في البلد مجلس أعلي للصحافة ونقابة للصحفيين ومؤسسات صحفية لها كيان وكينونة وهناك ميثاق شرف يلتزم به الصحفيون ورغم ذلك فالصحافة المصرية تتأرجح بين الصحافة والسخافة وربما يحرضني علي الخوض في هذا الموضوع ما قرأته علي لسان مفتي مصر المستنير د. علي جمعة الذي وجه للصحافة سهاما في العظم لم يلتفت لها الكثيرون! لقد تكلم المفتي عن "الديسك" اي مطبخ الجريدة وكيف تصاغ فيه الاخبار وتلون وكيف تكتب المانشيتات الكبيرة والفرعية تكلم الرجل من قلبه وبضميره وكأنه اشتغل بالصحافة يوما ما. الصحافة في نهاية الامر تصنع الرأي العام، ويبدو 1 الناس انصرفت قليلا عن القنوات الفضائية رغم ابهارها الملون بألوان الطيف. وربما لقد اصاب الناس الملل من المقابر المرئية التي احترفت الصراخ عاد الناس ولا أدري دقة هذه العبارة الي الحرف المطبوع وصارت الصحافة "فاعلة". لكن المصيبة التي تسيطر علي الصحف المستقلة واحيانا الصحف الحزبية هي "شهوة التوزيع" لا شك أن كل جريدة أو مجلة تسعي للتوزيع الكبير فهذا ينعكس ايجابا علي حصيلة الاعلانات ولكن شهوة التوزيع تطيح بأي قيم وتدوس علي الناس وسمعة الآخرين وتنسي كل بنود ميثاق الشرف. ويدافع هؤلاء عن الأمر بسهولة "نحن نكشف عورات المجتمع" واذا ناقشتهم في سخافة التناول، ردوا عليك بسرعة "هل تدافع عن الفساد؟". ان القيم اهترأت كثيرا باسم الحرية، ولا أظن ان مساحة الحرية التي تكبر يوما بعد يوم تعطي لي كصحفي حق التطاول علي الرموز السياسية وربما الدينية والفكرية وأنا لا اقصد صحفيا بذاته ولا جريدة بعينها، انما اكتب في الواقع عن ظاهرة تفشت وتيار يسود. ان الصحافة احيانا بدلا من احتواء مشكلة أو قضية "تولعها" و"تنفخ النار" فيها وتزيد وطيسها. لماذا تلجأ الصحف لهذا المسلك؟ انها شهوة التوزيع انها الاثارة المربحة وهكذا يقيسون نجاح الجريدة بالانتشار والتوزيع، وكأن الاعتدال والاتزان والتفاؤل الموضوعي وعدم الخوض في سيرة الناس هو العيب الاكبر في الصحافة، وسقطتها كبيرة. وهذا ليس صحيحا بالمرة، فإن ثقافة احترام القارئ ومناقشته العقلية هي التي تكسب احترام الناس لأن الاصل عند المصري، الجدية في القول والعمل. أما الاستثناء فهو الجري وراء النميمة والشتيمة وتعرية الناس وفي اعتقادي انه كلما نضجت العقليات في مصر، أداروا ظهورهم للصحف رخيصة الكلمة والرأي. فالقارئ اللبيب يعرف جيدا ماذا يحرك هذه الجريدة أو هذه المجلة وهو الذي بعزوفه عن قراءتها يضع نهايتها فصلاحية اي صحافة في يد قارئ مسئول، يعرف جيدا مشاكل هذا الوطن وقضاياه وماذا يجب ان تكتب الصحافة عنه: فالسطور الضائعة في امور تافهة أو تمس السمعة، هي اخطر ما في منهج الصحافة لاتزال قضايانا الحيوية تطلب المزيد من الجهد الاعلامي ولا تزال الصحيفة هي محركة للوعي العام عند الناس. هل المشكلة حزبية ام هي قومية هل صحافة هذا البلد منفصلة عن ناس يكدحون وهم فرسان يمكن ان نطلق عليهم ابطالاً صامتين؟ هل مساحات صفحات الكورة تليق بمجتمع يشكو الأمية، الأمية العلمية والأمية الثقافية والأمية السياسية مع تقديري للرياضة، وياليتها كانت للرياضة المصرية أو العالمية علي وجه العموم ولكنها رياضة "الكورة" فقط ونجومها ومدربوها، حتي ان الرجل الفاضل وزير الشباب غطس في بحر الكورة لأن الموجة العاتية شدته والجماهير تفرض عليه التدخل في الموضوع فكانت النتيجة طوفان الصفحات والملاحق عن الكورة وسنينها! انني لا اريد ان اجلس فوق كرسي الواعظ والناصح، انما أنا صاحب قلم متواضع، أوجه عتابا لصحافتنا التي خاضت في الفترة الأخيرة في أمور شائكة.. لم تقم فيها بدور عاقل، انما تعاملت مع الحدث كحادثة، تبحث عن تفاصيلها وملابساتها وظروفها بغير حساب، وليذهب سلام وسلامة الوطن الي الجحيم!