31 عاما مرت على رحيل الشاعر والمناضل الفلسطيني نعيم بسيسو، ولايزال شعره ونثره كائنا حيا بيننا، ربما كانت الكلمات شاهدًا على الحلم والمعاناة، أو قل فعلًا ثائرًا يحيا ليهزم الوقت والزمن كأنه رؤية مستقبلية لتحرير وطنه واستقلاله. "البوابة" في ذكري وفاة بسيسو احتفلت به على طريقتها، لذا اختارت مجموعة من أشهر نصوصه الشعرية والنثرية لتعيد نشرها مجددا، فما كتبه معين سيسعده كثيرا الآن أن نتذكره معا. الأغنية المعصوبة العينين أين القمر المعصوب العينين يساق...؟ وسط السّحب الفاغرة الأشداق أسوار تفتح وظلال عارية تركض، أبواب تذبح خلف الأبواب الصرخة علم خفّاق الصرخة.. أوراق تسقط من شجر اللّحم غصون.. وثمار *** يا وطني أين الأغنية تساق ؟ خيط من دمك الخفّاق يراق من أجلك شلاّل مرايا صفر يتكسّر في وجهي شلاّل مرايا سوداء من أجلك أقحم أسواري.. من أجلك أرجم بالنّار.. من أجلك أحمل أغلالي في منفى الأرض كجوّال من أجلك خبزي بدمائي.. معجون، خبزي بدمائي والوجه المشحوذ كناب في ظلّي غرز وأشعاري.. إلى طفلتي دالية وكمصلوب يحلم الأرض النائية كنجم لو يسمع وقع خطاه أنا أحلم أن نمشي في كفي شعلة أزهار وورائي إعلام الدمية تتلوى فوق الأسوار مصلوبك يا وطني يحلم الأرض النائية كنجم لو يسمع وقع خطاه... وورائي إعلام الدمية أمراس جليد تتلوى فوق الأسوار ألف شتاء قد مر وما زال مصلوبك يا وطني يحلم لو تلمس قدماه الأرض النائية كنجم لو يمشي لو يسمع وقع خطاه.. المعركة أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال ولتحملوا البركان تقذفه لنا حمر الجبال هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة فانظر تجد علما يرفرف فوق نار المعركة ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة دقت الساعة ليس ذنبي إن كان للنور قبر في بلادي وللمكافح قبر وتفشّى الظلام كالداء لا يوقف طوفانه المدمّر فجر إنّني أكتب الحقيقة لكن ثورة الحق في بلادي كفر قلمي في الحديد في ظلمة السجن طريح مكبّل لا يصرّ نفسي حائم يفتّش في الظلمة عن منفذ ولا يستقرّ أبدا أرفع العيون إلى الباب ولا حامل شعاعا يمرّ وإذا ما سمعت دمدمة الريح تدوّي قلت العواصف كثر سوف تجتاح حائط السجن يوما فوراء القضبان يلهث حرّ غير أنّ الأيام تمضي وتمضي وأنا شمعة تذوب وفكر وأمدّ الأنفاس مدّ فريق أين من موجه الشديد المفرّ أين شعبي لقد تذكّرت أنّي لي دين في عنقه لي عمر أين أنفاسه تحطّم قيدي أين ثاراته أما لي ثأر ؟ إنّ شعبي العملاق في القمقم مثلي وفوقه الليل بحر ويعاني الذي أعاني وهل يفرح نسر وفي السلاسل نسر ! وهو لا بدّ حاطم قيده الأسود يوما والنصر يتلوه نصر فإذا الصرخة الكبيرة تدوّي وإذا العالم المقّيد حرّ البساط الكبير يفرش للظافر قومي إفرشيه فاليوم خمر وغد نحن من صنعنا غد العالم عمّدانه الأيادي الحمر للملايين يفرحون به العمر فما فيه ظلمة أو قفر قد جعلنا الإنسان أثمن ما فيه له الأرض والسماء مقرّ وجعلناه كالرياح طليقا غده في يديه نور وزهر غدنا أيها القريب لقد أوشك يمشي على الطريق الفجر نحن لن نترك السلاح وفي الأرض أسارى وآسرون وأسر ساومونا على الحياة كما شاؤوا وما للحياة سوق وسعر وإذا ما صلاهم قلم الحر شعاعا يلقيه في الأرض فكر صرخوا صرخة الغراب على الجيفة واستنسروا وكرّوا وفرّوا ثمّ صاحوا بالشعب وهو دموع عتقّت في كؤوسهم فهي خمر إنّ تمثالك المقدّس يا شعب حطام بكلّ أرض يجرّ قتلوه فخذ بثأرك يا شعب فللميّت المقدّس ثأر غير أنّ الذي ينادون سدّت أذنه الريح والصّباح الأغرّ وعلى ضوئه تراءى له الوحش وقدّامه الضحايا الكثر أيها الشعب أيها الميت الحيّ بأرض منها القبور تفرّ هكذا تصنع النعوش لكي ترقد فيها وأنت يا شعب زهر خالد العطر مثقل بندى الفجر ولكن لا يطرد الجوع عطر هكذا قدّروك ميتا على الأرض وأيامهم لشمسك قبر يمضغون السنين من عمرك النضر ويلقونها ومالك عمر أنظر الصين كيف ثارت على الموت وفي الصين للملايين نصر كيف هدّت جدران معبدها الرحب وفيه الأصنام بيض وصفر صرخات العبيد في أذنيها جمعت فالعبيد بعث ونشر ورياح تسوقها مثلما ساق الدهور البطاء في الأرض دهر ضربت موعدا له أمم الأرض فطارت به الجياد الحمر دقّت الساعة الرهيبة وانشقّ عن المارد المخدّر ستر أسندته إلى الجدار الأعاصير كسكران نال منه السّكر وشظايا الكؤوس غائصة فيه كما غاص في حشا الأرض جذر نسمات الصباح يا حلم التائه يمشي والقفر شوك وجمر بلّلي وجهه وشدّي خطاه فطريق الكفاح صعب ووعر ملأته الأشواك والدم والدمع ولكّنه الممرّ الممرّ أيها الشرق كان ظلّك في الأرض سحابا يمرّ ما فيه قطر تشرب البوم من جداولك الخضر وتروى وليس ترويك بئر أورثوك القيود عن صنم مات فأشقاك في حياتك قبر هم لصوص التاريخ كم سرقوا منه شعوبا مصّوا دماها وفرّوا وهم المالئون أرض أمانيك ظلاما يضلّ فيه الفجر غير أنّ الحياة أقوى من الموت ولن يهزم الحياة القبر هي كالبحر مدّها الأمل الهادر طول السنين واليأس جزر يكشف الصخر حين يرجع بالموج ولن ينجي الغريق الصخر صليل الحبال أخي من خلال حبال السياط ومن حلقات القيود الثقال تطلّع إلى وطن الكادحين وقد شنقوه بسود الحبال ولفّوه بالخرق الباليات وألقوه في ظلمات الحفر وهالوا عليه التراب الكثيف كأن لم يكن في ربيع العمر أخي من خلال الجدار الكئيب ومن فجوات الدّجى والحطام تطلّع إلى الأعين الغائرات وقد علقّت بسقوف الخيام هنا يمضغ الجائعون التراب هنا يعصر الظامئون الحجر هنا تكتسي بالظلام العراة أخي من هنا سوف يمشي الشرر أخي من هنا سوف تجري السيول فتجرف أغلالنا والوحول ويثأر من قاتليه القتيل فنقرع أجراسنا والطّبول ولن نحرث الأرض للمرتوين من الدّم يجري على كلّ طين ولكن لأطفالنا الجائعين وقد ملأوا بالتراب البطون ولن نستقي قطرات المطر ولن نكتفي بجذور الشجر ولكن بكلّ شهيّ الثمر سقيناه حتى ارتوى وازدهر المسافر فتح الإنسان عينيه وقال لا أرى أثار طفلي في الرمال أين ولىّ أين يا شمس وهل من لظى عينيك تحميه الظلال أين ولىّ أين يا ريح وهل حين تشتدّين تأويه الجبال أين ولىّ أين يا سحب قفي واسمعي منه أغانيه الطوال فهو صوت البحر سهران على صرخة الطائر تدميه الحبال وارتعاش القفر مسّت قلبه نسمات من سراب وخيال واهتزاز الجبل السكران في قلبه البركان قد غنّى ومال وانتفاض الكوكب النائي رأى قدم الكلب على عنق الغزال وصراخ العبد في النار هوى حاضنا أغلاله السود الثقال وغفا الإنسان إلاّ شمعة زادها الفجر اشتعالا في اشتعال وعلى أضوائها الحمر مشى ذلك الطفل السماويّ الجمال حاملا إكليل زهر لم يلد مثله غصن على تلك التلال وإذا ما اشتبكت أظلاله بظلال الفجر ألقاه وقال حمل الناس الأماني مثلما حملت عودا من القش النمال أمطري يا هذه السحب فلن تطمسي آثارهم فوق الرمال _____________ https://www.youtube.com/watch?v=qWOZ0THwsjA