باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يكون وقود إضافي قد تم صبه علي نار التوتر السياسي الجاري في لبنان، فالحريري هو أهم شخصية سياسية بين اللبنانيين السنة، وهو يتمتع بتأييد واحدة من أكثر الكتل في البرلمان اللبناني، وبينما كان الحريري رئيس الوزراء المفضل من جانب سوريا في لبنان من بعد اتفاق الطائف فإن العلاقة بينه وبين دمشق أخذت في التوتر بسبب انحياز الأخيرة لخصمه إميل لحود رئيس الجمهورية وكان تأييد دمشق تمديد رئاسة لحود أحدث وأقوي ضربة للعلاقة بين الحريري ودمشق خاصة أن رئيس الوزراء المغدور كان قد اتخذ موقفاً قوياً وعلنياً معارضاً للتمديد. لقد ابتلع الحريري لطمة دمشق، وتصرف كسياسي محنك يدرك موازين القوي فكان أن صوتت كتلة مؤيديه في البرلمان لصالح التعديل الدستوري الذي فتح باب دخول الرئيس لحود لفترة رئاسية ممتدة وباب خروج الحريري من رئاسة الوزارة بعد أن استحال التعايش بين الرجلين، وبخروج الحريري من الحكومة بدأ في نسج علاقات مع المعارضة المتزايدة للرئيس لحود وللوجود والسياسة السورية في لبنان وبات الرجل الذي كان لسنوات طويلة من أهل الحكم يمثل رديفاً مهماً للمعارضة فشرع في خوض حملة الانتخابات البرلمانية المنتظرة في غضون ثلاثة أشهر من موقعه الجديد ومع انتقال الحريري التدريجي لمواقف المعارضة رفعت عنه الرسمية التي تمتع بها هو وأنصاره طويلاً وكان توقيف عدد من أنصاره النشطاء قبل أقل من أسبوع بتهمة مخالفة قانون الانتخابات آخر مظاهر التضييق الذي بات الحريري وكتلته يتعرضون لها وأحدث إنذار له لإعادة النظر في مسيرة اقترابه من المعارضة. انتقال الحريري النهائي لصفوف المعارضة كان له أن يضع سوريا في مأزق خاصة بعد أن تحول وليد جنبلاط زعيم الطائفة الدرزية، وأحد حلفاء دمشق القدامي، إلي زعيم لمعارضي دمشق في لبنان فالتآكل السريع لقاعدة حلفاء دمشق في بيروت بات ينذر بالخطر، خاصة في ظل ضغوط دولية شديدة، تحالفت في إطارها الولاياتالمتحدة وفرنسا ضد دمشق ونجح الطرفان لأول مرة في تمرير قرار دولي هو قرار مجلس الأمن رقم 9551 يطالب بانسحاب سوريا من لبنان. وباغتيال الحريري الذي يأتي بعد أشهر قليلة من محاولة الاغتيال التي أصيب فيها مروان حمادة رئيس الكتلة البرلمانية المؤيدة لوليد جنبلاط يقف لبنان علي عتبة العودة لأيام الحرب الأهلية والانفلات الأمني وبالطبع فانه لن يكون من السهل معرفة الجهة المسئولة عن اغتيال الرئيس الحريري وربما لن نعرف هذه الجهة أبداً، ولكن المؤكد أن هذا الحادث سوف يزيد لهيب لبنان اشتعالاً وأن كل طرف من أطراف الصراع الدائر الآن في لبنان سوف يحاول توظيفها لخدمة مصالحه ووجهة نظره فبينما ستحاول دمشق وحلفاؤها استخدامها كدليل علي هشاشة الوضع الأمني في لبنان وبرهان علي ضرورة استمرار الوجود السوري، فإن خصوم سوريا سيذهبون لتحميلها المسئولية عن الحادث، وللبرهنة علي أن الوجود السوري لا يحقق أمن لبنان وإنما يعرضه للمزيد من المخاطر، وفي كل الأحوال فإن تفاعلات السياسة اللبنانية قد تجاوزت المرحلة التي كان يمكن فيها للاغتيالات أن تؤدي لإسكات صوت المعارضة وأن مزيداً من التوتر في لبنان ومزيداً من تحرج الموقف السوري باتت أموراً مؤكدة.