تقدم الباحث د. أسامة عبدالوارث مدير عام آثار النوبة بدراسة تؤكد أن كثيرا من الكنائس والأديرة القبطية في مصر تم تشييدها بعد الفتح الإسلامي ، حيث تضمن عهد الصلح مع أهل مصر سنة 20 ه / 641م الأمان للكامل للمسيحيين. الدراسة بعنوان" النوبة عبر العصور" وينتظر مناقشتها بمؤتمر المجلس الأعلى للثقافة فى الفترة من 25 إلى 27 مارس . وجاء بالدراسة أن عهد الصلح ضمن للمسيحيين الأمان على عائلاتهم وأموالهم وكنائسهم وبرهم وبحرهم . كما يؤكد الباحث من الدراسات التحليلية للمصادر التاريخية أن الأقباط فى مصر نظروا إلى الفتح الإسلامى باعتباره خلاصاً لهم من الاضطهاد البيزنطى ونشأ عن ذلك الاحترام المتبادل بين الكنيسة والدولة الإسلامية وانتشار روح الوئام الاجتماعى واستمرت الكنيسة القبطية فى الازدهار تحت الحكم العربى الإسلامى
الإسلام فى النوبة
يشير الباحث إلى أن مسيحيي النوبة ينتمون للكنيسة المصرية حيث كان يتم تعيين الأساقفة عن طريق بطريرك الكرازة المرقصية بالإسكندرية وكان أغلبهم من المصريين . كما عقد المسلمون مع مسيحى النوبة معاهدة سلام فى عام 652م والتى تمكن بموجبها الجانبان من إقامة العلاقات التجارية فيما بينهم كما ساعدت هذه المعاهدة على حفظ السلام بينهم لمدة خمسة قرون وكانت هذه المعاهدة تسمى "البقط " . وهذه المعاهدة من الأدلة الدامغة التى تثبت عدالة المسلمين وتسامحهم الدينى مع المسيحية وتذكر المعاهدة "يا أهل النوبة سوف تعيشون فى أمان فى ظل العناية الإلهية ورعاية الرسول محمد " وللرعاية من كلا الطرفين حق عبور الحدود على ألا يكون قصدهم الإقامة وعلى الجانب الذى يعبرون إليه واجب حمايتهم وعلى النوبيين أن يحافظوا على المسجد الذى بنى فى مدينتهم وليس عليهم أن يعتنقوا الإسلام مرغمين
المسيحية بالنوبة
دخلت المسيحية مصر فى العصر الرومانى وقاومت الحكومة الرومانية انتشار المسيحية وبلغ هذا الانتشار أقصى مداه زمن الإمبراطور الرومانى أقلاديوس فاعتنقها اليهود فى الإسكندرية وانتشرت بين الإغريق ثم المصريين . وقد لاقى مسيحيو مصر صنوف العذاب من الإمبراطور أقلاديوس فأسرف فى ذبحهم وتعذيبهم وجعلوا أول حكمه 29 أغسطس سنة 284م أول السنة القبطية وظل أقباط مصر فى اضطهاد حتى تولى الحكم الإمبراطور قسطنطين الذى جعل المسيحية دين الدولة الرسمى وفر المسيحيون من الاضطهاد إلى بلاد النوبة حيث وجدوا فيها الأمن والأمان وتيسر لهم نشر آرائهم كما أخذ بعض التجار الذين يعملون بين النوبة ومصر فى نشر المسيحية ببلاد النوبة.
وفى عام 542 م أرسل الإمبراطور جستنيان بعثة إلى بلاد النوبة تحت إشراف المطران تيودور دى فيلية كما أرسلت الإمبراطورة تيودورا بعثة برئاسة القس الكسندر جوليان لنشر المسيحية ببلاد النوبة واستطاع هو وخليفته لونجينوس أن ينشروا المسيحية. وكانت النوبة فى العصر المسيحى منقسمة إلى مملكتين وهما مملكة النوبة السفلى من الشلال الأول إلى الشلال الرابع وعاصمتها دنقلة ومملكة النوبة العليا من الشلال الرابع أعالى جزيرة سنار وعاصمتها سوبا على النيل الأزرق على بعد خمسة عشر ميلاً من الخرطوم . واستطاع رجال الكنيسة أن يجعلوا من اللغة النوبية لغة كتابية بالحروف الأغريقية واستعملوها فى أعمالهم الرسمية كما ترجموا بعض أجزاء الكتاب المقدس إلى اللغة النوبية كما شاعت لغة الأقباط فى الكنائس وزاد الاتصال بين النوبة والإسكندرية إذ كان مطران النوبة يعين من قبل بطريرك الأقباط بالإسكندرية.
النوبة المصرية القديمة
يشير الباحث إلى عظمة النوبة فى عصر الدولة الوسطى حيث شيد بها العديد من الحصون و القلاع لتأمين الحدود الجنوبية لمصر و من أقوى الأمثلة نموذج لحصن بوهن و هو على الضفة الغربية المواجهة لوادى حلفا و كان من أكبر الحصون فى بلاد النوبة العليا و قد كان في الغالب مقر نائب الملك الذى كان يحكم النوبة فى الدولة الوسطي . ونتيجة ازدهار التجارة المصرية ظهرت مدن عمرانية بالنوبة منها مدينة كرما (393 كم جنوب وادى حلفا) منذ أواخر الألف الرابعة قبل الميلاد وأخذت حضارتها فى الازدهار منذ 2400ق.م واستمرت نحو ألف عام . وتعتبر كرما من أهم المواقع الأثرية فى دنقلة و تقع على الشاطئ الشرقى للنيل بين جزيرة أرقو وجزيرة تومبوس ومما يميز هذه الحضارة بقايا مبانى من الطوب اللبن تدعى بلغة أهل دنقلة "دفوفة" ويحتمل أنها تعنى أطلال قرية أو خرائب وما تمثله من أوانى فخارية مميزة بأشكال زخرفية تمثل البيئة النوبية.
وشهدت النوبة قمة التطور في عصر الدولة الحديثة ولم تعد النوبة فى نظر الحكومة المصرية مجرد إقليم حدودى ينبغى حمايته بالقلاع والحصون كما كان الحال فى عصر الدولة الوسطى وإنما اعتبرتها امتداداً طبيعياً للأراضى المصرية تسرى عليها النظم الإدارية التى كانت مطبقة فى سائر أنحاء الدولة وعدتها إقليمياً إدارياً مساوياً للوجه القبلى والوجه البحرى وشكلت له هيكلاً إدارياً مدنياً مع بداية عصر الأسرة الثامنة عشر واستمر قائماً طوال عصر الدولة الحديثة وكان على رأس الجهاز الإدارى موظف كبير يشرف على الأراضى الجنوبية وكان الملك يختاره من بين كبار رجال الدولة الأكفاء وقد كان عليه أن يحكم كلاً من النوبة وأقصى الجنوب المصرى بصفته نائب عن الفرعون