أكد عالم المصريات الدكتور أحمد صالح، مدير عام آثار أسوان، أن النوبة بوابة مصر إلى أفريقيا عبر العصور، ولم يكن المصريون القدماء يعتبرون النوبيين غرباء عن ارض مصر، مشيرا إلى أن هناك شخصيات نوبية استطاعت الوصول إلى كرسي الحكم في مصر مثل الملك "أمنمحات الأول" أول ملوك الأسرة 12 والدولة الوسطي. وأشار إلى أن هناك آراء تجعل من الملكة تي أم الملك اخناتون ذات أصل نوبي، اعتمادا على التمثال الخشبي الذي عثر عليه في سرابيط الخادم (تمثال الملكة تي)، كما حكمت أسرة نوبية كاملة مصر لمدة 100عام، وهي ما أسمته المصادر المصرية ب"الأسرة 25"، ووصل النوبيون إلى مراكز كبيرة في السلطة مثل القائد العام للجيش ورئيس الشرطة ومحافظ الأقصر. جاء ذلك في محاضرته التي القاها خلال فعاليات ندوة "التراث النوبي ودوره في إثراء التعددية الثقافية" التي نظمتها لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع ائتلاف العودة النوبية "عائدون" وإدارة الشاعر رامى يحيى مساء اليوم الثلاثاء تحت رعاية الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة. وقال صالح، إنه منذ بداية التاريخ المصري القديم لعبت النوبة دورا كبيرا في علاقتها بمصر، وظهر ذلك واضحا من نقش الشيخ سليمان بالقرب من الحدود المصرية السودانية، ويرجع هذا النقش إلى عصر الملك جر ثاني ملوك الأسرة الأولى، وهذا يعني أن الفراعنة الأوائل عرفوا أهمية النوبة باعتبارها الجار الجنوبي لمصر، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى في التعامل مع الجنوب الإفريقي بدأت في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد وتسمي مرحلة "الاستكشاف". وأضاف، أن مصر بدأت ترسل بعثات استكشافية لكشف البلاد الجنوبية ومعرفة أحوال سكانها وما تختزنه النوبة من ثروات اقتصادية، وكان الفراعنة يكلفون حكام أسوان بصفتهم حكام المقاطعة الأولى في صعيد مصر، ومن هؤلاء الحكام " اري وحرخوف وميخو وسابني وببي-نخت"، مشيرا إلى أنه من الملاحظ أن هناك شخصية مميزة ترافق هذه البعثات الاستكشافية وكان يطلق عليه لقب "ايميراعو "أي" المشرف على اللسانيات ويبدو أن هذه الشخصية على دراية بلغة ولهجات النوبة وباللغات الأفريقية. وأوضح، أن النوبة طوال التاريخ الفرعوني استطاعت أن تلعب دورا جيدا في التجارة وأن تكون الوسيط التجاري بين مصر والمنتجات الأفريقية، وجلبت النوبة إلى تجار مصر ريش النعام والأبنوس والعاج وجلود الفهود والضباع والأقزام، وكانت الأقزام تستورد من منطقة أفريقيا الوسطي أو منطقة المستنقعات أو شرق أفريقيا، وأيضا العاج الذي كان يجلب من القبائل الزنجية من جنوب السودان. وأكد أنه بتبني ملوك النوبة المصرية للثقافة المصرية "المعابد والكتابة المصرية القديمة والديانة المصرية المتمثلة في عبادة امون وإيزيس ونفتيس"، قامت بدور الوسيط في نقل الثقافة المصرية، ويمكن أن نري ذلك في انتشار المعابد المصرية خارج إطار الحدود التي ثبتتها مصر عند الشلال الرابع والمراجع لتصميم المعابد في مروي التي تقع بين الشلال الخامس والسادس وأيضا انتشار عبادة امون واللغة المصرية القديمة. وأشار إلى أنه ما بين القرنين التاسع والسابع ق م قامت مملكة مستقلة في النوبة وهي مملكة نباتا، ومن هذه المملكة حكم ستة ملوك مصر والسودان معا، وهم ما يسمون في التاريخ المصري بالأسرة النوبية أو الأسرة 25، وامتد حكمهم ليضم مساحة مكانية شاسعة تمتد من البحر المتوسط شمالا وحتى ملتقي النيل الأبيض والأزرق. وقال إنه بالرغم من دخول الإسلام في مصر في منتصف القرن السابع الميلادي إلا أن الإسلام فشل في دخول النوبة بعد فشل معركتي دنقلة الأولى ( 642 م) ودنقلة الثانية ( 651 م)، ولجأ حكام مصر في إبرام معاهدة "البقط " مع ملوك النوبة، وفتحت اتفاقية البقط أفريقيا للقبائل العربية، وبدأ الرحالة العرب يزورون البلاد الأفريقية وانتشر الدين الإسلامي واللغة العربية. وأضاف، أنه في القرن الحادي عشر الميلادى، كانت العلاقة بين النوبيين والفاطميين جيدة واعتمد الجيش الفاطمي على العبيد الذين يرسلونهم ملوك النوبة وانتعشت التجارة وبادل الفاطميين القمح والخمور والكتان بالسلع الأفريقية التي كانت تضم العاج والماشية وريش النعام، ولكن العلاقة انقلبت عدائية مع الأيوبيين لأن حكام النوبة كانوا متعاطفين مع الفاطميين. وتابع، أنه من منتصف القرن 13 إلى أوائل القرن 16 م تدخل المماليك في العرش النوبي، والذين كانوا ضعاف، وأسس الظاهر بيبرس "ديوان النوبة"، والذي من خلاله كان يتحكم في مقاليد الأمور بالنوبة، والحق النوبة المصرية إلى الحدود المصرية، وفي عهد السلطان الناصر محمد دخل النوبيين في الإسلام بعد أن فرض السلطان سيف الدين عبدالله برشمبو (وهو أمير نوبي اسلم وهو ابن أخت الملك النوبي داود) حاكما على النوبة. وأكد أن أفريقيا تفخر بأول مملكة أفريقية وهي مملكة كرما النوبية، كما أن الباحث السنغالي "انتا ديوب" كتب كتبا كثيرة عن مركزية الحضارة الأفريقية، واعتبر النوبة من أسس هذه المركزية، ولهذا فإن النوبة يمكن أن تقوم بالتقارب العميق بين مصر وأفريقيا، كما يمكن لها ومعها الكنيسة المصرية القيام كذلك بدور كبير في تقارب وجهات النظر بين مصر، ودول حوض النيل من خلال الدبلوماسية الشعبية وأن تشجع وزارة الخارجية على اشتغال النوبيين بالدبلوماسية، خاصة في الدول الأفريقية.