لا عجب مما وصلنا إليه الآن من فوضى وعشوائية وقتل ودم يلطخ ثورة يناير,فالثورة بعد عشرة أشهر من اندلاعها,لم يتحقق من مطالبها اى شئ, اللهم إلا وضع بعض المجرمين منأفراد النظام السابق فى السجون المكيفة وفى المستشفيات صاحبة السبعة نجوم. وكأن ما حدث فى يناير من ثورة قُتل وأصيب فيها الآلاف من المصريين,كانت كرنفالا للاحتفال بأعياد الربيع. فمازال النظام البائد يعيث فى الأرض فسادا,وكأن شئ لم يكن. ما أشبه الليلة بالبارحة وما أقسى ما حدث من قتل وسحل وضرب وإهانة وإفراط فى القوة كما كان يحدث من قبل,بل إننى ازعم أن النظام البائد لم يسحل ميتا, أو يضعه فى كوم من القمامة, أو يضرب فتاة فى قارعة الطريق ضربا مبرحا, او يصوب رصاصه المطاطى على أعين الصحفيين, او يحرق بغل وحقد دراجة بخارية لأحد المعتصمين. فى يوم واحد استطاعت الداخلية أن تقتل 33 من المتظاهرين,وتصيب أكثر من ألف وخمسمائة بعاهات مستديمة تلازمهم طيلة حياتهم. فى عشرة أشهر لم نجنى إلا الفقر والقتل والفوضى والخراب والدمار,ثم يطلع علينا احد رجال المجلس العسكرى يقول لنا إننا نريدها ثورة بيضاء. ولا اعرف هل من عاقل قرأ فى تاريخ الثورات يقول ان الأمور تستقيم دون محاكمات ثورية تحاسب المفسد على فساده,وتعتقل المخربين الذين يضمرون الشر والكراهية للثورة والثوار؟ فهل يعقل أن تترك وزارة فاسدة مفسدة مثل وزارة الداخلية دون أن تطهر من الخونة وكلاب النظام السابق ثم نسال بعد ذلك عن الانفلات الأمني؟ هل يعقل أن يظل القتلة والمجرمين الذين قتلوا أبنائنا وإخواننا بدم بارد فى ثورة يناير,يمارسون أعمالهم وأشغالهم وكان شئ لم يكن؟ هل يعقل أن تسفر محاكمات قتلة الثوار جميعا بعد عشرة أشهر عن إدانة أمين شرطة واحد بالزاوية الحمراء فقط ومازال هاربا حتى الان؟ولا يستطيع جهاز امن الدولة المجرم ووزارة الداخلية ان تحضره؟! هل يعقل أن يكون المجرمون من ضباط الشرطة وأمنائها أكثر المستفيدين من الثورة ؟!فبعد الثورة تم زيادة رواتبهم وميزاتهم, ومصابين الثورة يتسولون عملا ينفقون منه على أنفسهم وذويهم؟! هل يعقل أن يسمح للفلول أن يترشحوا لمجلس الشعب بكل بجاحة وكأنهم لم يفسدوا ويدنسوا الماء والهواء, بدلا من محاكمتهم بتهمة فساد الحياة السياسية؟! هل يعقل أن يحاكم المدنيين أمام محاكم عسكرية, ويحاكم العسكريين من أمثال مبارك والعادلى محاكمة مدنية؟! هل يعقل أن يترك ملف الأموال المنهوبة فى الخارج حتى الآن بلا سؤال إلى اين وصل أمرها, او جواب يريح الشعب؟! هل يعقل أن يشهد المشير طنطاوى شهادة سرية فى قضية قتل المتظاهرين دون وجود المدعيين بالحق المدنى ليستجوبوا الشاهد كما يجب ان تكون المحاكمات العادلة التى يتشدق بها المجلس العسكرى؟! هل يعقل أن يبقى مستشاريين مبارك فى أماكنهم حتى الآن يخططون لهلاك البلاد وخرابها؟! كل هذا ولد احتقانا رهيبا لدى الشعب أوصلنا إلى مرحلة اللا عودة.والآن يلعب المجلس العسكرى لعبة سوف تحرقه أولا قبل أن تحرق الشعب والوطن بأكمله. وتتلخص اللعبة فى افتعال مشكلة كبيرة قبل الانتخابات مستغلا فيها الغباء والجهل السياسى لقوى التيار الإسلامي الذى يخشى المجلس من وصوله للحكم,سواء على المستوى البرلماني أو الرئاسي. فاستغل المجلس حالة الهرج والتهافت الرهيبة الموجودة بين الأحزاب والقوى الإسلامية على الانتخابات,وتعامل بمنتهى العنف والقسوة مع المتظاهرين وهو يعلم أن القوى السياسية بما فيهم التيار الإسلامي لن تشارك فى تظاهرات تدين العمل الوحشىى قبل الانتخابات لانشغالها فى حشد المواطنين. فى الوقت الذى يعلم فيه المجلس العسكرى أن الشعب سيُحمل التيار الإسلامي الخطأ لأنه كان سببا من أسباب الاعتصام,وسبب من أسباب الفوضى فى هذا الوقت العصيب. وما زاد الطين بله أن الإسلاميين تركوا المعتصمين يذبحون دون مؤازرة منهم,وهم من حفزوا الناس وحثوهم على الاعتصام طيلة أسبوعين مضوا. فالمجلس أتت له الفرصة على طبق من ذهب.فمع أن المعتصمين لم يتجاوزوا المائتين إلا انه صعد الأحداث تصعيدا خطيرا حتى يصب الشعب جام غضبه على الإسلاميين,وهذا ما قاله اللواء محسن الفنجرى بأن ما حدث كان بسبب الشو الانتخابي لقوى التيار الإسلامي. وما زال المجلس العسكرى صامتا على مذابح وجرائم ضد الإنسانية, وهو قادر على فض الاشتباكات بسهوله,لكنه يستغل الحدث إلى أخر لحظة مهما كلف هذا الأمر من دماء تراق تجعل من ليالى ميدان التحرير وميادين مصر ليالى حمراء اصطبغت بلون دماء الشهداء الأطهار الذين سقطوا فى براثن قوى لا ترحم,من اجل موازنات سياسية وحسابات برلمانية توشك أن تحرقنا جميعا. [email protected]