يظل خالد جلال المخرج المسرحي الدارس لفنون الرؤية جميعها هو القادر علي أن يكتشف حقائق المواهب المترامية بأطراف الخريطة المصرية من خلال مركز الإبداع الكائن بساحة الأوبرا. أكتب تلك الكلمات فور خروجي من العرض الأخير الذي يحمل اسم "أين أشباحي" وهو عرض مسرحي راقص قائم علي فكرة غاية في البساطة والعفوية ألا وهو الظن بأن هناك كائنات أخري تسمي العفاريت تنتشر في الأماكن المهجورة، ويخاف منها البشر. وعبر هذه الفكرة راح خالد جلال يقدم مواهب غير تقليدية من بين الشباب الذين يتم اختبارهم بقسوة وشفافية كل عام، ويلتحقون بمركز الإبداع ليتلقوا دروسا في الموسيقي واللغة العربية والرقص، فضلا عن التمثيل، وكيف يستخرج منهم خالد جلال طاقات مبدعة غير مسبوقة. ولعلنا نتذكر جميعا آخر أعماله التي حققت لنفسها وللجمهور بطاقة من الشهرة غير عادية ألا وهي مسرحية "قهوة سادة" تلك التي امتد عرضها طويلا، بل امتد عرضها بالقاهرة والإسكندرية لشهور. كثيرا ما كنت أسأل خالد جلال هذا السؤال الذي لا يجيبني عنه بالكلمات، ولكن يجيبني عنه بدعوة لرؤية الجديد من إبداع هؤلاء الفنانين العمالقة الموجودين علي امتداد الوطن وكانوا يحتاجون إلي من يكتشف مواهبهم ويصقلها، كانت إجابته الأخيرة لي هي الدعوة لحضور "أين أشباحي"، وهو العرض الذي اعتمد في معظمه علي الرقص الحديث، هذا الفن الذي زرعه في مصر الرائع الجليل موريس بيجار عندما قدم عرضه عن أم كلثوم والهرم وسيدي عطاء السكندري، وحاول وليد عوني عبر سنوات طوال تأسيس فرقة بهذا العنوان، إلا أن خالد جلال شاء توظيف هذا الرقص في معمار فني شاهق، يتدرب فيه الفنان علي الحركة والغناء واتقان اللغة العربية.. وآه من قدر الأصوات التي لا ينتبه إليها الملحنون المصريون القدامي من أمثال عمار الشريعي أو حلمي، ولو أن أيا منهما التفت إلي المواهب الغنائية وخامة الأصوات الراقية والمنوعة التي يتم اكتشافها وتقديمها عبر مركز الإبداع لتغيرت خريطة الغناء بمصر المحروسة، وإذا كانت أم كلثوم ومن بعدها عبدالحليم حافظ هما الاثنين الأشهر في "تمثيل" معاني الأغنية التي يؤديانها، فنحن نجد بين المؤدين للغناء بمركز الإبداع ما يفوق الخيال من جمال الأصوات القادرة علي تمثيل وهضم ما يؤدونه من غناء. وليس هنك وصف لإبداع خالد جلال في اكتشاف المواهب سوي أنه "ساحر"، وليس هناك وصف أجل وأكرم من أن نقول لتلك المواهب "عمار يا مصر".