سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تركيا تستأنف النمو الاقتصادي السريع وتحقيق معدل يناهز 8.5% خلال العام الماضي
رغم الآثار الجانبية المتمثلة في ارتفاع التضخم والاعتماد علي التمويل الخارجي
تبدو معظم الاقتصادات الناشئة في حالة جيدة اذا ما قورنت بالفوضي التي تتخبط فيها الكثير من الاقتصادات الغنية صحيح أن مجموعة كبيرة من الاقتصادات الناشئة شهدت تباطؤ حادا في معدلات النمو في العام الماضي. ومع تصاعد المخاوف بشأن مستقبل منطقة اليورو تداعت قيم بعض العملات والبورصات. ومع ذلك فإن حفنة قليلة من الاقتصادات الناشئة خاصة في شرق أوروبا هي التي اضطرت إلي طلب العون من صندوق النقد الدولي إلي جانب البلدان الأفقر التي اعتادت علي طلب مثل هذا العون. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن هذه مرونة مثيرة للإعجاب. ولكننا تخطئ لو تصورنا أن هذا وضع يمكن أن يدوم إلي الأبد. وحتي فيما يخص عودة المستثمرين الأجانب إلي وضع أموالهم بكثافة في صناديق الاستثمار المتعاملة مع الأسواق الناشئة فإن نظرة سريعة علي ما يصدر عن هذه الأسواق من إحصاءات حيوية توضح لنا أن كثيرا من تلك الأسواق تعاني مشكلة أو اثنتين. فالهند مثلا لديها عجز كبير في الموازنة. وهناك بلدان أخري عديدة من فينزويلا إلي فيتنام تعاني معدلات تضخم تبلغ 10% فأكثر. وجنوب إفريقيا لديها عجز ملموس في ميزانها الحسابي. ولكن هناك دولة واحدة من الأسواق الناشئة هي تركيا تقف بعيدا عن الأخطار علي الرغم من إشارات الاضطراب البادية عليها من النمو السريع في حجم الائتمان إلي التضخم المرتفع والعجز الخارجي الكبير. لقد تمتعت تركيا في العقد الماضي بازدهار مشهور صحبته أيضا شهية مشهودة للاقتراض من الخارج. وفي يوم 2 إ بريل 2012 صدرت أرقام تقول إن معدل النمو الاقتصادي اقترب من 5% في اجمالي الناتج المحلي عام 2009 التي كانت عام الذروة للأزمة المالية العالمية ومعدلات النمو التركي هذه تسعد بها دون شك دولة جبارة مثل الصين. ويتعين هذا أن نذكر أن جيم الذي صك مصطلح البريكر BRIC MIST يضم كلا من المكسيك واندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا ليمثل حزمة ثانية من الأسواق الناشئة الكبري علي مستوي العالم، ولكن النمو التركي السريع في السنوات الأخيرة له آثار جانبية تجعل اقتصاد هذه الدولة مكشوفا أمام المخاطر. ومن أهم هذه الآثار الجانبية ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ 10.4% في مارس الماضي. وهي نسبة تفوق المعدل المستهدف من جانب البنوك المركزية للعديد من الأسواق الناشئة الأخري. ومن دواعي القلق أيضا تزايد اعتماد تركيا علي تدفقات رأس المال الأجنبي لتوفير الوقود اللازم لسير اقتصادها. ففي العام الماضي كان عجز ميزانها الحسابي 10% في المتوسط الناتج المحلي والمذهل أن العجز التركي محسوبا بالدولار يجعل تركيا ثاني دولة بعد أمريكا من حيث نسبة هذا العجز إلي جانب النتاتج المحلي. والأكثر مدعاة للقلق أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تغطي سوي نحو 20% من إجمالي هذا العجز أما الباقي فتغطية رءوس أموال أسرع تطاير مثل الودائع في البنوك أو أموال شراء الأسهم والسندات من البورصة. ولكن المتحمسين لتركيا ينحون هذا كله جانبا، ويرون أن العجز التركي حتي بعد ارتفاعاته الأخيرة أقل مما هو صارت في العالم المتقدم. فنسبة الدين العام إلي إجمالي الناتج المحلي هبطت إلي 40% من اجمالي الناتج المحلي في العام الماضي بعد أن كانت 74% عام 2002 أما التضخم رغم ارتفاعه فإنه يظل أفضل مما كان عليه الحال في عام 2002. ويذكر أن تركيا بدأت الاصلاح الاقتصادي بعد الأزمة المالية التي حدثت عام 2001 وأن هذا جعل الاقتصاد التركي أكثر اتزانا وقوة. وهناك ورقة بحثية نشرها أخيرا دواني رودريك خبير جامعة هارفارد تؤكد أن مستوي الإنتاجية في تركيا تحسن كثيرا في السنوات العشر الأولي من القرن الحادي والعشرين وكان معدل نمو إنتاجية الفرد 3 3.5% سنويا وأن هذا المعدل تحقق منسوبا إلي المؤشرات الثلاثة إجمالي الناتج المحلي للفرد واجمالي الناتج المحلي لكل عامل واجمالي الناتج الصناعي لكل عامل من 10 سنوات ليصبح 10 آلاف دولار للفرد سنويا ولكن تركيا لا تزال لديها فجوة واسعة يتعين عبورها للحاق بمستويات المعيشة في العالم المتقدم. وهي تملك مقومات هذا العبور لأن سوقها كبيرة وتزداد حجما كما أنها دولة لاتزال شابة تعداد سكانها 75 مليون نسمة وسيصل إلي 92 مليونا بحلول عام 2050 كذلك فإن موقع تركيا موقع حاكم يجعلها معبر للتجارة بين الشرق والغرب ويشجع المستثمرين علي العمل فيها. وتعد ألمانيا الشريك التجاري الأول لتركيا تليها مجموعة من البلدان العربية والاسلامية أهمها خمسة هي ايران ومصر والسعودية والعراق والإمارات. ويذكر في الصدد أن تجار تركيا الذين يسافرون بالطائرات يجدون الطريق سهلة لأن الخطوط الجوية التركية تنشط برحلاتها بين أكثر من 150 مدينة حول العالم تحمل منها واليها 17 مليون راكب كل عام ويعد مطار إسطنبول الجديد ملاذا دوليا للطيران المدني ولكن كعب أخيل الاقتصاد التركي هو اعتماده في النمو والازدهار علي رءوس الأموال الأجنبية التي تتدفق عليه بحثا عن عوائد أفضل. ويلاحظ أن تصفير سعر الفائدة في الغرب يجعل رءوس الأموال تذهب إلي البلدان التي تحتفظ بسعر فائدة مرتفع مثل تركيا ويحاول البنك المركزي التركي معالجة هذه الثغرة عن طريق تحريك سعر الفائدة كبيرا للحد من حركة الأموال الساخنة ثم إلي أعلي إذا ما جفت تدفقات رأس المال الأجنبي. وهناك من ينتقد هذه السياسة قائلا إنها توجد نوعين من سعر الفائدة في سوق تركيا هما سعر الكوريدور وسعر الفائدة المعتاد قصير الأجل. وقد يفيد هذا الازدواج في تنظيم تدفقات رأس المال الأجنبي والحد من اخطار الأموال الساخنة ولكنه يربك البنوك ويجعلها حائرة في تحديد أسعار فائدة ما تقترحه للمستثمرين من قروض. أكثر من ذلك فإنها سياسة تغل يد البنك المركزي عن التدخل الناجح والممنهج للحد من التخضم أو المحافظة علي ثبات قيمة الليرة التركية. ويري المتحمسون لسياسة البنك المركزي التركي إنها سياسة مرنة ولا تلتزم بالنص الحرفي المطلوب اتباعه في كل حالة ويقول هؤلاء إن تنظيم تدفق رأس المال الأجنبي علي تركيا ليس مهمة السياسة النقدية وحدها بل لابد من استخدام أدوات السياسة المالية أيضا في هذا المضمار. ولو حاولت تشجيع الادخار بزيادة سعر الفائدة ستتدفق عليك رءوس الأموال الأجنبية. وإذا اغلقت الأبواب أمام هذه التدفقات فإن عجز الميزان الحسابي التركي سيجبرك علي فتحها. وعلي صعيد آخر فإنه يمكن لتركيا خفض ميزانها الحسابي بتقليل الواردات ولكن هذا يتطلب سياسة صناعية جديدة تشجع علي التصنيع المحلي للمكونات التي تحتاجها الشركات التركية العملاقة متعددة الأنشطة وهو أمر لا يوجد ما يشجع علي حدوثه الآن بسبب الاضطراب الحادث في الدول التي تستورد المنتجات التركية وخاصة شركاءها في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وفي كل الأحوال فإنه يتعين علي تركيا أن تقدم علاجا قويا لمشكلة عجز الميزان الحسابي ومشكلة تدفقات رأس المال الأجنبي التي تزيد حجم الدين الخارجي وتجعل قدرة تركيا علي التأقلم المرن مع الأزمات محدودة ومن الخطوات المهمة في منظومة العلاج المطلوبة زيادة معدلات الإدخار العامة قبل الخاصة واتباع سياسات مالية منضبطة ومتقشفة وإجراء تغيرات هيكلية علي الاقتصاد تستهدف زيادة قدرات تركيا التنافسية وتحسين درجة المرونة في سوق العمل. والمؤسف في هذا كله أن تركيا لا تجتذب القدر الكافي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة ربما لعدم وجود مرونة كافية في سوق العمل التركي فيما يخص التعيين والفصل وتحديد مستويات الأجور إلي جانب أن الروتين في تركيا أقوي مما يتعين أن يكون عليه الحال وفي قوائم البنك الدولي للبلدان المناسبة لممارسة البيزنس تجيء تركيا في المركز 71 أي أنها أفضل من اليونان ولكنها اسوأ من كازاخستان ولابد أيضا من إصلاح هذا الوضع. ورغم أن الأنسب لتركيا أن تبدأ من الآن في إصلاح هذه العيوب فإن "الأيكونوميست" تقول إن المسئولين الأتراك يشعرون بأنهم ليسوا في عجلة من أمرهم ويرون أن تركيا ذات مستقبل مبشر وأن هذا يكفي لضمان استمرار تدفق رءوس الأموال الأجنبية عليها وهذه الرؤية الكسولة إلي الاحتلالات في معادلات الاقتصاد الكلي هي أسباب كافية لإثارة القلق علي المستقبل الاقتصادي التركي.