لبنان وسوريا يهويان علي المنحدر، مثل صخرة حطت من عل..! الرئيس اللبناني أمين لحود تنفلت كلماته منفعلة ومحتجة: "مظاهرة من هون.. ومظاهرة من هون.. والخراب يلحق بلبنان مثلما أصابه في حرب ال 17 سنة.. الأهلية"! وشباب المعارضة في ميادين بيروت يرسمون بأجسادهم علم لبنان علي الأسفلت، ويرفعون شعاراً ثلاثياً: حرية، حقيقة، وحدة قومية.. والترجمة: الاستقلال عن سوريا.. كشف الجناة قتلة الشهيد رفيق الحريري.. تحقيق وحدة فرقاء الأمة اللبنانية، الذين فتتهم التشيع والانقسام..! وفي قصر الرئاسة بدمشق، أمضي جوكلين كاتب العمود بمجلة تايم، بضع ساعات مع الرئيس بشار الأسد يحاوره ويداوره.. قبل أن يباغته بسؤال: من قتل رفيق الحريري؟!.. أجاب طبيب العيون صاحب العيون الزرق: "السؤال الأهم: من المستفيد؟ وأنا كرئيس دولة لا أستطيع أن أوزع الاتهام علي الدول.. لكني أستطيع أن أحدد لك علي وجه اليقين، من خسر بفعل هذه الجريمة البشعة: لبنان خسر بفقد الرئيس الحريري.. لكن سوريا كانت خسارتها أعظم"..! عمر كرامي رئيس الحكومة اللبنانية، بعد 10 أيام من استقالته، عاد مكلفاً من الرئيس لحود بتشكيل الحكومة، لكن المرشحين يتمنعون عن قبول الحقائب الوزارية، والمعارضة ترفض المشاركة في الوزارة إلا بعد الجلاء السوري، جيشاً ومخابرات.. سيمون كرم السفير اللبناني السابق في واشنطن، وأحد رموز المعارضة، ينذر: "سوف يجيء يوم تواجه فيه أجهزة المخابرات السورية واللبنانية وطناً يحترق بنار الثورة"..! وفي قياس للرأي العام اللبناني أجرته مؤسسة زغبي الدولية، ونشرته الكريستيان ساينس مونيتور، يتجسم الانقسام بصورة حادة بين المارون والشيعة.. وبين المسلمين السنة والمسيحيين الأرثوذكس، وبين الجميع من ناحية والعلمانيين من ناحية أخري.. مثلاً: بينما يري 50% من المارون والدروز أن مقتل الحريري يلتف حول عنق سوريا.. وحكومة عمر كرامي.. يشير 70% من الشيعة إلي إسرائيل والولاياتالمتحدة بأصابع الاتهام.. وربما عجزت لجان التحقيق المرتقبة عن كشف وجه الحقيقة إلي الأبد! نهار الجمعة الماضي، وفي لقائه بمبعوث الأممالمتحدة الخاص تيري رودلارش، وافق الرئيس السوري بشار الأسد علي الانسحاب من لبنان، جيشاً ومخابرات، طبقاً لجدول زمني محدد، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم ،1559 الصادر في سبتمبر 2004.. وليس تطبيقاً لاتفاق الطائف، الموقع في المصيف السعودي تحت راية الجامعة العربية في العام 1989.. منتهي الإذعان لمجتمع الدول! رسائل.. لها أسنان! وصفوها بأنها مظاهرة المليون.. والبعض قال إن من شاركوا فيها نصف مليون فقط.. إنها مظاهرة حزب الله التي قادها أمين الحزب الشيخ حسن نصر الله.. ميديا الإعلام الأمريكي نعتتها بأنها عمل بطولي مذهل "Spectacular Feat" وقد كانت بالفعل كذلك.. يكفي أنها حشدت ربع شعب لبنان البالغ حوالي 4 ملايين! مظاهرة شيعة لبنان المشهودة أرسلت إلي واشنطن عدة رسائل لها أسنان.. قالت: إن فرض الديموقراطية علي لبنان بالقوة، قد يؤدي إلي مردود عكسي.. وقالت: إن بذور الحرب الأهلية لها في الموقف الضاغط حضور مستتر "latent presence"! واشنطن تعتبر حزب الله الذي طرد إسرائيل من جنوب لبنان وطاردها إلي داخل الجليل، منظمة إرهابية.. بينما هو في الواقع حزب تحرير عالي الهمة، يجسم شرعيته في البرلمان اللبناني أعضاء يفوقون في العدد ممثلي أي حزب آخر.. ثم إنه الصوت الرئيسي لشيعة لبنان، الذين يمثلون 40% من شعب الجبل.. والقوة العسكرية التي تكاد تفوق قوة الجيش اللبناني..! تظاهرة حزب الله خرجت لتواجه يد البطش الأمريكي.. ولتحمي ظهر سوريا، وتملأ أي فراغ ينجم عن انسحابها من الساحة العسكرية..! ما احتمالات الموقف الملتهب في لبنان.. الآن؟ أمريكا لن تجرؤ علي التدخل العسكري.. لكن فرنسا قد ترسل قوة ترسيخ لقرار مجلس الأمن رقم ،1559 تشرف علي الانسحاب السوري، ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية، وبصفة خاصة: حزب الله.. ومن هنا سوف تتولد حتماً شرارة الصدام! علي أن انسحاب سوريا من لبنان، في حد ذاته، سوف يكون نكسة لحزب الله.. معلوم أن دمشق هي معبر إمدادات السلاح للحزب تأتيه من طهران.. وسوريا تعتبر ذلك ورقة استراتيجية رابحة "Strategic Trump" للضغط علي إسرائيل من أجل تحرير الجولان باتفاق سلام، وهذه هي المعادلة التي تفسدها واشنطن الآن بإصرارها علي فرض تنفيذ القرار 1559..! لست صدام حسين..! لكن البادي أن الولاياتالمتحدة في مأزق.. تقف مع الانتخابات النيابية الحرة في لبنان، وتعصف في نفس الوقت بحزب الله كقوة سياسية..! وتجنباً لهذا التناقض سوف ترجئ واشنطن مواجهتها لحزب الله، في انتظار فرصة مواتية للمواءمة السياسية.. وإن كانت تعلن علي لسان وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس أنها لن تغير موقفها من حزب الله وسلاحه، باعتباره "منظمة إرهابية"..! في ذكري مرور شهر علي اغتيال الحريري الاثنين الماضي، نظمت المعارضة اللبنانية مظاهرة مليونية في مساحة الشهداء ببيروت.. رداً علي مظاهرة حزب الله في ميدان رياض الصلح لنصرة سوريا.. لكن هذه المراهقة السياسية لم يعد لها محل، وليست هي الحل.. كل عجلة في لبنان توقفت عن الدوران منذ اغتيال الحريري: المصانع، المتاجر، الملاهي، السياحة. وكل أعمدة الاقتصاد اللبناني الليرة تدهور سعرها في أسواق المال، لولا تدخل البنك المركزي لدفق 8.1 مليار دولار في الأسواق خلال 30 يوماً فقط! لن يحكم الشارع دولة لبنان.. والعودة لشرعية السلطة وقتها قد حان، لابد من مائة مستديرة تجمع كل الأخصام، لتضع صيغة للحل وإحياء الوطن..! كذلك علي سوريا أن تفيق، وتتفرغ للشأن الداخلي.. وكما يقول أحد مستشاري الرئيس السوري: "الطريق الوحيد أمام الرئيس بشار لإظهار القوة، هو أن يكون في منتهي الحزم والحسم: ينسحب من لبنان بالكامل، يدخل إصلاحات عاجلة علي الحكومة، يمسك الزمام بيديه ويقود.. لقد آن وقت القيادة"..! ولكي يفتح الطريق نحو مستقبل السلام، لابد أن يتصالح الرئيس بشار مع المجتمع الدولي ويتواصل، وقد كان حصيفاً عندما قال لجوكلين كاتب العمود بمجلة تايم، وهو يقوده مودعاً إلي باب غرفة مكتبة بقصر الرئاسة: "أرجوك أن تبلغ عني هذه الرسالة: أنا لست صدام حسين.. إني أريد أن أتعاون"..!