رصدت منظمة أولاد الارض لحقوق الانسان فى تقريرها الشهرى معاناة الفلاح المصرى بعد ثورة 25 يناير وقالت: فى تقريرها أنه منذ شهر سبتمبر عام 2010 وحتى نهاية أغسطس لم تكتمل أمال الفلاح المصرى الذى يقف منتصبا فى الحقول كخيال المآته، وكأن ثورة الخامس والعشرين من يناير توقفت أمواجها عند حدود القرى فلا المعاناة خفت ولا المظالم زالت وكأن الفلاحين كائنات غير مرئية لاحق لها فى التأمين الصحى أو الاجتماعى ولا فى الارض أو فى السكن و يزداد الأمر تعقيداً على الفلاحين الذين يتوضأون من الترع ويصلون على ضفافها حين يتأملون اهتمامات النخبة السياسية وصراعها حول الدستور أولا ام الانتخابات أولا وهل تصبح مصر دولة مدنية أم دولة دينية وفى ضجة أو هوجة الليبراليين والسلفيين والاخوان المسلمين والجماعة الاسلامية وكل الاراجوزات فى مولد سيدنا يناير ارتفعت شيكارة السماد زنة 50 كجم من 37 جنيهاً إلى ما يزيد على 150 جنيهاً وارتفعت أسعار مستلزمات الانتاج الزراعى الاخرى من تقاوى ومبيدات وميكنة بشكل غير مسبوق وانقطعت مياه الرى عن نهايات الترع مماتسبب فى بوار مئات الآلآف من الافدنة،صرخ الفلاحون فى أدنى مصر وأقصاها فلم يصل صراخهم إلى أحد ولم ينتبه إليهم أحد،غير أنهم حين طالبوا بتنظيم نقابى بضم ما يقرب من 6 ملايين فلاح ينتشرون فى نحو 5 آلاف قرية مصرية يدافع عن حقوقهم تكالبت عليهم كل التيارات السياسية بدءاً من فلول النظام السابق وحتى الاخوان المسلمين لاختطاف هذا التنظيم...ليس إيماناً منهم بحق تلك "الكائنات" فى الوجود أو فى حياة تليق بالبشر بل لضرورة تحتمها الانتخابات القادمة وصناديق الاقتراع. وقال التقرير أن الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والتى أنشأت من الأساس لتكون درعا للفلاح في مواجهة الإقطاعيين خاصة وأنها الجهة الوحيدة المنوط بها استصدار عقود تمليك للأراضي التى تم توزيعها على الفلاحين انقلبت على دورها منذ عام 1997 وبعد تطبيق قانون المالك المستأجر في الأرض الزراعية رقم 96 لعام 1992 وتحالفت مع ورثة الإقطاعيين وتم طرد الكثير من الفلاحين من أراضيهم بعد مواجهات دامية مع الشرطة المنحازة للإقطاعيين الجدد وسقط العشرات من الضحايا والمئات من المصابين،أما هيئة الأوقاف والتى يدعي القائمون عليها بأنها تقوم بأعمال البر والخير ومساعدة الفقراء فقد أثبتت وقائع الفساد بها بأنها أبعد ما تكون عن تلك الأهداف النبيلة بل أنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى هيئة للجباية وإذلال وقهر الفلاحين، فقد قام الرئيس الراحل أنور السادات تحت تأثير مرشد الأخوان عمر التلمساني بإنشاء هيئة الأوقاف في عام 1971 وتم استقطاع مساحات من أراضي الإصلاح الزراعي بما عليها من مزارعين لتصبح تابعة لهيئة الأوقاف مما حرم الفلاحون من امتلاك الأراضي أسوة برفاقهم المزارعين في أراضي الإصلاح الزراعي، ومنذ تلك اللحظة قامت الهيئة بفرض الجباية على الفلاحين متمثلة في إيجار الأراضي، ففي البداية حددت أن يكون إيجار الفدان في العام 22 مثل الضريبة أي ما يساوي 600 جنيها غير أنها مع مرور السنين رفعت إيجار الفدان ليصل إلى 140 مثل الضريبة أي بقيمة 4 آلاف جنيها، ثم بدأت في بيع الأراضي والمساكن في مزادات علنية "سرية" لجمعيات إسكان ضباط الشرطة وجمعيات إسكان مستشاري مجلس الدولة وغيرها من جمعيات ذوي النفوذ ليفاجئ الفلاحون بمن يقتحم عليهم بيوتهم ويطردهم من أرضهم التى عاشوا عليها منذ أكثر من 60 عاما، وفي ذات السياق فإن مصلحة الأملاك الأميرية أو "أملاك الدولة" ما زالت حتى اليوم تفرض سطوتها على الفلاحين في قري مصر، فمن المعروف أنه منذ أكثر من 70 عاما قام بعض الفلاحين في القري في ردم البرك والمستنقعات وأقاموا عليها مساكنهم على مساحات صغيرة ومحدودة، غير أن الوحدات المحلية في القري والقائمين على المحافظات ما زالوا يفرضون عليهم المزيد من الجباية ويحددون أسعارا عالية وخيالية لمن يريد الشراء دون النظر للبعد الاجتماعي وهو الأمر الذي يهدد مئات الآلاف من الأسر في الريف المصري بالتشرد والضياع أما بنك التنمية والائتمان الزراعى والذى تم إنشائه ليكون فى خدمة الفلاحين فإنه بالرغم من تدخل الرئيس المخلوع أكثر من مرة وإعفاء صغار المزارعين من نصف الديون وذلك بعد أن تفاقمت المشكلة وأصبح أكثر من 140 فلاح مهددين بالقبض عليهم والزج بهم فى السجون بعد أن عجزوا عن سداد قروض بنك التنمية وفوائدها،إلا أن القائمين على البنك التفوا حول القرار الرئاسى وقاموا بتحويل بنك التنمية من بنك خدمى من المفترض أن يقدم القروض للمزارعين بضمان المحصول وبفائدة بسيطة إلى بنك استثمارى يقدم القروض للمزارعين بفائدة مركبة وبضمان الارض الزراعية ذاتها،بمعنى أن المزارع الذى سيعجز عن سداد القروض سيقوم البنك بانتزاع الارض منه أنتزاعا وتشريده. وعن السياسات الزراعية للحكومات المتعاقبة منذ عام 1992 وحتى اليوم تقوم على أساس تحرير الزراعة، وخلال عشرين عاما تم إلغاء كل صور الدعم عن الفلاح المصري، فتم إلغاء الدعم عن الأسمدة فارتفع سعر الشيكارة زنة 50كجم من 38 جنيها إلى 75 جنيها ثم زادت في موسم هذا الصيف إلى نحو 150 جنيها في السوق السوداء، وارتفعت أسعار التقاوي والمبيدات والسولار المستخدم في النقل والميكنة الزراعية، وتم إنهاء دور ما يقرب من 5 آلاف جمعية تعاونية زراعية والتى كانت تقوم بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بأسعار مناسبة للمزارعين كما كانت تقوم بتسويق المحاصيل، وكانت النتيجة أن تم إلغاء نظام الدورة الزراعية وانحسار المساحات المنزرعة بالقطن تبعا لذلك مما أفقد القطن المصري مكانته في الأسواق العالمية وانغلاق أحد الروافد المهمة للحصول على العملة الصعبة، والغريب أن تلك الحكومات قامت بإلغاء الدعم عن الفلاحين في الوقت الذي تقوم به أكبر الدول الرأسمالية مثل أمريكا وفرنسا وانجلترا بدعم مزارعيها بالرغم من تناقض ذلك مع نظامها الاقتصادي، أما أخطر القوانين التي دشنت عصر تحرير الزراعة فهو القانون رقم 96 لعام 1992 الخاص بالعلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر في الأرض الزراعية والذي بموجبه تم طرد أكثر من 900 ألف مستأجر، وفي بلد مثل مصر تتسم بندرة في الأرض الزراعية ووفرة من المزارعين وبعد أن تم طرح الأراضي لسياسة السوق والعرض الطلب كان طبيعيا أن يرتفع إيجار الفدان من 600 جنيها في عام 1997 إلى نحو 5 آلاف جنيها في عام 2011 وأن يظهر في مصر ما يسمي "بسوق العبيد" في ميادين القاهرة والجيزة والمحافظات ومراكز القري، وذلك بعد أن فقد مئات الآلاف من المزارعين عملهم وتم طردهم من الأراضي التي كانوا يستأجرونها وأصبحوا عاجزين عن دفع قيمة الإيجار الجديد ولم يبق أمامهم سوي النزوح إلى شوارع المدن يجلسون فيها منذ الصباح الباكر وحتى المساء في انتظار أي عمل وبأي آجر على أمل أن يحصلوا على جزء من متطلبات أسرهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن مئات الآلاف من الفلاحين أصيبوا بأمراض السرطان والفشل الكلوي والكبد الوبائي نتيجة استخدام المبيدات المسرطنة تلك التي صرح باستخدامها وزراء للزراعة لا ضمير لهم استباحوا حياة الفلاحين وزوجاتهم وأطفالهم في سبيل الإثراء السريع وغير المشروع في وقت لا يتمتع فيه الفلاحون بالتأمين الصحي أو التأمين الاجتماعي وليس أمامهم سوي الموت وتوريث الفقر لأبنائهم، ويقينا فإن ذكر بعض الأرقام يدل على مدي إهمال الحكومات المتعاقبة للمجال الزراعي وللفلاحين فقد كانت ميزانية وزارة الزراعة المدرجة في الميزانية العامة للدولة 2.6 مليار جنيها في العام حتى عام 2005 حيث تم خفضها بدءاً من هذا العام حتى وصلت في عام 2009 _ 2010 إلى 659 مليون جنيها فقط أي تم تخفيضها بنسبة 75% حتى جاءت الحكومة الانتقالية فرفعت ميزانية وزارة الزراعة لعام 2011 _ 2012 إلى 1.6 مليار جنيها وبالرغم من هذا الارتفاع الملحوظ في ميزانية وزارة الزراعة إلا إن هذا الارتفاع لن يكون كافيا حتى تقوم الوزارة بمهامها التي لا تتوقف عند المجال الزراعي فقط بل استصلاح الاراضى أيضا .. بما يؤكد إن قضية دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومبيدات و تقاوي وميكنة هي بعيدة كل البعد عن سياسة الحكومة الانتقالية وإنها لا تختلف في هذا الأمر عن الحكومات السابقة . وفى مواجهة تلك الازمات خلال عام قام الفلاحون في الريف المصري ب 158 احتجاجا فلاحياً تمثلت في 74 اعتصاما و 84 تظاهرة ومن بين أكثر التظاهرات حشداً قام ما يقرب من 3 آلاف فلاح من منتفعى أراضى الأوقاف بالتظاهر أمام رئاسة مجلس الوزراء في يوم 5 مايو وطالبوا بتملك الاراضى التي يضعون عليها أيديهم منذ 60 عاماً دون مقابل وإلغاء جميع المزادات العلنية السابقة التي تم من خلالها بيع مساحات كبيرة من تلك الاراضى لجمعيات ذوى النفوذ،ولان أحدا لم يستجب لهم قاموا بالتظاهر من جديد أمام رئاسة مجلس الوزراء في يوم 8 يونيو وتم القبض على 6 منهم بعد مواجهة غير متكافئة مع جحافل الأمن المركزي وقام السيد النائب العام بالإفراج عنهم بعد 6 أيام من القبض عليهم بالرغم من إن قاضى المعارضات قرر حبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيق..كما قام فلاحو منطقة السادات بالتظاهر أكثر من مرة في شهري مايو ويونيو بعد أن قامت الحكومة بطردهم من الاراضى التي يضعون أيديهم عليها منذ سنوات ويقومون بزراعتها على طريق مصر أسكندرية الصحراوي..أما الفلاحون من قرية عزبة الباشا مركز أبو كبير بالشرقية فقد تظاهروا أمام رئاسة مجلس الوزراء في شهر يونيو للمطالبة بتعديل قانون المالك والمستأجر في الأرض الزراعية رقم 96 لعام 1992 ووضع سقف أعلى لإيجار الفدان ولا يترك الحبل على الغارب للملاك والغريب أنه لأول مرة في مصر يقوم الفلاحون بالتظاهر ضد قانون المالك والمستأجر..وهذا لم يحدث من قبل..وفي مركز ناصر ببني سويف قام الفلاحون في 8 قري بالتظاهر وقام آخرون باقتحام مبني الجمعية الزراعية بقرية الشناوية وتحطيم الأثاث ومكتب مدير الجمعية بسبب التلاعب في حصص الأسمدة واكتشاف حالات كثيرة من المجاملات والمحسوبيات لأصحاب الحيازات الكبيرة على حساب صغار المزارعين ..وقد تعددت أسباب الاحتجاجات في خلال العام، فقد كانت المطالبة بملكية الأرض الزراعية سببا في 32 احتجاجا، ونقص الأسمدة والمطالبة بتوفيرها سببا في 54 احتجاجاً، ونقص مياه الري في نهايات الترع وعطش مساحات كبيرة من الأراضي وتلف المحاصيل سببا في 62 احتجاجاً، أما الأسباب الأخرى مثل إنشاء محطات تقوية المحمول في الكتلة السكنية واقتحام البلطجة لبعض القرى سببا في 10 احتجاجات ..ونظرة سريعة على توزيع احتجاجات الفلاحين على الأشهر ال12 الماضية نجد أن شهر سبتمبر شهد 10 اعتصامات و6 تظاهرات ونوفمبر 16 اعتصاماً و4 تظاهرات وديسمبر 6 اعتصامات و4 تظاهرات و يناير شهد 3 إعتصامات و5 تظاهرات، وفبراير 7 اعتصامات و6 تظاهرات وأبريل 3 إعتصامات و9 تظاهرات ومايو 6 إعتصامات و5 تظاهرات ويونيو 11 اعتصاما و9 تظاهرات و يوليو 6 اعتصامات و6 تظاهرات وأغسطس 7 اعتصامات و8 تظاهرات، ومن هذا يتضح أن شهري مايو ويونيو وقع فيهما 31 احتجاجا فلاحيا ويمثلان 20% من إجمالي الاحتجاجات نظراً لأن هذين الشهرين هما بداية موسم الزراعة الصيفي والذي اتسم هذا العام بعدم توافر الأسمدة ونقص مياه الري مما تسبب في زيادة نسبة احتجاجات الفلاحين عن الأشهر السابقة .. حوادث العنف بين الفلاحين 304 حادثة عنف بين الفلاحين شهدها هذ العام فقد شهد شهرسبتمبر 44 حادثة وأكتوبر 23 حادثة ونوفمبر 21 حادثة وديسمبر 15 حادثة و يناير 6 حوادث، وفبراير 4 حوادث، ومارس 67 حادثة، وأبريل 17 حادثة، ومايو 18 حادثة، ويونيو 20 حادثة ويوليو 34 حادثة وأغسطس 32 حادثة، ومن الملاحظ أن أقل الأشهر عنفا كان شهري يناير وفبراير نظراً لاشتعال ثورة يناير وتنحي الرئيس المخلوع في فبراير وانشغال الشعب المصري بكل فئاته بتلك الثورة المباركة وترفعه عن الخلافات التى كان تحدث في الغالب في الأيام العادية وتسبب حوادث العنف، في حين سجل شهر مارس أعلى نسبة لحوادث العنف بين الفلاحين "67 حادثة" أي بنسبة 22% من إجمالى الحوادث خلال من هذا العام وذلك يرجع لغياب التواجد الأمني بعد ثورة 25 يناير مما أتاح للكثيرين ممارسة العنف دون الخوف من العواقب، وقد تعددت أسباب حوادث العنف بين الفلاحين، فالخلاف على ملكية الأرض الزراعية كان سببا في 118 حادثة أى بنسبة 39%، والخلاف أولوية ري الأرض كان سببا في 64 حادثة أى بنسبة 21% والسرقة كانت سببا في 88 حادثة أي بنسبة 29%، أما الثأر فقد كان سببا في 34 حادثة أي بنسبة 11%، ومن الملاحظ زيادة نسبة السرقات في هذا العام ويرجع ذلك أيضا للغياب الأمني .. وقد توزعت حوادث العنف بين الوجه البحري الذي استأثر ب182 حادثة أي بنسبة 60% في حين كان نصيب الوجه القبلي 122 حادثة أي بنسبة 40%، وقد سقط من جراء تلك الحوادث 231 قتيلا و998 مصابا كما تم القبض على 1188 آخرين على خلفية تلك الحوادث ..! وقد وقعت حوادث العنف بين الفلاحين في 20 محافظة منها 12 محافظة في الوجه البحري و8محافظات في الوجه القبلي، ففي الوجه البحري شهدت محافظة أكتوبر 38 حادثة والجيزة 22 حادثة والقليوبية 18 حادثة ومحافظات الدقهلية والمنوفية والغربية ولكل منها 16 حادثة وكفر الشيخ 14 حادثة والشرقية 12 حادثة والإسماعيلية 10 حوادث والبحيرة 10 حوادث ودمياط 6 حوادث والقاهرة 4 حوادث، وفي الوجه القبلي شهدت محافظة المنيا 30 حادثة ومحافظتي سوهاج وأسيوط ولكل منهما 26 حادثة ومحافظة قنا 16 حادثة والفيوم 8 حوادث ومحافظتى بني سويف وأسوان ولكل منهما 6 حوادث ومحافظة البحر الأحمر 4 حوادث، ومن هذا يتضح أن أشد المحافظات عنفا في هذا العام محافظة أكتوبر 38 حادثة تليها المنيا30 حادثة ..! قراءة متأنية في حوادث العنف بين الفلاحين تؤكد أن المظالم في الريف المصري مازالت كما هي .. وأن أمواج ثورة الخامس والعشرين من يناير توقفت بالفعل عن حدود القرى، وأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تغيير سياسات قبل تغيير الوجوه.