رصاصة طائشة أصابته ليرحل إلى السماء، ويعم الحزن والألم وسط أسرة بسيطة فقدت الأب منذ سنوات. كان يتمنى زيارة والده فى مدافن القطامية، ولكن الموت أدركه بعد بضع ساعات، ليرقد بجواره تحت التراب. «مينا ماهر» الطفل الذى لم يتجاوز عامه العاشر، راح ضحية الغدر فى الأحداث الدامية التى شهدها ميدان «المطرية»، بين قوات الأمن وأعضاء الجماعة الإرهابية ومتظاهرين من تيارات أخرى والتى راح ضحيتها أكثر من 12 قتيلًا. فى منزل متهالك تصدع من آثار الزمن، جلس «أبنوب رأفت» ابن عمه، يتذكر آخر اللحظات بينهما باكيًا: «يوم الحادثة لقيت مينا بيقولىأنا عاوز أروح لبابا نفسى أشوفه وأتكلم معاه وحشنى قوى تيجى نروح سوا؟ قلت له: استنى، هنصلى فى كنيسة العذرا، ونلعب بلايستيشن، وبعدها نروح». يكمل «أبنوب»: «إحنا متعودين على مظاهرات الإخوان كل أسبوع، بس اليوم ده كان قلبى حاسس إن ها يحصل حاجة، «مينا» قال أنا رايح أجيب لب، ورحت معاه، وإحنا ماشيين، حصلت اشتباكات، وفجأة صرخ مينا، بعد ما خد رصاصة فى رقبته، لقيته مرمى فى الشارع، غرقان فى دمه، وجريت بيه على المستشفى كان مات». فى حقيبة بلاستيكية موجودة على «ترابيزة» فى وسط المنزل، فتحها أبنوب: تونية الصلاة، وآيات من الإنجيل، وشيكولاته اشتراها مينا قبل أن يموت، ولم تمهله رصاصة الغدر ليتذوق حلاوتها فى فمه. «عيل صغير ليه يموت.. ياريت الطلقة جات فيا أنا» خرجت هذه العبارة بصعوبة بالغة وسط دموع «أم مينا»، وأضافت بأسى: «ما حدش حاسس باللى أنا فيه دلوقتى، لما يكون راجلى الوحيد يرجعلى مضروب برصاصة ما لوش ذنب فيها، يعنى أم تاخد ابنها من المشرحة مقتول، حرام». بدموع لم تنقطع طوال حديثها رأت أنها فقدت من يعولها مضيفة: «لما جوزى مات، كان مينا بالنسبة ليا كل حاجة راجل البيت.. مين هيقولى يا ماما تانى»، مشيرة: «محلب عوض السواق اللى التاكسى بتاعه اتحرق، طيب مين هيعوضنى عن ابنى، أنا دلوقتى بقيت أرملة ومربية أيتام وأم شهيد». الأم وجهت حديثها لرئيس الوزراء، والغضب يتملك من قلبها لفقدان ابنها الوحيد، الذى كان يستعد لزفاف أخته الكبرى، قائلة: «هو الصفيح أهم من البنى آدم، يعنى إيه تعوضوا سواق التاكسى وتسيبوا حق الناس اللى ماتت؟». بجوار الأم المكلومة بفراق ابنها، جلست أخته التى لم تتجاوز عقدها الثانى، فى حالة هستيرية متذكرة آخر لحظات أخيها معها، فتروى: «كان دايما مينا يقول لى خلى بالك من نفسك، دلوقتى البيت فضى علينا أنا وماما، كان مينا بالنسبة لينا الأب والأخ وكل حاجة، ربنا يرحمه ولتتقدس روحه فى الأمجاد السماوية». لافتة مرفوعة داخل كنيسة العذراء بحى المطرية، تحمل صورة مينا ماهر وآيات من الكتاب المقدس، وفى الركن الخلفى من الكنيسة، كان أمير عدلى، صديق مينا المقرب: «مينا كان دايما بيصلى، كنت هاقابله بعد الحادثة بيوم.. مينا فى الملكوت الأعلى.. آمين..آمين». من النسخة الورقية