80% من الشعوب العربية خارج نطاق الحماية التأمينية اعمل في الصحافة التأمينية منذ 25 عاما. لم تكن في الصحافة المصرية نوافذ صحفية تأمينية متخصصة.. ولم يكن في مصر صحفي واحد يفكر لمجرد التفكير أن يكتب عن النشاط التأميني في مصر. وكانت الكتابة في اغلب الأحيان، بل في كل الأحيان عابرة لمجرد أن وزير الاقتصاد أو وزير التخطيط أو وزير الاستثمار المسئول بحكم منصبه عن قطاع التأمين يذهب لافتتاح مؤتمر أو منتدي فتجد في الجلسة الافتتاحية جيوشا جرارة من المحررين يكتبون كل كلمة وكل سطر ينطق به الوزير، بل يسجلون له كلمته الافتتاحية ولا يكتفون بذلك، بل يلتفون حوله بعد انتهاء كلمته ليمطروه بأسئلة سخيفة وعقيمة وسطحية لا تقدم ولا تؤخر وفور مغادرة الوزير تجد قاعة المؤتمر وقد خلت تماما من جيوش الصحفيين الذين حضروا لاثبات حضور أمام الوزير الذي يغطون نشاط وزارته أما جلسات المؤتمر ومناقشاته وأبحاثه فهي لا تهم الصحافة من قريب أو بعيد وفي اليوم التالي لهذا المؤتمر أو ذاك تقرأ الصحف -كل الصحف- فلا تجد إلا تصريحات الوزير، كلمة الوزير، تعليقات الوزير أما بقية المحاورين وأصحاب الأبحاث فلا مكان لهم. هكذا كانت الظروف منذ 25 عاما ولا أعرف لماذا تذكرت آلام الماضي بعد انقضاء كل هذه السنين أردت فقط أن اكتب للتاريخ أن صناعة التأمين في بلدنا، بل في كل الاقطار العربية لعبث ولا تزال تلعب دورا سلبيا بانعزالية معظم قادة هذه الصناعة وكأنهم يعملون في جزر منعزلة أو هم يريدون ذلك بالفعل والبعض الآخر يتواصل مع الإعلام وكأنه لص يتسلل ليلا مع العلم بأن المقولة التي قالها لي أحد كبار هذه الصناعة -رحمة الله عليه- ان صناعة التأمين في عالمنا العربي كله بمثابة مركب كبير له مجدافين أحدهما مهني فني تأميني، والآخر مهني فني إعلامي ولا غني لرجال صناعة التأمين عن رجال الإعلام ولكن القضية ليست في النشر والتلميع وتسليط الاضواء علي هذا المسئول أو ذاك، القضية أن صناعة التأمين في كل انحاء عالمنا العربي برغم ما تملكه من إمكانات مالية وبشرية وفنية فشلت فشلا ذريعا في نشر الوعي التأميني لدي جميع الشعوب العربية خاصة الشرائح البسيطة المهمشة من ذوي الدخل المحدود وما أكثرهم وسنوات وراء سنوات، وعشرات بل مئات الندوات وورش العمل التي تختتم أعمالها بالعديد من التوصيات وعلي رأسها ?ضرورة نشر الوعي التأميني? الذي لا يزال محلك سر ولم ينتشر ولم تتسع رقعته ولا تزال أغلبية الشعوب العربية محرومة بالفعل من الحماية التأمينية ونظرا لخطورة هذه القضية ذات الاثار علي الصناعة وعلي الاقتصاد وعلي المجتمعات العربية فقد قررنا في ?العالم اليوم? ان نقدم دراسة شبه تفصيلية عن قضية الوعي التأميني لنضعها أمام الاتحاد المصري للتأمين رئيسا وأعضاء بل وأمام كل مسئول عربي يؤمن بأهمية التأمين ليس فقط في توفير الحماية- بل في دعم الانشطة الاقتصادية المختلفة. معظم الدول العربية بدأت برامج التحرر الاقتصادي لاقامة اقتصادات حديثة والاقتصاد الحديث لا ينمو أو يتطور دون مساندة من صناعة تأمين كفء توفر الحماية للأفراد والمؤسسات كما تقوم بدورها المهم في تعبئة المدخرات وتراكم رأس المال واستثماره في جميع القطاعات وهو ما لم يتحقق بالدرجة المطلوبة في الأسواق العربية نظرا لما تعاني منه هذه الأسواق من نقص وقصور في الوعي التأميني والإيمان بأهميته وعدم وجود مفاهيم واضحة وراسخة لدي الجمهور العربي أو وعي كاف بأهمية التأمين كاحد أهم الركائز التي يعتمد عليها الاقتصاد القومي في النمو والازدهار. ويمكن التعرف علي أبعاد هذه المشكلة من خلال التعرض للمظاهر والاعراض التي حدت بنا الي الحكم علي سوق التأمين العربي بنقص الوعي التأميني به، وعدم أدائه لدوره في دعم وتنمية الاقتصاد والمدخرات من خلال توفير الحماية التأمينية للأصول والممتلكات ورءوس الأموال والأفراد. أعراض ومظاهر نقص الوعي التأميني علي مستوي الدولة والمجتمع: - الانخفاض الشديد في حصيلة اقساط التأمين السنوية مقارنة باجمالي الناتج القومي. - انخفاض معدلات الاحتفاظ بالاقساط وارتفاع اقساط اعادة التأمين الصادرة حيث تشير الاحصائيات الي ان اكثر من 45% من أقساط التأمين العربية تذهب الي الأسواق الاجنبية في صورة اعادة تأمين صادر. - انخفاض متوسط انفاق الفرد علي التأمين في السوق العربية الي ادني حد ممكن مقارنة بالأسواق الاوروبية والامريكية واليابان. - التدهور الشديد في الأهمية النسبية لصناعة التأمين داخل اقتصادات الوطن العربي ويتبين ذلك من أن حجم اقساط التأمين العالمية سنة 1999 يعادل 5.8% من حجم الناتج القومي العالمي بما يعني ان التأمين يتفوق علي صناعات السيارات والطيران وتكنولوجيا المعلومات ونجد في المقابل ان حجم اقساط التأمين في الدول العربية يمثل 8.0% من اجمالي الناتج القومي للدول العربية. - بلغ متوسط النمو في أقساط التأمين عام 1999 حوالي 3.7% علي مستوي العالم بينما لم يتجاوز 1% في العالم العربي. مظاهر نقص الوعي التأميني لدي شركات التأمين: - التركيز علي العنصر السعري في تسويق الخدمة التأمينية مع تجاهل العناصر المختلفة لتسويق الخدمة التأمينية بخلاف السعر ومنها: الأفراد- برامج التأمين- تكامل العملية التأمينية.. إلخ وما ترتب علي ذلك من عواقب سلبية علي سوق التأمين. - متابعة كل شركة تأمين لمنافسيها من الشركات الأخري وإدراج البرامج التأمينية التي استحدثتها الشركات المنافسة بأسماء اخري بما يفرغ هذه البرامج من أية فرصة للتنوع ومناسبة الاحتياجات المختلفة للعملاء وتجعل المستهلك الواعي الذي لديه بعض الفكر التأميني لا يجد الجديد في هذا التنافس غير المدروس. - التنافس علي مساحة محدودة من السوق التأميني دون النظر الي إمكانية توسيع هذه الرقعة أو المساحة من خلال تنمية وتطوير البرامج التأمينية والخدمات المقدمة وأساليب تقديم الخدمة التأمينية وتنمية مهارات الاجهزة التسويقية.. إلخ. - عدم استخدام الكوارث والأزمات في تفعيل رسالة التأمين بالدرجة الكافية مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأخير وما ترتب عليها من أثر علي أسواق التأمين وإعادة التأمين من حيث حجم الخسائر المحققة وحجم التعرض لخطر معين كالإرهاب والتخريب وتغيير المفاهيم والسيناريوهات الخاصة بحجم الخسارة الناتجة عن حادث واحد. - أيضا الحادث الإرهابي الذي وقع بالأقصر عام 1997 مستهدفا قطاع السياحة وهو ما كان يستدعي من شركات التأمين أخذه في الاعتبار من خلال توفير تغطيات تأمينية مناسبة لحماية السائحين. - ونضيف أيضا حادث قطار الصعيد الأخير الذي لم يستخدم الاستخدام الأمثل لتفعيل مفهوم التأمين لدي الجمهور اكتفاء بالوصول الي تغطية اجبارية علي تذاكر القطارات والمترو، ولكن هل استخدمت في تنمية الوعي لدي الجمهور بماهية التأمين سواء علي الحياة أو الممتلكات أو علي المسئوليات؟.. إلخ. - عدم وجود البرامج التأمينية التي تناسب الاحتياجات والمتطلبات المستجدة علي المجتمعات، التي تتماشي مع عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات، والخصخصة. - إهمال شركات التأمين في تدريب وإعداد الكوادر الفنية العاملة فيها لاكتساب الخبرة والمهارة الفنية اللازمة مع مواكبة جميع المتغيرات والمستجدات في الأسواق العالمية واستيراد ما يتناسب منها مع احتياجات الأسواق العربية. - اعتماد شركات التأمين علي استيراد البرامج التأمينية العالمية والتقليد دون بذل الجهود المطلوبة في التنبؤ باحتياجات العملاء من الخدمة التأمينية. - افراغ رسالة التأمين من مضمونها، وهي توفير الحماية التأمينية وتشجيع الادخار وتنمية الاقتصاد القومي عن طريق التسابق في رفع معدلات أرباح وثائق التأمين علي الحياة المشتركة في الأرباح ترسيخا لنقص الوعي التأميني لدي الجمهور من اعتبار التأمين وسيلة ادخارية فقط. - الفشل في استخدام الأبعاد الجديدة والمتغيرة لتكنولوجيا الانترنت في تسويق المنتجات التأمينية. - عدم إعلان شركات التأمين علي التعويضات التي تقوم بسدادها وتسويتها بالقدر المناسب ووفائها بالتزاماتها تجاه العملاء، وإلي أي مدي تؤثر هذه التعويضات في تمكين العملاء ?أصحاب المنشآت المؤمنة المتضررة? من استئناف النشاط. مظاهر نقص الوعي التأميني لدي الجمهور إعطاء الأولوية المطلقة لسعر التأمين ?قسط التأمين? بغض النظر عن سمعة شركة التأمين أو صورة الخدمة التأمينية المؤداة أو برنامج التأمين الذي يفي باحتياجات طالب التأمين. المفاضلة بين شركات التأمين والبنوك من جهة معدلات الأرباح التي تمنحها البنوك علي برامجها الاستثمارية سواء ودائع نقدية أو شهادات استثمار أو استثمارات طويلة الأجل، وبين معدلات الأرباح التي تضيفها شركات التأمين إلي بعض برامج التأمين علي الحياة الادخارية والتي تعتبر ميزة إضافية تتجاوز الميزة الأصلية التي توفرها برامج التأمين من حماية تأمينية والتي بالطبع لا توفرها البنوك. الغش والتدليس أو اهدار مبدأ مهم من مبادئ التأمين وهو مبدأ منتهي حسن النية عند التعاقد علي التأمين لعدم إدراك أن ذلك يعرض عقد التأمين للأبطال وبالتالي انتفاء الغرض منه. الخلط الواضح بين نظم المعاشات وبرامج التأمين علي الحياة وعدم القدرة علي تقدير مدي الاحتياج للاشتراك في برامج التأمين علي الحياة لتعويض النقص بين الدخل الحالي ودفع المعاش في تاريخ الإحالة إلي المعاش. يتبين من العرض السابق لظاهرة نقص الوعي التأميني في الأسواق العربية بصفة عامة وفي سوق التأمين المصرية بصفة خاصة أن هناك انحرافات جوهرية بين ما كان متوقعا من النشاط التأميني كأداة ادخارية اساسية، وكأداة للتمويل وتوجيه المدخرات، بالإضافة إلي كونها أداة حماية للاقتصاد القومي من خلال حماية المنشآت والممتلكات والثروات عن طريق تعويض المتضررين لضمان استمرار الأنشطة الاقتصادية بأقصي طاقاتها، وبين الواقع الحالي لنشاط التأمين حيث يتبين من الاحصائيات المنشورة في هذا المجال أن حصيلة أقساط التأمين السنوية مقارنة بإجمالي الناتج القومي تبلغ في مصر 0،65 وتحتل بذلك الدرجات المتدنية بالمقارنة بباقي البلاد العربية وفي نفس الوقت تجتمع البلاد العربية جميعا لتبين الفجوة الكبيرة قياسا علي البلاد الأوروبية وأمريكا واليابان. وبالطبع فإن نقص الوعي التأميني ينعكس سلبا علي الاقتصاد القومي من خلال عدم قيام شركات التأمين بتلبية حاجات المجتمع من خلال مساهمات هذه الشركات في الودائع الادخارية والأسهم والسندات والصكوك الحكومية وغيرها من أوجه التمويل التي تعتبر الحكومة مساهمة شركات التأمين فيها واجبا قوميا الزاميا ويفترض أنه في حالات الأزمات الاقتصادية أو نقص السيولة أن تلجأ الدولة إلي طلب المزيد من مساهمات شركات التأمين في تعبئة المدخرات للصالح القومي. إذن هناك انعكاس سلبي علي المدخرات من خلال ظاهرة نقص الوعي التأميني. يتبين من هذا التحليل أن تصحيح الوضع ورفع الوعي التأميني بجميع السبل سيؤدي إلي زيادة المدخرات وتنمية العوائد وتهيئة الاقتصاد القومي لقبول المزيد من الاستثمارات من شركات التأمين بما ينعكس علي قدرة القطاع الاستثماري علي دفع عجلة التنمية. ونؤكد مرة أخري أن نجاح أي اقتصاد إنما يعتمد بالضرورة علي سلامة ونجاح القطاع المصرفي والتأمين في الوفاء بالتزاماته تجاه المجتمع وأن رفع الوعي التأميني أصبح ضرورة قومية لابد أن تشترك فيها جميع الجهات المعنية حكومية، شعبية، تأمينية، مصرفية، دعائية، تعليمية، إعلانية، مرئية، مقروءة، ومن خلال الندوات والمؤتمرات والبرامج التليفزيونية والأفلام والمسلسلات حتي يستطيع كل مواطن أن يشعر أنه في حاجة إلي التأمين. وهنا يبرز الفهم الحقيقي للتأمين ودوره وأهميته ويذكر منها في هذا المجال بعضا من الأمثلة في مجال التأمين علي الحياة للتوضيح: - في حالة الرهن العقاري للحصول علي قرض من أحد البنوك أو بيوت التمويل العقاري واشتراك الزوجين أو الشريكين في مسئولية سداد الديون وما يعنيه ذلك من المسئولية الملقاة علي عاتق الباقي علي قيد الحياة في حالة وفاة الشريك الآخر وهذه المسئولية هي سداد الدين بالإضافة إلي الأعباء الأخري المعيشية التي تترتب علي فقد الشريك، وما يعنيه من أهمية وجود تغطية تأمينية مناسبة لتغطية سداد هذه الديوان في حالة الوفاة. - ضرورة مراجعة وثائق التأمين علي الحياة وزيادة مبالغ التأمين مع مرور الوقت لتعويض النقص في القيمة الحالية للنقود وارتفاع معدلات التضخم أيضا في حالة المسئولية عن رعاية وكفالة أب أو أم أو أطفال دون سن الزواج.. الخ حيث تتزايد بالطبع احتياجاتهم المالية كلما تقدم الزمن وتصبح مبالغ التأمين المتعاقد عليها حاليا لا تساوي شيئا أو غير كافية غدا أو بعد غد. - مقابلة أخري تعتمد علي طبيعة الحياة الأسرية إذا كان هناك زوجان وليس لديهما ذرية وما يعنيه ذلك من كفاية إجراء تأمين بمبلغ يتناسب مع الدخل المفتقد في حالة وفاة العائل أو إذا كان الزوجان يشتركان في تكاليف المعيشة، وعدم كفاية دخل الزوج للإعالة، بما يعني ضرورة اختيار نوع التأمين ومبلغه المناسب حتي يتحقق لهذا الزوج فرصة تعويض نقص الدخل الناتج عن وفاة الزوجة أيضا يستلزم الأمر في حالة وجود أبناء إعادة النظر في تركيبة هذه البرامج التأمينية وتعديلها بالإضافة أو التغيير سواء برفع مبلغ التأمين أو تعديل المنتفعين بالتأمين أو حتي أولوية الانتفاع بالتأمين وذلك كله يعتمد علي مدي الفهم والادراك لمنظومة التأمين ودوره في تحقيق معادلة الأمان والكفاية.