في عام 1956 أسس الصحفي الألماني «روبرت كسيلر» مجلس الصحافة الألماني، وحدد مهمة المجلس علي النحو التالي: «يجب علي المجلس أن يراقب ويحذر ويزيل الممارسات السيئة وإساءة الاستخدام والفساد والتجاوزات المخلة بالأسس التي يقوم عليها العمل الصحفي الرصين والمسئول».. وبعد 50 عاماً أجرت الصحفية الألمانية «داكمار كيرسبرغ» وهي صحفية حرة تقدم إنتاجها الصحفي للصحيفة التي تقدره حواراً عام 2006 مع الرئيس الحالي للمعهد «لوتس تلمنس» فكان السؤال الأول. هل نجح المجلس في تحقيق هدفه الذي حدده مؤسسه ؟ فأجاب: «نعم، أعتقد أن مجلس الصحافة قد نجح في ذلك، وعلي كل حال يمكننا أن نلاحظ تحفظاً في إصدار القوانين الجديدة وخاصة ما يتعلق منها بحرية الصحافة وبالحقوق الشخصية العامة، والسلطة التشريعية تراهن أيضاً علي التنظيم الذاتي للمواطنين، وفي الفترة الماضية، معظم دور النشر وهيئات التحرير وافقت علي مبدأ التنظيم الذاتي، وهذه النتيجة تجعلنا متفائلين». هذا الكلام الألماني مهم فالتنظيم الذاتي ومواجهة كل جماعة لمخالفات بعض أعضائها هو السبيل الوحيد للحفاظ علي الحرية وتوسيع هامشها للتصدي لمحاولات أعداء الصحافة المستمرة لتكميم أفواه الشرفاء، وفي مصر شهدت نقابة الصحفيين مؤخراً اجتماع رؤساء تحرير الصحف ونخبة من المثقفين، لوضع ضوابط للتصدي للتجاوزات التي تصل للتورط عن عمد أو دون قصد في إثارة الفتن الطائفية، وكالعادة خرجت التوصيات مسكنات، ولا جديد علي أرض الواقع، مطالبات بتشريعات جديدة بينما ما هو قائم غير مفعل، لماذا؟ لوجود مجموعات فاسدة لديها من المصلحة ما يجعلها تدعم فساد الصحافة. مجلس الصحافة الألماني، لدينا مجلس مثله ولدينا نقابة ومواثيق شرف صحفي، لكن المجلس الأعلي للصحافة الذي يمنحه القانون حق إلزام الصحف بنشر توبيخها ممثل فيما يرصده من تجاوزاتها، لا يفعل ذلك علي أرض الواقع، كما أن النقابة لا تملك تفعيل الميثاق، وما أكثر التجاوزات. نعود للتجربة الألمانية سألت الصحفية عن تزايد شكاوي المواطنين ضد تجاوزات الصحف من 121 شكوي عام 1986إلي 747 شكوي عام 2005وهل هذا دليل علي انحطاط التقاليد المهنية؟ فكان الجواب: «معظم الشكاوي تتركز حول الإعتداء علي الحقوق العامة وحول واجب التقيد بالحقيقة، وهناك قسم من الشكاوي يتعلق بالحقوق الشخصية وبعدم التمييز بين الخبر وبين الإعلان و شكاوي تتعلق بالتمييز العنصري وبالأخبار المثيرة، ولكن بشكل عام لا دليل علي انحطاط الصحافة». الطريف أن المجلة الالمانية الساخرة «تيتانك» نشرت ذات مرة نكتة قالت فيها، إنها ستنشر فقط التوبيخ الذي يوجهه إليها، وجريدة «تاكس شبيغل» التي وبخها مجلس الصحافة بسبب نشرها إعلاناً في شكل تحريري فنشرت التوبيخ الموجه لها مرفقاً بملاحظة تقول أنها ستستمر بنشر الإعلان . مع ذلك فإن رئيس مجلس الصحافة الألماني تمسك بنظرية التصويب الذاتي وقال: «علقت تايتانك لكنها أعلمت قراءها بالتوبيخ الذي وجه لها من قبل مجلس الصحافة وهذا ما يهمنا بالدرجة الأولي، وجريدة تاكس شبيغل من المؤكد أنها ناقشت بشكل موسع النقد الموجه لها كما أن الصحف المنافسة لها كتبت عن هذا التوبيخ». أما نحن في مصر فمواثيقنا مجرد حبر علي ورق وهذا جزء من أزماتنا الصحفية وللحديث بقية.