادن إلى نحو 9 %، ولا تتجاوز حصة الماكينات والمعدات 8.4 %. ويمكن لطغيان الخامات على هيكل الصادرات الروسية أن يتعزز في السنوات المقبلة خصوصًا بعدما وقع الطرفان عددًا من الاتفاقات في مجال الطاقة أهمها صفقة لتصدير 38 بليون متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي الروسي لمدة 30 سنة وبقيمة إجمالية تصل إلى 400 بليون دولار، لكن الاتفاق يصب، وفق خبراء، في مصلحة الصين التي استغلت جيدًا حاجة الكرملين لتنويع مسارات صادرات الطاقة فناورت وحصلت على عقود تفضيلية؛ لتلبية الطلب المتزايد للاقتصاد الصيني على الغاز الطبيعي. كما وقعت "روس نفط" عقدًا مع نظيرتها الصينية "سي أن بي سي" بقيمة 270 بليون دولار.