ربي لا تغفر لهم , فإنهم يعلمون ما يفعلون ! كيف يجب أن يتحمل هذا الشعب ما يحدث به ويكون أكثر رشداً وتعقلاً – كما يطالبونه ليلاً ونهاراً – من حكامه ؟ . امرأة العزيز في قصة سيدنا يوسف بالقرآن الكريم , لها جملة شهيرة : الآن حصحص الحق. فهل ستتحول مصر إلى ” ليبيا أو سوريا ” أخرى ؟ . ما حدث في شوارع مصر وبأيدي قوات الأمن والجيش يؤكد أن كل الاحتمالات ممكنة والصورة الداكنة مفتوحة على سيناريوهات آتية لا ريب فيها من البشاعة , إن لم تكن بيد محتكري السلاح رسمياً على الأقل أي أجهزة الأمن والجيش , فهي ستكون ربما نتاج وقوف الشعب في وجوه البلطجية أو التيارات التي يغذى بعض عناصرها , لا كلها , فكرة حمل السلاح ولو كان مطواة , أو سيفاً والدفع بالمواطنين إلى حافة حرب أهلية للدفاع عن حرياتهم وكرامتهم الشخصية , بعد إطلاق قائمة وحوش السيرك علينا من فصيلة دعاة وشيوخ لا يرون في آثام ومجرمي هذا الوطن سوى كل امرأة غير مغطاة الشعر , مهما بلغ احتشامها في المظهر والسلوك أو كل مطرب شاب يغنى بشكل محترم ويقدم فناً راقياً ولو كان يرتدى ” دبلة زواج فضة ” ويغنى في حفل تخرج طلبة بإحدى الأكاديميات كما يفعل المطرب هشام عباس . مصر التي تمناها شهداء 25 يناير وهم يغمضون أعينهم التي لم يتم فقؤها كأصدقائهم وقتها والآن , ليست مصر حازم شومان وياسر برهامى ولا مرتضى منصور ولا فلول الحزب المجرم الذي عاد بتوحش وشماتة أشد ليذبحنا سياسياً واجتماعيا ً بعد ثورتنا الطاهرة السلمية كما ظل يفعل طيلة عقود , ولا هي مصر المجلس العسكري ولا أسامة هيكل ولا قناصة الداخلية ولا رؤساء الصحف القومية التي لم يتم توقيف أي من فلولها عن الكتابة , ولا هي مصر الفلول في الوزارات والبنوك والقضاء – القضاء الذي حكم بعودة الفلول وحزبهم – مطالباً باستفزاز وفساد مطلق بلغ حد السفسطة ويشبه فعلاً فئة من يسمون بال ” الفريسيين ” في الإنجيل , أقول , مطالباً بتعريف ” ماذا تعنى كلمة فلول ؟” . ولمن يعرفون ويريدون دم هذا الشعب الذي عرفهم معنى الكلمة من قبل في يناير , ها هي الجماهير تقول لهم مجدداً ماذا تعنى الفلول يا أولاد الأفاعى ! .. هاهى جثث الناس يتم سحلها في وسط أطهر وأجمل ميادين الدنيا التي من شدة رائحة البول في أحد أركانه قبل أن يقوم المتظاهرين بتنظيفه وبناء حمامات للحفاظ عليه في يناير الماضى , وحين قال أحد المعتصمين الذين لا أعرفهم بجوارى وقتها ” عايز أصلى والريحة مش معقولة ” أجابه شاب لا يعرفه ولا أعرفه : ” صلِ هنا , ده أطهر مكان ” وكان يقف تحت لافتة صورة الشهيد مصطفى الصاوى التي كانت أبكتنى . ليس صحيحاً أبداً أن الناس خرجت لأجل وثيقة السلمى التي انقسمت حولها الآراء . ففى جمعة ما أسماه بعض أصدقائى ” جمعة قندهار ” كان هناك بعض الشباب الذي , حتى من أمام بيتنا بالدقى , خرج ليقول ” لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين ” و” يسقط حكم العسكر ” و” عيش حرية عدالة اجتماعية ” كما سمعتهم . هذه الكتلة وأمثالها من المواطنين هم الأقرب والأشبه بشهداء يناير وهم المرشحون في كل اعتصام لفقء الأعين وتكسير العظام والاستشهاد , ومثلهم في هذا الاستعداد شباب الإخوان , بينما يقترب الفريق الآخر , المخالف لهم جيلياً , من طبقات الفلول المنبثة في كافة أجهزة الدولة بلا محاسبة أو إقصاء , أو يقترب , حتى بعض أفضل رموز القوى السياسية من جيل المجلس العسكري وأغلب الوزراء في بلد ضج مواطنوه قرفاً وسأماً من عدم تبديل أو إزاحة أو قبول استقالة أحد . والأمر الثانى , أنه بعد هذه الموقعة الدموية التي أشعرتنا أننا في سوريا الأسد أو اليمن صالح , سيأتى الكهنة والنسخة المطورة من أفكار الشيوخ شومان وبرهامى والحوينى ( صاحب مقولة ” كل الطالبات في جميع الكليات آثمات ” ) ليقطفوا الثمرة السياسية لمن رأينا جثثهم تُسحَل وتتعرض للضرب بعد الموت بهراوات الداخلية بأمن دولتها الذي لم يسقط والذى خدعوا الشعب بتغيير اسمه فحسب . إذا كان هذا هو الأمن الوطنى فلا نريده . ومن يقول انظروا كيف تعاملت الشرطة في الولاياتالمتحدة مع معتصمى حركة ” احتلوا وول ستريت ” يفوته أن العصى بيد الشرطة كانت آخر ما تم استخدامه بينما رأينا تليفزيونياً كيف كانوا يحملون الناس حملاً بالأيدى والناس يتركون كل ثقل أجسادهم , ليخرجوا بهم من المنطقة . لم نرَ أو نقرأ عن حالة تصويب على العين أو على الصدر كما تعمدوا هنا, لم نسمع عن مستشفى ميدانى تتم مداهمته من الشرطة وقوات الأمن , لم نقرأ عن رصاص حى ومقذوفات نارية ورصاص خرطوش ومطاطى كالذى رأينا آثاره هنا على أجساد الضحايا أو على أصابع أيديهم يحملونه على الأصابع الخمسة كما كانوا يفعلون في يناير وهم يجوبون ميدان التحرير بيننا صامتين , لأن هناك أي في الولاياتالمتحدة لا يوجد شيخ برهامى يحرض على الكراهية ويمتلأ وجهه بالغضب يصف حقوق الإنسان كما وصفها سيادته ” بأنها تشجع على الزنا “. إن الناس في مصر ستظل تنزل الشوارع طالما يتم إجراء عملية بسيطة في عين قاتلهم الحبيب العادلى في السجن فيؤدى له من وجبت محاكمتهم معه التحية العسكرية , والناس في مصر سيظلون ينزلون الشوارع طالما يرأس تليفزيون الدولة أسامة هيكل وطالما قانون الغدر لم يُفعل ويتم السماح لأعضاء الحزب الذي أسقطه الشعب بثورة وحرقوا مبانيه أثنائها , بالترشح في الانتخابات و”الوطنى” هو من نعرفه , بأسلحته وأمواله وبلطجيته وتزويره ورشاواه , والناس سيظلون ينزلون إلى ميدان التحرير وغير الميدان في كل مصر طالما الشرطة وأمن الدولة تواصل قتلهم وسحل جثثهم ثم تنكر , هي والمجلس العسكري استخدام أية أسلحة أو خرطوش أو مقذوفات نارية . ثم أن نرى فلول اتحاد العمال في هذه المقتلة الدائر رحاها في كل مكان بمصر , يعودون لمقرهم على أنغام طبلة ومزمار بلدى بفرح , لا علاقة له بحداد المصريين الآن على ضحاياهم ! . هذا الكفر المجنون المستفز , ينبغى أن يرد عليه أحد في دولة قامت فيها ثورة ولا يريد من يحكمها أن يصدق ويُفعّل تلك الثورة . وحقيقة المأساة التي نُسرع إليها أن شبابنا وبناتنا الورد , لا يريدون له التفتح في حديقة الوطن التي سقوها بدمائهم , لكى يأتى من يتربع على جثثهم ويحكم باسم ديمقراطية تجئ ببقايا ” الوطنى ” أو بنماذج ليست مثل د. عبد المنعم أبو الفتوح في تفتحه وإخلاصه ولا بنماذج مثل د. البرادعى في عمق وطنيته ونظافة يده وسيرته . وأؤمن كما أقول للأصدقاء , أنه لو كان وزير الداخلية السابق الحبيب العادلى قد نال حكماً في قضية قتل المتظاهرين ولو كان هذا الحكم هو الإعدام , ربما ما نزل الشوارع من نزل في الأحداث الأخيرة بشوارع بلادى , حيث قصة وثيقة السلمى هي مجرد رأس جبل الثلج وقشة نرجو ألا تقصم ظهر البعير.