أسعار الجمبري والكابوريا اليوم السبت 4-5-2024 في محافظة قنا    عمرو أديب عن الفسيخ: "مخلوق مش موجود غير في مصر.. تاكله وتموت سعيد"    مصدر ل تايمز أوف إسرائيل: صبر واشنطن مع حماس بدأ ينفد    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024.. عز 24155 جنيها للطن    توريد أكثر من 16 ألف طن قمح بالإسكندرية    أخبار مصر: خبر سار للاقتصاد المصري، فرمان بنهاية شيكابالا في الزمالك، شيرين تثير الجدل بالكويت، أمريكا تطالب قطر بطرد حماس    أسعار الذهب في بداية تعاملات السبت 4 مايو    حسين هريدي: أمريكا لا تؤيد فكرة وقف إطلاق نار دائم في غزة    دبلوماسي روسي ينتقد الاتهامات الأمريكية بتورط موسكو في الهجمات الإلكترونية على أوروبا    بلينكن يقول إن هجوما إسرائيليا على رفح سيتسبب بأضرار "تتجاوز ما هو مقبول    جيش الاحتلال يعتقل 5 فلسطينيين من بلدة سبسطية شمال غربي نابلس بالضفة الغربية    الزمالك يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة سموحة    موعد مباراة الأهلي والجونة والقنوات الناقلة في الدوري المصري    بداية من اليوم.. ممنوع دخول المقيمين إلى مكة المكرمة إلا في هذه الحالة    تصل ل600 جنيه.. سعر اللوحات المعدنية في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    مونودراما فريدة يختتم لياليه على مسرح الطليعة في هذا الموعد    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داعش يحطم الآثار في العراق.. وأمثالهم في مصر يدعون إلى تحطيم أبو الهول والأهرامات


مقدمة
- لم يكن قيام التنظيم الهمجي داعش بتدمير محتويات متحف الموصل بالعراق التي تعود الى حضارة نينوى قبل 6000سنة من الميلاد ، واحرقوا آلاف الكتب وسط المدينة ، مختلفا في الفكر والسلوك التخريبي عما قامت به تنظيمات اخرى متطرفة بتدمير الارث الانساني ، ففي مارس 2001 امر القائد الاعلى لحركة طالبان (الملا عمر) في افغانستان بتدمير تمثالين عملاقين لبوذا في باميان يعودان الى اكثر من 1500عاما ، وقد اعتبرتهما الحركة "مخالفين لتعاليم الاسلام" . وفي اغسطس 2012 خرب متشددون ضريح الشعاب الدهماني في طرابلس ودنسوه ، وتعرض للتدمير ايضا ضريح الشيخ عبد السلام الاسمر الفقيه الصوفي من القرن السادس عشر في زلتين التي تبعد 160كم شرق العاصمة ، كذلك تعرضت مكتبة وجامعة تحملان الاسم نفسه لاعمال تخريب ونهب . وفي يوغسلافيا وخلال الحرب بين المجموعات الدينية في البوسنة من 1992 الى 1995 احرق المقاتلون الصرب المكتبة الوطنية في سراييفو التي بنيت في القرن التاسع عشر واعيد فتحها في مايو 2014 بعد 22عاما على تدميرها . وفي سوريا تم تفجير مئذنة المسجد الاموي في سوريا من قبل عناصر ارهابية من جبهة النصرة ، ويعتبر هذا المسجد من روائع الفن المعماري الاسلامي ، ومدرج في لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو .
- اما في مصر فقد قام المتشددون من جماعة الاخوان والسلفين بهدم كثير من مقامات اولياء الله الصالحين في المدن المصرية ، وهددوا بهدم الآثار المصرية القديمة وعلى رأسها ابي الهول والهرم ، وذلك عقب ثورة 25يناير ، بل كانوا في الايام الاولى من هذه الثورة على وشك تدمير المتحف المصري بميدان التحرير القريب من مكان تجمعهم لولا تغطية قوات الجيش التي كانت تحمي المتحف ولم يقتصر المر على ذلك .. بل نجد موقع "اسلام ديب" ينشر فتوى لمفتي قطر تطالب فيها بهدم الاهرامات وابي الهول ، واعتبار القضاء على هذه الآثار واجبا شرعا ، الامر الذي آثار غضب الكثير في مصر . سواء من الاثريين والمثقفين او من جانب عامة الشعب المصري الذين اعتبروا هذه الفتوى نوع من الهراء ولا سند لها ، وتتم عن جهل من الناحيتين (الدينية والعلمية) . كما رأينا كيف وضع هؤلاء المتشددون النقاب على تمثال ام كلثوم بدعوى ان وجهها عورة !! كما حطموا رأس تمثال طه حسين عميد الادب العربي في المنيا ، وهو واحد من الرموز الثقافية والفكرية في الوطن العربي ، وقاموا بتحطيم تمثال "سنوسرت الثالث" في المنصورة ، وهشموا اللوحات المعدنية على تمثال سيمون بوليفار في قلب القاهرة ، باعتبار ان تلك التماثيل ما هي الا اصنام يجب تهشيمها وازالتها من الوجود .
الفكر القبطي الهدام وراء كل ذلك
- اذا اردنا ان نتعرف على الركائز الفكرية التي يعتمد عليها كل من قاموا بهذه الاعمال التخريبية ، فسنجد انها تعود الى ما ارساه سيد قطب – كاهن جماعة الاخوان –في كتبه خاصة "معالم في الطريق" و "في ظلال القرآن" من مفاهيم باطلة ابعد ما تكون عن الدين ، يزدري فيها مبدأي الوطنية والقومية ويعتبرهما "علائق نتنه" بل ويصف الحضارة المصرية القديمة بأنها "عفن" و "حضارة اصنام" يجب التخلص من رموزها بهدم المعابد وتحطيم التماثيل المصرية القديمة ، وان على المسلم ألا يكون ولاءه للوطن ، بل عليه ان يصرف ولاءه للجماعة فقط ، وما مصر في نظره الا "ماء ورمل وطين وكلأ مما تجتمع عليه البهائم" كما يدعي ان الوطنية هي "مبدأ وتصور جاهلي" .
- اما انعكاس هذا الفكر الهدام على الجيل الجديد من شباب مصر ، فيشيد اليه الصحفي عبده مباشر في مقال له بالاهرام بتاريخ 12ديسمبر 2010 نتيجة حوار اجراه مع طلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة ، وصفه ب"الفاجعة" . حيث استنكر الطلبة اقبال المصريين المسلمين على مشاهدة الآثار والتماثيل الفرعونية واحاطتها بكل هذا التقدير ، واكدوا انها ليست اكثر من اصنام تستحق التدمير ، وعقبوا قائلين : "انهم لو وصلوا الى السلطة فلن يتورعوا عن تدمير كل الآثار الفرعونية حماية للناس من الشرك ، ثم اشاروا الى ما تضمنه القرآن الكريم عن فرعون .
- وعندما اوضح لهم الاساتذة ان كل المسلمين الآن في مرحلة من الوعي والايمان والفهم تمنعهم تماما من النظر الى هذه الآثار والتماثيل الفرعونية باعتبارها اصناما ، كما انها التجسيد الموجود والباقي لعظمة الاجداد الفراعنة ، ثم اشاروا الى ان هؤلاء الاجداد هم الذين اشرق على ايديهم فجر الضمير .. وهو ما اكده الكاتب المتخصص البريطاني الجنسية جيمس هنري برستيد ، كما انهم بفطرتهم النقية ادركوا ان هناك خالقا واحدا لهذا الكون ، وآمنوا بأن هناك بعثا بعد الموت ، وحسابا على افعال البشر ثم ثوابا او عقابا ، ولكن الطلبة قالوا : انها اصنام وشرك بالله ، وطريق للضلال والاضلال . ورد الاساتذة ، بأنه لا يمكن تصور عودة الناس الى ما كان سائدا في عصور الجاهلية قبل الرسالة المحمدية وانتشار الاسلام ، فقال الطلبة : لقد كان هناك قوم آمنوا بالانبياء الذين جاءوا قبل محمد نبي الله ورسوله ، ثم نسوا فيما بعد ، او نسى من اتى بعدهم ما جاء به الانبياء واشركوا وعبدوا الاصنام ، لذا فان الحل هو تدمير هذه الاوثان . فقا الاساتذة : اي انكم ستفعلون ما سبق ان فعلته حكومة طالبان في افغانستان بعد ان استقرت في الحكم ودمرت تمثالين حجريين كبيرين لبوذا ، ثم عقبوا ان مثل هذا العمل واجه استنكارا وغضب من كل اركان المعمورة . فقالوا في صوت واحد وبجدة : ان ما فعلته حكومة طالبان هو الصواب ، وانه لا قيمة لاستنكار العالم ، المهم ارضاء الله وتجنب غضبه ، ودفع المنكر حفاظا على الاسلام وحماية المسلمين من الفتنة و الافتتان ، وفد انتصرت طالبان للاسلام ، ولم تبال بغضب الغاضبين .. وقال الاساتذة انكم تريدون تدمير تاريخ مصر ، فردوا قائلين : انه تاريخ من الشرك ، والتاريخ الحقيقي يبدأ بتحول مصر الى الاسلام . وواجههم الاساتذة بقولهم انهم وكل من ينهج نهجهم او يفكر على طريقتهم خطر على مصر والمصريين حتى وان كنتم جميعا في الظاهر تتحدثون بلسان اسلامي ، ولكنه في النهاية لايمكن ان يكون من الاسلام ، ولن يؤدي الا الى تشويه صورة الاسلام والمسلمين وزعزعة الاستقرار في مصر واصابتها بشروخ عميقة .
- اما مالم يقله الاساتذه آنذاك في هذا اللقاء الذي جرى قبل استيلاء الاخوان على السلطة في مصر بعامين ، ان من لوثوا عقول هؤلاء الشباب قد نجحوا تماما وتمكنوا من السيطرة عليهم . ومثل هؤلاء الشباب لا يقبلون بالمنطق ولا يريدون حوارا ، بل يريدون من الجميع التسليم بما يرونه ، وبمعنى اصح ما يراه قادتكم ، وكان من المفيد ان يقول الاساتذة لهم انه منذ فتح مصر عام 642م ، وبدء اقتراب العرب الفاتحين من آثار مصر القديمة ، وكانوا حديثي عهد بالاسلام لم يثبت ان ايامهم قد فتن في دينه بسبب هذه الآثار .
- ثم استطرد عبده وباشر واصفا هذا التيار المتشدد من شباب مصر ، وكأنه يرى خطورة وصوله الى السلطة في مصر كما حدث في بعض الدول الاسلامية .. فيقول "وهذا التيار المتشدد بقواه التي وصلت الى قمة السلطة في بعض الدول ، او التي تعمل بكل قواها في عدد آخر من الدول للوصول الى السلطة وعلى رأسها مصر كما حدث بالفعل في يوليو2012 ، هو الذي يحرم الفن والغناء والموسيقى والسينما والتليفزيون ، ويحرم الاختلاط ويرى ان صوت المرأة عورة وخروجها للشارع مكروه الا للضرورة ، ويفرض عليها البقاء في المنزل ، اما العمل فهو مكروه الا لضرورة ، والحجاب فرض والنقاب افضل من الحجاب . وبالنسبة للرجل فان اللحية لابد منها ، ويجب ان يكون طولها قبضتين ، ويفضل للرجل ارتداء القميص والسروال ، ولابد من الالتزام بتسريحة الشعر الشرعية . وهذا الاستغراق في الشكل سند من القرآن او السنة هو اهم ما يميز هذا التيار ، اما العلم والتطور والتقدم والتنمية الاقتصادية ، وفهم العالم بصراعاته وتوازناته فتلك قضايا مؤجلة يسبقها اسلحة وفقا لرؤيته .. ويتبنى استمرار الصراع حتى ولو استولت اسرائيل على كل فلسطين ، واحتلت اراضي عربية اخرى ، استنادا الى ان الغد سيحمل نصرا مؤزرا .
انعكاس الفكر الاخواني الهدام على سلوك الجماعة
- انعكس هذا الفكر الاخواني الهدام على سلوك الجماعة عندما استولت على السلطة وحكمت مصر في عام 2012 ، واتت الثمار المسمومة لتعليمات سيد قطب بنبذ الولاء والانتماء الوطني ، ليس فقط فيما يمارسه الاخوان من سياسات ابرزت استعداد الجماعة للتنازل عن اراضي مصرية لحلفاء لها تتمثل في 750كم مربع من شمال سيناء وضمهم الى قطاع غزة حيث تحكم حركة حماس فرع الاخوان هناك ، مع تجنيس 50.000فلسطيني بالجنسية المصرية ، والتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان حيث يحكم نظام البشير الاخواني وتسليم مشاريع محور قناة السويس الى قطر . كما انعكس هذا الفكر الاخواني ايضا بعد ان نجح الشعب المصري في ازاحة الجماعة عن الحكم بثورته في 30يونيو 2013 ، حيث مارست خيانة الوطن على اوسع نطاق باستعداء القوى الخارجية ضد مصر ، ودعوتهم لاحتلالها وضرب الجيش المصري وتفكيكه ومنع السلاح وقطع الغيار عنه ، بل وجدنا من قادة الاخوان من طالب الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي بارسال قواتهم الى مصر لاسقاط النظام الجديد الذي قام بعد ثورة 30يونيو ، ومطالبة الامريكيين والاوربيين باعادة محمد مرسي بالقوة الى كرسي الحكم رغم انف الجيش والشعب المصري ، وطالب شيخهم الخائن والتعيس والخسيس يوسف القرضاوي بتدخل اجنبي ضد مصر بل وطالب الحجيج في مكة بالدعاء على من اسماهم اعداء الامة في مصر وسمعنا زعماء الاخوان في اعتصام رابعة يبشرون من فوق المنصة بنزول 7000 من جنود المارينز الامريكان في السويس وسط صيحات (الله اكبر) من قبل قطيع الاخوان المتجمع في ذلك الاعتصام .
- واذا كان الشيء بالشيء يذكر ، فلا ينبغي ان ننسى يوم قال مرشدهم مهدي عاكف "طظ في مصر واللي جابوا مصر ، ان اقبل برئيس من ماليزيا " ، ولم يقتصر الامر على ذل ، بل نجد احد شيوخ الجماعة –محمد عبدالمقصود - يخطب في الاحتفال بذكرى حرب اكتوبر معلنا : "انتهى زمن مصر للمصريين" ، حيث تثبت هذه التصريحات ان جماعة الاخوان لا تنظر لمصر باعتبارها وطنا بل سكنا لهم ، وقاعدة وركيزة لتحقيق الحلم الاخواني للسيطرة على المنطقة انطلاقا من مصر ، وان التنازل عن حقوق مصر لدول وتنظيمات اخرى عمل يتفق واهداف الجماعة .
- وفي اطار خطة تمكين جماعة الاخوان وحلفائهم السلفين من السيطرة على مفاصل الدولة المصرية وهياكلها الرئيسية باسم الدين ، وبعد ان اعلنوا ان "الحضارة المصرية القديمة (عفن) ، وانها (حضارة اصنام)" يجب التخلص منها ، وبعد ان وصفوا الادب ب (الدعارة) ،ورفضوا الوقوف تحية للعلم والسلام الوطني .. الى غير ذلك من السلوكيات التي تستهدف تحطيم الولاء والانتماء الوطني في قلوب المصريين ،، وللاسف باسم الدين ، نجدهم يخطون خطوة جديدة نحو بسط هيمنتهم كاملة على المصريين ، تتمثل فيما اطلقوا عليه "حراسة عقيدة المسلمين" . فتحت عنوان "حراسة الشريعة" نظم مجلس ما يسمى (شورى العلماء) التابع لمكتب ارشاد الجماعة ، الملتقى الاول لائمة دعاة مصر ، وليس بينهم ازهري واحد ، وليس من المعروف من نصبهم علماء ، كما ليس من المعروف ما هو مفهوم "حراسة العقيدة"؟ ومن الذي اوكل لهم حراسة عقيدة المسلمين في مصر ؟ ولا كيف سيحرسونها وضد من ؟ هذا في حين انهم يكفرون شيخ الازهر ، بل ويكفرون كل من لا يعتقد ويؤمن بافكارهم ويصلون في ذلك الى حد استحلال حرماته ، ناهيك عن هدم الاضرحة الموجودة في مصر –بما فيها اضرحة اهل بيت سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام – بحجة انها تخالف العقيدة . كما تفي حراسة العقيدة في مفهومهم تعزيز الليبراليين والصوفيين بالجلد والسجن ، ومحاسبة الازهر لأنه يدرس في معاهده مناهج تحوي المذاهب المختلفة والفلسفة والمنطق .. وهي من المحرمات في مفهوم حراس العقيدة . وغني عن القول ان الذي يدعون اليه من "حراسة العقيدة" هو نوع من التعصب الديني يمكن في حالة تطبيقها ان تصيب الوطن في مقتل ، وهو اصطلاح لم يتطرق اليه اي مذهب من مذاهب المسلمين في اي بلد او عالم من العلماء ، كما يعني هذا الاصطلاح ايضا ان الذين نصبوا انفسهم حراسا على العقيدة سيفرضون انفسهم اوصياء على الناس ، وحتما سيتدخلون ليس فقط في ممارسة المسلمين لشعائرهم ومعاملاتهم بالقوة ويما يتفق مع مفاهيم وافكار حرس العقيدة ، بل سيتدخلون ايضا في ضمائرهم ، وبما يؤدي الى اشعال نيران فتنة لا يخبو اوراها الا بتوعية الناس بأن مثل هذه الدعاوي باطلة ومخالفة لصحيح الدين ، وبأن تتولى سلطات الدولة الضرب بيد من حديد على كل من يحاول ان يفرض نفسه وصيا على عقائد الناس ومعاملاتهم ، فردا او جماعة .
- وحتى بعد سقوط نظام حكم الاخوان في مصر عقب ثورة 30يونيو ،وانتقاما من شعب مصر وجيشها ، نجد جماعة الاخوان وحلفاءها يمارسون احط وابشع واقذر صور الخيانة ، بما يؤكد انتفاء الوطنية لدى اتباعها ، حيث وضعت بصمتها السوداء في اكثر من مكان في مصر، سواء بالاعتداء على قوات الجيش والشرطة ، او بتخريب المنشآت العامة والخاصة ، واطلاق النار عشوائيا على الاهالي المعترضين على ممارساتهم ، فضلا عن تخريب المرافق العامة من وسائل نقل وسكة حديد ومترو .. مما ادى لسقوط مئات القتلى والمصابين من المصريين الابرياء ، وكل هذه الجرائم ارتكبت وترتكب للاسف باسم الدين والدين منها براء.
الرد على الدعاوي الباطلة
اولا : مصر القديمة معظمها اسلامية ولم تكن كلها فرعونية
- دأب الكثيرون على وصف مصر في عصرها القديم ب(مصر فرعونية) استنادا الى وصف القرآن الكريم لحاكم مصر في زمن سيدنا موسى عليه السلام ب(فرعون) . وهذا الوصف ينافي الحقيقة تماما ، لأن القرآن الكريم يصف ايضا حاكم مصر في زمن سيدنا يوسف ب(الملك) فلماذا يصف القرآن اح حكام مصر القديمة بأنه (فرعون) ، في حين يصف حاكم آخر في حقبة زمنية اخرى قريبة ب(الملك) ؟ حقيقة الامر ان لفظ (فرعون) يعني صفة لشخص وليست منصب او وظيفة ، وهي صفة تعني البغي والطغيان مصداقا لقوله تعالى مخاطبا كل من سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام "اذهبا الى فرعون إنه طغى" ، كذلك من صفات فرعون التعالي والاسراف في الارض "ان فرعون لعال في الارض ظن وإنه لمن المسرفين" ، ايضا من صفاته تضليل الناس عن دعوة الحق "واضل فرعون قومه وما هدى" ، كما انه من صفات فرعون تشتيت الناس وجعلهم فرقا واحزابا متنافرة ليمكن له السيطرة عليهم : مصداقا لقوله تعالى "ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ،يذبح ابناءهم و يستحي نساءهم ، إنه كان من المفسدين "(القصص-3) ناهيك عما يتصف به فرعون من تسلط وتجبر وتأليه نفسه على الناس ، مصداقا لقوله تعالى :"وقال فرعون يأيها الملأ ما علمت لكم من اله غيري" ، وقوله تعالى : "قال فرعون ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد" .
- يؤكد ما سقناه آنفا ان لفظ (فرعون) يختص بصفة شخص له السمات التي سقناها آنفا سواء كان حاكما او دون ذلك ، ولذلك فهو امر لا يتعلق بفترة زمنيو يختص بها تاريخ مصر القديم كما يظن البعض ، بل امر دائم ومستديم في الوجود لانه يخص صفات نوعية من البشر لها هذه الصفات والسلوكيات ، ولا نزال نعايش الكثير منهم في زمننا الحالي ونعاني منهم وموجودون في بلدان مختلفة من العالم ، يدل على ذلك حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فرعون امتي اشد عليها من فرعون اخي موسى" .
- وندلل على كلامنا هذا من القرآن الكريم حين وصف حاكم مر في زمن سيدنا يوسف عليه السلام ، فقد وصفه الله تعالى ب(الملك) ولم يصفه بفرعون ، لأنه كان من المؤمنين بسيدنا يوسف ، مصداقا لقوله تعالى :" قال الملك إئتوني به استخلصه لنفسي، فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين امين ،قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم" .(يوسف 54-55)
- وقد ساعد على انتشار المفهوم الباطل حول (مصر الفرعونية) عدم ادراك البعض ما تحمله اللغة المصرية القديمة من رموز تدل على معاني وحقائق معينة ، فقد حوت الآثار المصرية القديمة الكثير من الكتابات والنقوش التي تشيد ان الكتابة المصرية القديمة (رمزية صورية) وليست حرفية مثل باقي اللغات ، ومعظمها تعبر عن الخير والشر ، والحساب في الآخرة ، وعبادة الاله الواحد الاحد ، وليس ذلك غريبا لان مصر قدم اليها في الزمن القديم الكثير من رسل الله الكرام (سادتنا ابراهيم واسحق ويعقوب وادريس وموسى وعيسى .. وغيرهم) وبالتالي كان لهم اتباع آمنوا برسالاتهم مصداقا لقوله تعالى :"وما ارسلنا من رسول الا ليطاع بأذن الله" ، وكان دينهم الاسلام مصداقا لقوله تعالى :"ان الدين عند الله الاسلام" لذلك اقاموا هذه الحضارة المصرية القديمة ، وما تعكس آثارها من علوم ومعارف انسانية لازالت الحضارة الحالية عاجزة عن فك طلاسمها في الفلك والهندسة والعمارة والطب والزراعة والصناعة .. الخ ، ومن ذلك الاثمار وجود رسل الله الكرام بين المصريين.
- ولسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احاديث يكرم فيها مصر ويوصي بأبنائها ، ويحدد فيها دور مصر الرائد والرئيس في الدفاع عن الاسلام .. منها قوله "مصر كنانة الله في ارضه من ارادها بسوء الله " اي مصر ستكون منذ خلق الله الارض وفيها مصر .. والى الابد هي المدافعة عن الاسلام وحرمان المسلمين ، وان كل من يريد الاساءة بمصر فان الله كفيل بأن يقصمه. وايضا حديثه الشريف "اذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا من اهلها جندا كثيف . فانهم خير اجناد الارض ، وانهم لفي رباط الى يوم القيامة" كما اوصى حضرته بأهل مصر في حديثه الشريف "ستفتحون بعدي مصر، فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لكم فيها نسبا وصهرا" . وقد اثبتت وقائع التاريخ صدق احاديث سيدنا رسول الله عندما تصدى المصريون لغزوات اعداء الاسلام من الصليبين والتتار والصهيونين في معارك حطين(1187) وعين جالوت(1265) وحروب الصراع العربي –الاسرائيلي 1948،1956،1967،1973 .
ثانيا : ليست كل التماثيل اصناما
- يوجد فرق كبير بين (الاصنام) و(التماثيل) فالأصنام تلك التي تعبد من دون الله، اما التماثيل فهي قد تنحت لأغراض اخرى مع الجداريات ذات النقوش والكتابات ، فهي تعكس تاريخ وتراث الامم وتسجله للأجيال القادمة ،بدليل قوله تعالى في سورة سبأ حين عدد نعمه على سيدنا سليمان عليه السلام "لسليمان الريح غدوها شهر وزواجها شهر، واسلنا له عين القطر ، ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوان وقدور راسيات ، اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور"(12-13) وهنا يفرض السؤال نفسه : هل يمكن أن يأمر الرسول اتباعه يعمل يخالف ما يأمر به المولى عز وجل من عبادته وحده لا شريك له ؟ حاشا لله ، بل كانوا يعملون ما امر به المولى عز وجل "بأذن ربه" وايضا شكرا وتقربا الى الله تعالى .
- اما تحطيم سيدنا ابراهيم عليه السلام للاصنام ، فانما كان ذلك لكونها تعبد من دون الله . فضلا ان ما تشير اليه الآيات في هذا الشأن يدل بوضوح على ان حضرته كا يحطم في واقع الامر اصناما بشريه يتبعها قومه ، وينحتون لهم في قلوبهم آلهه تعبد من دون الله ، يتبعونهم في كل ما يأمرون به من ضلالات واباطيل على عكس كل ما امر به الله ورسوله ، وهو واقع عشناه الامس ونعيشه اليوم وغدا وفي كل ما نشاهده من قبل من يدعون الاسلام ، ويزعمون العمل لصالحه ، في حين يفعلون كل ما هو ضد الاسلام وعكس ما امر به الله ورسوله ،لاسيما في اعتداءاتهم التي نراها على حرمات المسلمين من ارواح ودماء وممتلكات عامة وخاصة . لذلك كانت كل دعوة سيدنا ابراهيم دعوة حجة واقناع "وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه" ويتأكد لنا ايضا ان تحطيم حضرته للاصنام بشرية .. قوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم عندما ذهب الى ارض مكة لبناء الكعبة بأمر من الله تعالى" واذا قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام ، رب انهن اضللن كثيرا من الناس ، فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم" (ابراهيم34-35) ومن البديهي ان الاصنام المنحوته من الحجارة لا تضل احدا ولو مكث امامها سنوات ، ولكن الذي يضل هو انسان شيطان يفعل بكلامه واساليبه الضلال في عقول غيره ممن يتبعونه، ويصرفهم بعيدا عن كل ما يأمر به الله ورسوله الى ما يبتغيه ويستهدفه من مفاسد على النحو الذي نشاهده اليوم من ائمة الضلال الذين يدعون اتباعهم الى كا ما يفسد في الارض ، فهؤلاء المتبوعين صاروا آلهة في قلوب اتباعهم ، ينفذون ما يطلبونه منهم من اعمال هدامة بقانون السمع والطاعة دون تعقل او تدبر ، لذلك اطلق عليهم سيدنا ابراهيم (اصناما او اوثانا) تعبد من دون الله ، لذلك كانت مهمته هو تحطيم هذه الاصنام البشرية في قلوب اتباعهم باقامة الحجة عليهم . لذلك ترك سيدنا ابراهيم اكبر تلك الاصنام ليشهد قومه على عجزه عن الدفاع عن نفسه ودعواه الباطلة واتباعه بعد ان اقام عليهم الحجة امام قومه الذين عجزوا من قبله عن الدفاع عن انفسهم ودعواهم الباطلة مصداقا لقوله تعالى :"فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون ، قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم ،قالوا فأتوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون ، قالوا ءانت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم ، قغال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم ان كانوا ينطقون ، فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون" والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الشأن : لماذا ترك سيدنا ابراهيم اكبر تلك الاصنام ، فلو كان واجب لكان يجب عليه تحطيمه ؟ ولكنه لم يفعل ليكون المعبود والعابدين لهم شهداء على انفسهم على عجزهم عن الاتيان بأي برهان على صدق دعاويهم الباطلة في مواجهة الحجة التي يقيمها عليهم حضرته .
- ويتأكد هذا المعنى – اي المعنى بالاصنام والاوثان في اغلب ما تشير اليه الايات القرآنية –انها اوثان بشرية تضلل الناس وتفسد عليهم دنياهم وآخرتهم ، اذا رجعنا الى قوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم في سورة العنكبوت "وقال انما اتخذتم من دون الله اوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين". (24) ومع افتراض ان يقيم عابد الوثن الحجري مودة مع هذا الوثن المعبود الذي لا يسمع ولا ينطق في الدنيا ، فكيف يكون بينهما نقاش ومحاورة يوم القيامة حيث يكفر ببعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعض؟!
- وهذا الواقع نشاهده اليوم وفي كل يوم وفي كل بلد – عن دعاوي الباطل التي يرفعها ائمة التكفير والارهاب تحت شعارات دينية براقة ، هي كلمات حق يراد بها باطل ، يضلون بها الناس وتصرفهم عن طريق الاسلام الصحيح ، ويحولونهم الى ادوات قتل وهدم وتخريب في مجتمعاتهم باسم الدين ، لذلك يأمر المولى عز وجل ائمة الهدى في الامة الاسلامية ، الواعين لأمور دينهم ، بمقاتلة دعاة الباطل هؤلاء بالحجة والبرهان الساطع ، وبما يقتل دعاوي الباطل في مهدها بما اتاهم الله ورسوله من نور الهداية والبصيرة والمعرفة مصداقا لقوله تعالى :"فقاتلوا ائمة الكفر انه لا ايمان لهم لعلهم ينتهون"(التوبة) وبديهي ان المخاطب في هذه الاية هم ائمة الايمان ، وان القتال المعني قتال حجة وبرهان وليس قتال مادي ، حتى ينتهوا عما هم فيه من تضليل وتكفير الناس ، ولو كان المقصود من القتال هو القتال المادي لما انتهت الاية بقوله تعالى :"لعلهم ينتهون" بعد ان تم قتلهم ، وهو نفس النهج الذي وضعه سيدنا ابراهيم لمقاتلة عبدة الاوثان والاصنام البشرية ، لذلك يأمرنا المولى عز وجل ان نتخذ من حضرته في دعوته اسوة حسنة مصداقا لقوله تعالى :"لقد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه" (الممتحنة 4-60)
ثالثا : تحطيم الاصنام التي تمثل فتنة وتعبد من دون الله
- وللرد على ما يسوقه دعاة تحطيم الآثار من تبرير قيام سيدنا موسى عليه السلام بنسف العجل الذي اقامة بنو اسرائيل وعبدوه عندما تركهم مع سيدنا هارون عليه السلام ، وذهب الى الميعاد تلبية لامر المولى عز وجل وامرهم ان يلحقوا به ،ولكنهم خالفوا اوامر حضرته وسيدنا هارون ، لذلك خاطب سيدنا موسى اخيه هارون قائلا :"قال هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا ، ألا تتبعني افعصيت امري ، قال يا بنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت فرقت بني اسرائيل ولم ترقب قولي". (طه94) حيث تشير هذه الآية ان غضب سيدنا موسى كان اساسا لتخلف اتباعه عن اللحاق به مما اتاح لهم فرصة بناء العجل وعبادته .
- ان حكم تحطيم الاصنام انما تستهدف تلك التي تمثل فتنة للناس في دينهم ، سواء كانت اصناما بشرية تحطم عن طريق الحجة ، كما اوضحنا آنفا او اصناما حجرية اذا كانت تعبد من دون الله ، وفي ضوء ذلك يمكن ان ندرك الحكمة من تحطيم سيدنا موسى عجل بني اسرائيل الذي صنعوه من الدهب ، وايضا يحطم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المسلمون الاصنام التي كان في الكعبة عندما فتح مكة .
رابعا : مخالفة طالبان لاوامر الله تعالى
- يقول المولى عز وجل في (سورة الانعام108) مخاطبا المسلمين في كل زمان ومكان :"ولا تسبوا الذين يدعون من الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" . حيث ننهي هذه الآية الكريمة حتى عن سب الكافرين بالله والذين يعبدون من دونه آلهة اخرى ، حتى باللفظ ، وذلك حتى لا يردوا وينتقموا بما يترتب عليه الاساءة الى الله تعالى ، واحداث اضرار بالمسلمين عما لو تركوا في حالهم وما هم عليه من معتقدات . وهو ما خالفته حركة طالبان عام 2001 بتحطيم تمثالي بوذا في افغانستان ، فرد البوذيون على ذلك في معظم بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا باحراق المصاحف في الشوارع ، ومهاجمة المساجد ودور العلم وقتل واضطهاد اعداد من المسلمين ، ناهيك عن تحرك وسائل الاعلام العالمية لمهاجمة الاسلام وتصويره بأنه لا يحترم الاديان ، هذا في حين ان هذه التماثيل كانت في افغانستان وهي بلد كل اهلها تقريبا مسلمين ولا يقتربون من هذه التماثيل وليس لها ادنى تأثير عليهم . ولكن كانت هذه الفعله التي لم يكن لها اي سبب الى الاساءة للاسلام والمسلمين ، أنها مخالفة صريحة لما نهانا الله عنه في الآية المشار اليها آنفا . يتضح لنا من هذه الحادثة – والتي للاسف يتخذها المتطرفون في مصر اسوة ونموذج يريدون اتباعه لهدم التماثيل المصرية القديمة –نشير الى انه اذا اراد المسلمون في اي بلد ان يحترمهم غير المسلمين المقيمين معهم ، ويحترموا عقيدتهم الاسلام ومساجدهم والاقليات المسلمة في البلدان غير المسلمة ، ان لا يدمروا معابدهم ولا تظلم الاقليات التابعة لهم على ارض المسلمين .
- اما الاحاديث الكثيرة التي وردت في صحيحي البخاري ومسلم وتوجب هدم الاصنام ، فان هذا يكون واجب اذا ثبت ان التمثال يعبد فعلا من دون الله ، وليس مجرد تحفة تدل على تاريخ وحضارة اقوام سابقين حتى وان كانوا غير مسلمين ، وان تكون هناك دولة اسلامية تعتبر ان وجود هذه الاصنام المعبودة تضر حديثي الاسلام ، كما لا ينبغي ان يؤدي هدمه الى اثارة حفيظة بعض مكونات المجتمع من غير المسلمين باعتباره مقدسا عندهم ، والا يترتب على هدمه مفسدة اكبر منه ، وذلك على اساس القاعدة الشرعية "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة" . فما حدث في العراق من قيام ارهابي داعش بهم التماثيل هناك –والتي تمثل ارثا ثقافيا وتاريخيا لبلاد ما بين النهرين ولحضارات اخرى –ما كان هناك احد من المسلمين او من غيرهم ذهب الى ان هذه التماثيل التي ليست اصناما او اوثانا ، كانت سببا في انصراف المسلمين عن دينهم الحق .
خامسا : لماذا لم يقم جماعة رسول الله بهدم التماثيل عن فتح مصر ؟
- تكشف حوادث هدم التماثيل في افغانستان والعراق ومصر .. وغيرها من البلدان الاسلامية ، ان المشكلة ليست في التماثيل ولكن في معتقد الانسان في هذه التماثيل. فلقد قدم الى مصر قديما –كما ذكرنا آنفا –العديد من رسل الله الكرام، وكانت لهم تبعيات كبيرة من المؤمنين بهم ، وسجل المصريون القدماء تاريخهم هذا على جدران المعابد وفي تماثيل تشير وتؤكد بأنهم كانوا مسلمين (الصور المرفقه) ولنا في صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شاركوا في فتح مصر اسوة حسنة في انهم لم يتعرضوا اطلاقا للتماثيل المصرية القديمة بأي سوء ، لأنهم يدركون حقيقة ما ترمز وتشير اليه من تسجيل الحضارة المصرية القديمة .. خاصة في الفترات الزمنية التي عاصرت قدوم رسل الله الى مصر . وكان من هؤلاء كبار الصحابة عمرو بن العاص ، والزبير بن العوام، والمقداد بن الاسود ، وعبادة بن الصامت ، وخارجة بن حذافة ، وحسان بن ثابت ، والقعقاع بن عمرو التميمي (يوصف بأنه الرجل الجيش ومقامه في مدينة المنزلة).. وغيرهم.. ولو كانت التماثيل المصرية تشكل في نظرهم اصناما تعبد من دون الله لكانوا قد قاموا بتحطيمها ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك . فاذا كان هذا هو سلوك صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نجاة الآثار المصرية القديمة ، ولنا فيهم اسوة حسنة مصداقا للحديث الشريف :"اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وحديث حضرته ايضا "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" كما كان ايضا سلوك التبعية وتبعية التبعية ، وايضا ائمة الفقة الاربعة الذين جاءوا الى مصر (سادتنا الامام مالك ، وابي حنيفة ، والشافعي ، واحمد ابن حنبل) ولم يفتي اي منهم بهدم هذه التماثيل ، وهنا نفرض السؤال نفسه : هل هؤلاء المتطرفين الذين يطالبون بهدم التماثيل المصرية القديمة اشد ايمانا واكثر اخلاصا للاسلام من صحابة سيدنا رسول الله الكرام والائمة الاربعة ، ليقوموا بما لم يقم به الصحابة الكرام بهدم التماثيل المصرية ؟!
- لقد استمرت الاثار المصرية القديمة واقفة في مواقعها شاهدة على الحضارة المصرية القديمة منذ آلاف السنين ، مر عليها وشاهدها ملايين البشر من مصريين وغير مصريين فهل شاهدنا احدهم يسجد لابي الهول او يتعبد لتمثال رمسيس الثاني او توت عنخ آمون ..؟! لم يحدث ذلك على الاطلاق ، فلم اذن يتشدق هؤلاء المتطرفون ويتاجرون بالاسلام والحرص عليه ومنع لناس من عبادة هذه التماثيل باعتبارها اصناما ، لذلك يحرصون على هدمها ؟
سادسا : التوحيد ديانه معظم المصريين القدماء
- ان من يشاهد الكثير من التماثيل المصرية القديمة والجداريات ، ويسعى لفهم ما ترمز اليه من معاني ، سيكتشف ان الكثير منها تعكس مظاهر ومعتقدات وعبادات المصريين المسلمين للاله الواحد الاحد .. لقد جاء في مؤلف العلامة الفرنسي (ماسبيرو) ونقله عنه المؤرخ احمد نجيب في كتابه (مصر القديمة)ص264:"ان المصريين القدماء كانوا امة مخلصة في العبادة .. اما بالطبيعة او بالتلقين والتعليم ، فكانوا يرون الله في كل مكان ، فهامت قلوبهم في محبته ، وانجذبت افئدتهم اليه ، واشتغلت افكارهم به ، ولازم لسانهم ذكره ، وشحنت كتبهم بمحاسن صفاته وافعاله حتى صار اغلبها صحفا دينية ، وكانوا يقولون انه (واحد) لا شريك له ،كامل في ذاته وصفاته وافعاله موصوف بالعلم والفهم ، لا تحيط به الظنون ، منزه عن الكيف ، قائم بالوحدانية في ذاته ، لا تغيره الازمان .. فهو الذي ملأت قدرته جميع العوالم ، وهو الاصل والفرع لكل شيء .
- ويذكر العالم الفرنسي (شمبليون)"لقد استنتجنا مما هو منقوش على الآثار حجة ما رواه المؤرخ (جامبليك) وما ذكره غيره من المؤرخين من ان الامة المصرية القديمة كانت امة موحدة في عبادتها وانهم لما تغلغلوا في سبيل التوحيد وقطعوا آخر مراحله ، علموا ان الروح ابدية ، واعتقدوا بصحة الحساب والعقاب (الكافي/شاروبيم/ج1/ص172) . وفي عام 1839 بعد وفاة شامبليون نشر اخوه (فيجاك) خلاصة ما كان قد توصل اليه بعد طول بحث ودراسة "ان الديانة المصرية ..توحيد خالص (The Egyptian Book of Dead , w.Budge.p/84)
- وفي تلك الفترة نفسها من القرن التاسع عشر ، ظهر في المانيا واحد اكبر علماء الآثار المصرية ، وهو د.هنري بروجس الذي عكف على الغوص في عالم مصر القديمة وعقائدها ، وخرج باستنتاج اعلنه كصرخة مدوية بأن اولئك القوم (يقصد المصريين القدماء) كانت عقيدتهم قمة التوحيد ، ولقد جمع عدد هائل من فقرات من نصوص مصرية قديمة "الاله واحد احد ولا ثاني له .. الاله باطن خفي ولا احد يعرف تكوينه ، ولا احد يمكنه ان يدرك كنيته وماهيته ولا شبيه له ، وهو خالق الكون وكل ما فيه ، خلق السموات والارض والاعماق ، وما تحت الثرى والمياه والجبال .. الخ" (الكتاب المصري عن الموت – ص84،85)
- وقد نشر العالم الفرنسي (دي روجيه) في عام 1860 في كتابه عن مصر ، جاء فيه :"لقد كان التوحيد بالاه سامي، وجد من تلقاء نفسه ، ازلي ،ابدي ، قادر على كل شيء ، وخلق العالم والكائنات الحية ، يعزى وينسب اليه كل شيء .. مثل هذه القاعدة السامية الراسخة ، يجب ان تضع عقائد المصريين القدماء في اشرف واكرم مكان بين عقائد العالم القديم" (الكتاب المصري عن الموت –ص83)
- وفي عام 1869 نشر عالم الآثار (دي لاردج) لكتابا عن ديانة المصريين القدماء ذكر بعد دراسة متعمقة لعدد من النصوص الدينية :"ان التسابيح الموجهة ل(لله الواحد) كانت تسمع في وادي النيل قبل خمسة آلاف سنة ، وانهم كانوا يعتقدون في الله العظيم الاحد ، خالق البشر ، وسانن الشرائع ، والمزود بروح خالد لا نفنى "( الهة المصريين –والاس بيدج)
- وفي عام 1895 نشر والس بدج كتابا لخص فيه ما وصل اليه علماء المصريات القديمة من ان "سكان وادي النيل من ابكر واقدم العصور ، عرفوا وعبدوا الها واحدا ازليا ابديا لا تدركه العقول ولا يمكن استكناه ماهيته " ثم اضاف "ويمكننا الآن ان نقول بثقة واطمئنان ان المصريين القدماء قد ادرك عقلهم وجود اله واحد ، باطن ، خفي ، لا نهائي ، لا تدركه العقول .. ازلي ، ابدي ثم اضاف :" لقد ادرك المصريون بالفعل وجود اله ليس كمثله شيء Who head no like ولم يكن له كفوا احد who head no equal (كتاب الموتى – مصدر سابق ص 83)
- ويذكر المؤرخ العالمي الكبير (ول ديورانت) "وحسبنا ان نذكر من معالم حضارة مصر .. ان المصريين اول من دعا الى التوحيد في الدين" (قصة الحضارة ج2/ض186) ويذكر المؤرخ آرثر "ان المصريين القدماء اول من اهتدى الى (اله) .. واول من تشرعوا بشريعة تقربا اليه .. وان معتقداتهم الدينية كانت الطلقة الاولى في اتجاه العقيدة الصحيحة التي تأثر بها من جاءوا بعدهم من عظماء البشرية "(الحياة الاجتماعية /بتري ص 149)
- كانت هذه بعض امثلة من اقوال العلماء الاجانب عن جذور عبادة التوحيد في مصر القديمة ، اوردها وغيرها ( د. نديم السيار في كتابه قدما المصريين اول الموجودين) الصفحات من 5الى 10) . اما ما ذكره علماء العرب ومؤرخيهم عن هذه الحقيقة فمنهم الاستاذ عباس العقاد في كتابه (الله) :" لقد وصل المصريون القدماء الى التوحيد ، ولم تعرف امة قديمة ترقت الى الايمان بالوحدانية على هذا المعنى – اي الايمان باله واحد – لا اله غيره .. غير الامة المصرية " كما يشير المرحوم الشيخ محمد ابو زهرة الى هذه الحقيقة في كتابه (مقارنة الاديان) فيقول "ان اول ما يلاحظه الدارس لديانات العالم القديم ، ن اشد الامم تدينا كانت امة المصريين القدماء ، حتى قال شيخ المؤرخين (هيرودوت):" ان المصريين اشد البشر تدينا ولا يعرف شعب بلغ في التدين درجتهم فيه ، وكتبهم في الجملة اسفار عبادة ونسك وذلك كلام حق .. فتلك الآثار الباقية التي تحكي لنا حياة المصريين ، جلها قام على اساس من التدين والاعتقاد ولولا وجود هذا الاعتقاد في النفس ما قامت تلك الاهرامات ، ولا نضبت تلك الاحجار .. الخ . ولقد كانت شد تدينهم سببا في أن دخل الدين عنصرا عاملا قويا في كل اعمالهم الخاصة والعامة ، فالدين سيطر حتى في الكتابة في الحاجات الخاصة ، وفي الارشادات الصحية ، وفي اوامر الشرطة ، وفي سلطان الحاكم "
- ويذكر عالم الآثار د.عبد العزيز صالح عميد كلية الآثار السابق "ان الغريب انهم هنا في مدينة ( أون) عين شمس حاليا قد توصلوا بثابت فكرهم وعميق ايمانهم الى ان وراء هذا الكون الها واحدا احدا لا شريك له في الملك ، اقام الدنيا بنفسه وخلق كل سيء ، وكان قبل كل شيء ثم يضيف "اننا نجد الاعتراف بوحدة الاله الخالق قائمة في مذهبي (عين شمس) و(منف) القديمتين لتفسير نشأة الوجود ، حين رد اصحاب كل مذهب منهما الوجود الى خالق واحد .. وهكذا آمن القوم بخفاء جوهر ربهم ، وتفرده بقدرته العليا واطمأنوا الى وجوده في كل الوجود ، والى رعايته لكل من في الوجود" (الشرق الادنى القديم/ج1/ص360)
- اما الباحث الاستاذ ابراهيم اسعد :"ولعل ايضا مما يعزز الرأي الذي ذهبت اليه ، ان كثيرا من جمل الاقدمين صريحة في التوحيد .. اقرأ معي بعض ما جاء في صدد التوحيد عندهم قالوا :"ان ما يحدث هو من امر الله" ، وما تزرعه وما ينبت في الحقل هو عطية من الله" ، "واذا جاءتكم السعادة حق عليكم شكر الله" . وقد ورد في بعض الاناشيد والادعية الواردة في كتبهم :"يا مولاي ويا سيدي ، انك خلقتني وصورتني ، وجعلت لي عينا ابصر بها آثار قدرتك وآذانا اسمع بها اناشيد قدسك"
- وقد اطلق المصريون القدماء على الله تعالى عدة اسماء تعكس حقيقية بعض صفاته منها :
أ‌- آتون : هو الاله الخفي الذي لا يظهر الا بصفاته ، وهو نور الانوار
ب‌- رع : هو الذي يشخص بصره بالنور ، فصار عطاء وخلقا
ت‌- آمون : هو ظهور القدرة المشرقة في الشمس ، وهو مظهر رع التي توصل عطاءه الى المخلوقات.
وقد اوضح هذا المفهوم والذي يبرز في الكثير من الآثار المصرية القديمة ، كتاب Egyptian Book Of Dead الذي اوضح ان الشمس التي وردت في كثير من نقوش المصرين القدماء ، اثبتت حقيقة ترجم كتاباتهم انها شمس غير مرئية لا تدرك بالحواس ولكن تدرك بما يتنزل في القلب"
- وتحت عنوان (المصريون وبناء الكعبة) يقول د.سيد كريم في مقاله بمجلة الهلال فبراير 1982 "اذا حاولنا البحث عن جذور رسالة التوحيد، فلسوف نجد ان اول رسالة للتوحيد نزلت على ارض مصر ، وفي ذلك يقول المؤرخ بتري في كتابه (ضمير الحضارة) :"ان شعب مصر كان اول شعب آمن بالله ، اول من آمن بأن هناك الها واحدا للجميع . آمن بهذه الحقيقة قبل مولد ازمان فكان اول من نادى بالتوحيد ، ذلك التوحيد والايمان بالخالق هو الذي بنى حضارة مصر التي خلدت بخلود العقيدة ، عبروا عن الاله (آتون) بالقوة الخفية الكامنة التي تهب الحياة وتسير الكون ، عرفوا سر الوجود، فآمنوا بالحياة والروح والبعث والحساب والعالم الآخر" ثم يستطرد د. كريم قائلا :"اقد اجمع العلماء على ان اول رسالات الخلق والتوحيد التي عرفتها البشرية وكانت منارا لها خرجت من مدينة (أون) –عين شمس حاليا- وان تلك الرسالة بما حوته من تعاليم وتشاريع وتفاصيل بناء المجتمع الانساني ، لابد وان تكون رسالة سماوية سبقت العقل البشري ، كما وصفها المؤرخ المصري القديم (مانيتون) عام 9500من التقويم المصري الكهنوتي –اي منذ 12500سنة . ثم يشير د.كريم الى مراحل رسالة التوحيد خلال عصور مصر القديمة منها رسالة التوحيد الاولى التي خرجت من (أون) واستمرت 2000سنة ، ثم ثورة التوحيد الثانية على يد الملك مينا ( ) موحد القطرين ومؤسس الاسرة الاولى الذي قام بحربه المقدسة لتوحيد البلاد بتوحيد الاله الواحد الذي رمز له بصقر السماء . ثم عادت الدعوة الثالثة مرة ثالثة لرسالة التوحيد في عصر الاهرامات ورمز للاله بقرص الشمس (رع) ثم كانت اخر رسالات التوحيد الذي نادى بها اخناتون في الاسرة الثانية عشر ثم بعد ذلك خرج برسالة التوراه سيدنا موسى عليه السلام
- وعن خروج رسالات التوحيد خارج مصر يقول د.كريم :"بدأت لاول مرة عام 2280 ق.م في اعقاب الاسرة السادسة عندما هرب اهل منف في اعقاب ثورة الرعاع وعصر الاضمحلال الى الجزيزة العربية .. حيث اطلق عليهم ( بنو مناف ) ومنهم السيدة امنه ام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اطلق عرب الجزيرة على مهاجري مصر اسم (جرهم) وهم القبائل التي نسب اليها مساعدة سيدنا ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام في بناء الكعبة ولجأت اليهم السيدة هاجر المصرية ام سيدنا اسماعيل لعلمها بلغتهم المصرية .. في ذلك بقول زهير بن ابي سلمى في معلقته المشهورة فأقسمت بالبيت الذي طاف حول .. رجال بنوه من قريش وجرهم .
اما الهجرة الثانية المشهورة للمصريين الى ارض الجزيرة العربية ، فقد تمثلت في هجرة اتباع (اخناتون) الذي كان آخر من نادى برسالة التوحيد قبل بعث سيدنا موسى عليه السلام ، وكان اخناتون قد بدأها بقوله "الله وحده لا شريك له ، هو الواحد الاحد ، الفرد الصمد ، خلق السموات والارض ، ولا شأن لجواره لأحد ، هو الاب وهو الام وليس له ولد" . وكانت هذه الهجرة في عام 1358 ق.م واطلق على اتباع اخناتون اسم (السابي) ومعناها اهل الحق والعدالة ، ووصفوا بأنهم يعبدون الخالق ويقدسون عظمته وينادون بوحدانيته ، كما انهم اقاموا شعائر الركوع والسجود والطواف سبع مرات حول الكعبة(وهو ما نشاهد بعضه اليوم في آثار كل العمارنة) ولا شك ان اخناتون كان من اتباع احد رسل الله الكرام الذين وفدوا الى مصر قديما.
- اما زيادة المصريين القدماء للكعبة في مكة بالجزيرة العربية بعد اخناتون ، فقد ورد ذكرها في كتاب (ديانة التوحيد وعصر اخناتون) د.سليم حسن ، والذي اشار الى ان هذه الزيارات كانت تتم في مواسم الحج وفي اعياد منف واخناتون ومن الزيارات المشهورة التي امكن تسجيلها زيارة سيدنا موسى عليه السلام بمرافقة النبي شعيب –عليهما السلام كما قام بالحج الى الكعبة قائد حملة رمسيس الثاني الذي كان ينتمي الى طوائف التوحيد، والذي حملته زوجة فرعون كسوة للكعبة صنعتها في مصر ، وقام برفعها على حوائط الكعبة ، وكانت زوجة فرعون هذه هي التي قامت بتربية سيدنا موسى صغيرا ، وذكرها القرآن بأنها كانت من المؤمنين .
- وتشير الصور المرفقة عن تماثيل وجداريات المصريين القدماء الى ما كانوا عليه من اسلام ، يقيمون شعائره من صلاه قياما وركوعا وسجودا ، فرادى وجماعة وعند قراءة التشهد في نهاية الصلاة والابتهال الى الله بالدعاء ، والطواف حول الكعبة بلباس الاحرام .. الخ من مظاهر العبادة الاسلامية .
رؤية تحليلية
- ان ما قام به تنظيم داعش الارهابي في العراق من تحطيم الآثار العراقيه القديمة ، والتي امتدت من تحطيم متحف الموصل الى تجريف مدينة النمرود جنوب مدينة الموصل، ثم الى تماثيل مدينة الحضر ، انما يستهدف امرين :
الاول :هو محو كل ما يشير الى الحضارات العربية القديمة ، حتى لا يبقى في الشرق الاوسط الا ما تحاول اسرائيل ان تدعيه من حضارة اسرائيلية ، وتسعى الى الدعاية لها بل ونسبت بعضها لليهود ، وهو ما يزعمونه بشأن الهرم الاكبر بأن اليهود هم من بنوه . اما الامر الثاني: فهو سرقة كل ما تطوله ايدي داعش من آثار ويمكن نقلها وبيعها بالخارج، او بيع الآثار المهشمة ، بالنظر لحاجة التنظيم الى الاموال بعد ان تم تجفيف الكثير من مصادر تمويله ، وبهذه الاموال يمكن تغذية الاعمال الارهابية التي تمارسها داعش على كل الساحة العربية وصولا الى ليبيا ومصر هذا فضلا عن لفت انظار وسائل الاعلام العالمية الى ان التنظيم مازال محتفظ بقدراته رغم الضربات الموجهه اليه من التحالف الدولي، وان التنظيم ماضي في طريقة لتدمير الحضارة الانسانية في بلاد الرافدين ، ناهيك عن بث ثقافة الارهاب والعنف والكراهية بين الجماعات والمكونات الثقافية والحضارية المتنوعة لابناء المنطقة ، كما يجب ان نضع في الاعتبار ان هدم آثار مدن الموصل وما حولها يأتي متزامنا مع صدور تصريحات متضاربة من مسئولين عراقيين وامريكيين من قرب اطلاق عملية عسكرية لاستعادة الموصل من التنظيم، لذلك سارعت قيادات داعش لهدم هذه الآثار والاستيلاء على ما يمكن منها قبل بدء هذه العملية العسكرية .
- واذا نظرنا الى البعد الايديولوجي لما يقومون به من تدمير للحضارة العراقية القديمة ، فسنجد ان الفكر الذي يدفع هؤلاء الارهابيين نحو تلك الاعمال هو جزء من منظومة اكبر تأصلت في ايديولوجيتهم انطلاقا من عقيدة بأنه ما دامت تلك الاثار تخالف معتقداتهم فإنه من الواجب تدميرها ، وتحويل التاريخ والثقافة الى ايديولوجية واحدة تعتمد فقط عليهم ولا نقوم بدونهم ، او بمعنى اشمل انهم يسعون الى اعادة كتابة التاريخ على حسب اهوائهم من خلال تدمير الوثائق والكتب والآثار التاريخية التي تحكي التاريخ الحقيقي الذي يتعارض مع رواياتهم التي يؤلفونها ويزعمونها كذبا وبهتانا عن التاريخ وتخدم اهدافهم شأن استغلالهم للكثير من الاحاديث الموضوعة التي تحوي اسرائيليات وخزعبلات ابعد ما تكون عن الدين ، يحرصون على ابقائها والاستشهاد بها. لذلك نرى هذا التخريب المتعمد للتاريخ لا تقوم به داعش في العراق وسوريا فقط بل قامت به ايضا منظمات دينية متطرفة ارهابية .. قيل طالبان في افغانستان وباكستان ومالي ونيجيريا (بوكوحرام) .. وصولا الى مصر وكل بلد تطوله ايدي المجرمين .
- واذا كان المسئولون في معظم دول العالم قد أدانوا جريمة هدم الآثار القديم في العراق ، وكذلك في المؤسسات الدولية الراعية للتراث الانساني (اليونسكو) واعتبروها بمثابة جرائم حرب ، فيجب الا نستغرب وقوعها من اناس توحشوا الى درجة ذبح واستحلال حرمات المسلمين وغير المسلمين بأبشع مما تأتي به الحيوانات المفترسة بدم بارد يفتقد لابسط معاني الانسانية ، بل وتدل على حالة من الجنون اصابت هؤلاء البشر المتوحشين ، وبالتالي فإن من ينضم لهم بعد كل هذه الجرائم الاشخاص الساديون ومصاصوا الدماء ممن يعملون نظير اجر كقتلة محترفين ، او يعملون لاشباع رغباتهم المريضة في رؤية الدماء البشرية والتمتع بسفكها ، ويهدم الآثار –وهو ما انعكس في حماسهم وسعادتهم وغلهم وحقدهم وهم يحطمون التماثيل في مدينة النمرود .. اما ان يكون هؤلاء المجرمون اصحاب عقيدة ودعوة وفكر يدافعون عنه –ولو بهذه الطريقة الهدامة –فهذا من المستحيل ، فلا علاقة لهم بالاسلام من قريب او بعيد حتى وان البسوا اعمالهم ثوب الاسلام ، فهو بريء منهم ومن جرائمهم . والدليل على ذلك ان الفتوحات الاسلامية في زمن سيدنا عمر للعراق على ايدي سادتنا خالد بن الوليد وابن حارثة الشيباني وجدوا هذه التماثيل التي خلفتها الامم السابقة في العراق .. مثلها مثل مصر والشام .. وغيرها من بلدان العالم ولم يقدم اي قائد في جيوش المسلمين التي فتحت هذه البلدان على هدم شيء منها ، والتاريخ والواقع خير شاهد على ذلك ، لأن المسلمين الفاتحين كان لديهم من الرقي والفهم واستعمال العقل اكثر من هؤلاء الدواب الذين هدموا التماثيل في العراق ، وهذا يعد ابلغ دليل على أن هؤلاء الوحوش الادمية لا يتبعون السلف ، ولا ينهجون نهج الاسلام ، وليسوا اكثر من وربما تقوى واتباعا للكتاب والسنة وطاعة (رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة الفاتحين) الذين تركوا كل ما خلفه المصريون القدماء ، والفرس ، والكنعانيون ، والاراميون ، والبابليون . ولكنهم ينهجون نهج التتار عندما غزوا العراق واحرقوا المكتبات في بغداد
- ان استناد عصابة داعش لبعض الاحاديث الموضوعة بفعل الاسرائيليات في كتب التراث يستدعي حتمية تطهير هذه الكتب منها ، ذلك ان كثيرا من هذه (الكتب محشوة بأفكار تخاصم العصر وتزعم ان التماثيل والصور والموسيقى حرام ، وان التماثيل قد تفتن الناس فيعبدوها مثلما كانت بعض قبائل شبة الجزيرة تفعل قبل ظهور الاسلام . ان هذه الكتب مازالت –الاسف –تطبع وتباع وتقرر في مناهج المعاهد الازهرية ، وما زال بعض المشايخ من السلفين والازهريون يحرمون الفنون والموسيقى والسينما والتليفزيون والنحت والتصوير ، ولعلنا لازلنا نذكر ذلك (الشيخ) المخبول الذي دعا الى هدم الهرم وكانت الفضائيات تستضيفه في زمن مرسي وعصابته .
- وللرد على هذه المزاعم والاباطيل الملتحقة بالدين زورا وبهتانا ، نقول ان حكم الباطل بتحريم التصوير يستند الى الفهم الخاطئ للحديث الصحيح الذي يقول فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" وهذا الحديث لا يشير مطلقا الى الصور الفوتوغرافية كما يزعم اصحاب هذا الفهم الخاطئ وانما يشير الى من يسيئون المعتقد في الله عز وجل ، ويصورونه سبحانه وتعالى في اي صورة تحمل شبهة التجسيم والتشبيه .. مثل تلك الفرق التي تسمى (المجسمة) و(المشبهة) والتي تروج لمعتقدات اليهود الباطلة ، وتنكر تأويل الآيات المتشابهات في القرآن ، وتقول بأن الله يدا وعينا ووجها ، استنادا للفهم الخاطئ لبعض الآيات المتشابهات التي لا يمكن ادراك معناها الا من خلال التأويل .. وهؤلاء هم (المصورون) الذين يعينهم الحديث الشريف ويتوعدهم الله تعالى بالعذاب الشديد في الآخرة .
- ومن الجديد بالذكر ان ابن تيمية هم اشهر من كانوا يروجون لاقوال (المشبهة) و(المجسمة) وقد كان ذلك هو السبب الرئيسي في ثورة الناس على ابن تيمية ودخوله السجن عدة مرات في مصر والشام حتى مات في سجن دمشق بسبب اصراره على الدعوة والترويج لهذه المعتقدات الباطلة عن المولى عز وجل ، حيث كان يجهر ذلك امام الناس من فوق المنبر ويقول :"ان الله ينزل من السماء الدنيا كما انزل من فوق منبري هذا ، ويتبين من ذلك ان ليس هناك ايه علاقة بين هذا الحديث "اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" والتصوير الفوتوغرافي الذي هو احد مظاهر التقدم العلمي في هذا العصر بل ومن ضروريات الحياة –خاصة في مجال تحقيق الهوية –لا يمكن الاستغناء عنها ، والتي يأمر الاسلام بالاخذ بكل اسباب التقدم فيها .
- وفي الختام نؤكد على انه اذا لم نقم بثورة الازهر والمجلس الاعلى للشئون الاسلامية بحذف كل هذه الاسرائيليات وتنقية كتب التراث منها ، فعلينا ان نتوقع المزيد والمزيد من اعمال اجرامية مجنونة .. لن تقتصر فقط على تدمير التماثيل ، بل ستشمل المسلمين ممن لا يتبعون هؤلاء المجانين المتوحشين في كل بلد تصل اليه اقدامهم .. هم او حلفائهم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.