من يتابع واقع الإعلام المصري عامة, والصحافة المصرية علي وجه الخصوص, يستطيع أن يكتشف بوضوح كيف أن هناك بعض الصحف التي تدفع في اتجاه الطائفية والتجزئ من خلال إصرارها علي استخدام العناوين المثيرة والمعالجات الصحفية الضيقة. إعلام يتناول الموضوعات التي تحمل نوعا من التوتر الديني من خلال معالجات صحفية من شأنها أن تقود المجتمع الي الوقوع في فخ الأزمات بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين بصورة تثير الكثير من القلق علي حاضر هذا الوطن ومستقبله, ومن ذلك علي سبيل المثال استخدام مفردات ضد خطاب المواطنة, وتطبيق الأحداث بإعطاء طابع طائفي لأحداث لها طبيعتها الاقتصادية والاجتماعية, والتركيز علي الآراء التي تحمل قدرا من الإثارة والتهييج وايجاد التوتر بين المواطنين, والخروج عن حدود اللياقة والأدب وتحول النقد وحرية الرأي والتعبير الي سب وقذف وإهانة, فضلا عن اتجاه بعض وسائل الإعلام الي الهجوم علي عقائد الآخر, وانتشار مايسمي بظاهرة السجال الديني والسجال العقائدي. في هذا الاطار فإنه قد يكون من المناسب اعداد وتنظيم دورات تدريبية تثقيفية للصحفيين من جميع المؤسسات الصحفية, علي مايمكن تسميته ب صحافة المواطنة. إن صحافة المواطنة تمثل لدينا نمطا خاصا في المعالجة الصحفية من حيث تناول ومناقشة الموضوعات والقضايا المختلفة التي يعيشها المجتمع, سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية, من خلال تقديم معالجات صحفية تنطلق بالأساس من مدخل منظور المواطنة, وهي بذلك صحافة تعلي من شأن المواطنة وتستخدم مفرداتها في خطاباتها الصحفية من حيث تأكيد معاني المساواة والمشاركة واقتسام الموارد, وهي كذلك صحافة ترفض استخدام مفردات الطائفية والتفكيك والتجزئ والتصنيف بأشكاله المتنوعة وتبتعد عن الافتراضات والتصورات المسبقة, ومن جهة أخري فإنها تؤكد معاني الاندماج والتكامل الوطني والتعايش السلمي المشترك والتماسك الاجتماعي والمسئولية الاجتماعية والعمل البناء.إنه يمكن تنظيم تلك الدورات التدريبية والتثقيفية من خلال نقابة الصحفيين والمجلس الأعلي للصحافة, وكذا مؤسسات المجتمع المدني المهتمة ببرامج تثقيف الصحفيين والإعلاميين, حيث تتم الاستعانة في تلك الدورات بالخبراء والمفكرين والباحثين في قضية المواطنة الي جانب اساتذة الصحافة والإعلام, من خلال تنظيم ورش العمل المؤتمرات الندوات المحاضرات, الي غيرها من الآليات المناسبة في هذا السياق, وذلك من أجل حث الجماعة الصحفية خاصة, والجماعة الإعلامية عامة, علي الالتزام بالمعالجة الصحفية الإعلامية المقرونة بأسس مبدأ المواطنة. وربما من المفيد هنا أن يخصص المجلس الأعلي للصحافة جزءا من تقريره السنوي حول التزام المعالجات الصحفية بمبدأ المواطنة, وهناك فكرة يرددها البعض تتعلق بإنشاء مرصد إعلامي لمتابعة ماينشر في الصحف وفي باقي وسائل الإعلام من معالجات خاصة للعلاقات الإسلامية المسيحية, مع اصدار تقارير دورية عن هذا الشأن. وفي ظل ضرورة تفعيل ميثاق الشرف الصحفي, والذي يدور في مجمله حول التمسك بالقيم الوطنية والاخلاقية للمجتمع المصري والتأكيد علي حرية الصحافة وان الحرية أساس المسئولية وكذا حق المواطنين في المعرفة وهو الحق الذي يرتبط بحرية تدفق وتداول المعلومات وكذا دور الصحفيين في صيانة الآداب العامة وحقوق الانسان والمحافظة علي آداب وتقاليد المهنة, فإن هناك فكرة خاصة باعداد ميثاق شرف اعلامي, ميثاق نوعي, خاص بقضية الوحدة الوطنية ومعالجة الأزمات الطائفية ومواجهتها.