كل صباح أقوم من النوم ناويا الذهاب إلي مكتبي الواقع بالمجلس الأعلي للثقافة كي أدير مجلة الفنون الرفيعة ?فنون مصرية?، أستيقظ علي قراءة الجرائد، لأتابع حالة العجز عن رؤية الأمل في عموم الكتابات، وهي تعبر عن حيرة حقيقية عند جميع الفرقاء، وكأن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت تهدف فقط إلي رحيل مبارك دون أن تملك خريطة للمستقبل، ولكن التنظيم الوحيد كان تنظيم المتأسلمين الذين يحفظون العديد من براهين وجود إله قادر في السماء، ولكنهم اقتصاديا وتخطيطيا لا يملكون سوي إتباع النموذج الرأسمالي الشرس الذي هاج عليه المصريون في الخامس والعشرين من يناير، حين هتفوا بالعدالة الاجتماعية والخبز.. ولم تملك الحكومات المتتالية من عصام شرف إلي هشام قنديل خطة مقنعة لعموم المصريين أن يتحملوا ويلات كثيرة في سبيل تحقيق الحلم بالعدل، ووجدنا الجميع يرحبون بالثورة المصرية ويزايدون في الوعود، ثم برزت أطماع الاستعمار عن بعد، وهي أطماع معروفة تاريخيا، فمنذ حفر قناة السويس وحتي احتلال مصر بواسطة إنجلترا كان الهدف دائما وجود حكومات هشة حتي ولو كان لها برلمان له ضجيج وهو ما عشناه بعد ثورة ،1919 ولكن العقول الكبيرة لم تكف عن الحلم، فكان دخول أبناء الطبقة الوسطي إلي الجيش هو إيذان بميلاد ثورة يوليو التي حسمت مسألة توزيع الثروة في أقل من أسابيع قليلة بعد قيامها، فكان قانون الاصلاح الزراعي الصادر في يوم الثورة العرابية التاسع من سبتمبر، فهذا تاريخ عرابي بذات نفسه، وكأن الذين تجمعوا حول قطاره يشكون الإقطاع بينما كان ذاهبا لقتال الانجليز، كأن هؤلاء كان عليهم الانتظار إلي أن يلد التاريخ شخصا اسمه جمال عبد الناصر، ومن عاش أعوام 1948 وحتي عام 1951 كان يعلم أن كبار الاقطاعيين كانوا يجعلون الفلاح ويوقع بخاتمه وبصمته علي عقد إيجار دون تحديد قدر الايجار، هذا إن رغب في أن يظل مستأجرا، ولقد رأيت بعيوني وأنا طفل عشرات الفلاحين يصرخون بالدموع كالنساء لأن مالك الفدادين يأخذ منهم ما يحدده هو إيجارا، ولا يبقي للفلاح ما يطعمه طوال العام، ولذلك كان قانون الاصلاح الزراعي لا يشمل فقط توزيع أراضي الاقطاعيين علي الفلاحين، بل وضع نسبة محددة لايجار فدان الأرض. لم تأت ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن استولي علي قيادتها المتأسلمين الجدد أي رائحة لعدالة اجتماعية، فتوقفت الحياة عند الاضرابات والاعتصامات دون توقف، وطبعا يضيع الوقت في مزيد من التدهور حيث لا إنتاج ولا عمل يمكن أن يحقق أي زيادة في الدخل القومي لعموم المصريين. وما لم تلتفت الدولة إلي أن الثورة لم تقم من أجل أن يحصل المتأسلمون علي قيادتها بل أن يحصل عموم المصريين علي حقهم في العدل الاجتماعي، فالزمن يحمل ضياعا جديدا من سنوات العمر في هذا الجو المكفهر. منير عامر