تقول مجلة "الايكونوميست" إن أزمة منطقة اليورو إلي جانب التعافي الواهن للاقتصاد الأمريكي قد أثرا سلبيا بالفعل علي الأسواق الناشئة ولندع جانبا الاقتصاد الصيني الذي لايزال يحقق معدلات نمو عالية وهنا سنجد أن متوسط معدلات النمو الاقتصادي في البلدان النامية قد انزلق إلي أقل من 3% في الربع الأخير من العام المنصرم 2011 محسوبة علي أساس مستوي بعد أن كان هذا المعدل يناهز 6،5% سنويا في الربع الأول من العام سالف الذكر صحيح أن جزءا من هذا التباطؤ يرجع إلي سياسات التقشف التي كانت تستهدف تبريد سخونة الاقتصادات الناشئة والحد من التضخم ولكن ما حدث أيضا يعكس ضعفا في الصادرات وانخفاض تدفقات رأس المال الاجنبي علي تلك الاقتصادات الناشئة ويمكننا القول بالتالي إنه إذا تفاقمت أزمة ديون منطقة اليورو فإن الوضع سيصبح أصعب بالنسبة للأسواق الناشئة. ورغم صحة هذا التحليل في مجمله فإن هناك وجها آخر للصورة يتعين أن نراه وهو أنه إذا كان مجال المناورة ضيقا أمام العالم الغني من حيث قدرته علي إجراء خفض اضافي لأسعار الفائدة أو زيادة الدين العام عن طريق مزيد من الاقتراض فإن الأمر مختلف بالنسبة للأسواق الناشئة التي لاتزال تمتلك ذخيرة اضافية في هذين المجالين يمكن الاعتماد عليها ولعلنا نذكر أن هذه الذخيرة المالية والنقدية خدمت الاسواق الناشئة في ذروة الأزمة المالية العالمية عام 2008 2009 حيث أمكنها الاعتماد علي تسهيل مالي ونقدي فعال ساعد علي تعزيز الطلب الداخلي علي عكس الحال في العالم الغني ويرجع الفضل في ذلك أيضا إلي أن موازنات القطاع الخاص في الدول النامية كانت أكثر صحة من نظيراتها في الدول المتقدمة وإذا كانت غرفة التسهيل المالي والنقدي في الأسواق الناشئة قد ضاقت حاليا عما كانت عليه في عام 2008 عندما كانت تلك الاسواق في مجملها تتمتع بفوائض صغيرة في الموازنة فإنها الآن تعاني عجزا نسبته من إجمالي الناتج المحلي في حدود 2% في المتوسط مقابل 8% في الدول الصناعية السبعة الكبري أما متوسط الدين العام فيها فهو 36% من إجمالي الناتج المحلي مقابل 119% في العالم الغني. ولكن يتعين القول إن الصورة العامة الايجابية لاقتصادات الاسواق الناشئة تخفي وراءها تباينات كبيرة فهناك حكومات لديها أفق أوسع كثيرا من غيرها لاتباع سياسات مالية ونقدية مرنة وقد أعدت "الايكونوميست" تحليلا لأحوال 27 من الاسواق الناشئة من حيث مساحة الغرفة المتاحة لكل منها للمناورة بالسياسات المالية والنقدية وجاءت المملكة االعربية السعودية في المقدمة تليها اندونيسيا ثم الصين بمساحة لغرفة المناورة تزيد علي 80 درجة ثم جاءت شيلي وكوريا الجنوبية وسنغافورة وروسيا وبيرو علي الترتيب بمساحة تتراوح بين 80 64 درجة واعتبرت "الايكونوميست" هذه الدول الثماني دولا آمنة تقع في المنطقة الخضراء وفي منطقة اللون الاصفر جاءت 10 دول هي علي الترتيب التنازلي هونج كونج والفلبين، وتايلاند، وماليزيا، وكولومبيا والمكسيك وجمهورية التشيك وفنزويلا وتايوان وجنوب افريقيا ومساحة غرفة المناورة لديها تتراوح بين 62 36 درجة ثم جاءت 9 دول في المنطقة الحرة منطقة اللون الأحمر وهي علي الترتيب التنازلي أيضا المجر والأرجنتين، وتركيا، وباكستان، وفيتنام، والبرازيل، وبولندا، والهند ومصر في الترتيب الأخير وتتراوح مساحة غرفة المناورة المالية والنقدية أمام هذه الدول بين 30 15 درجة وتتساوي مع مصر في الترتيب الأخير "15 درجة" كل من بولندا والهند. والسؤال المهم هو كيف حسبت "الايكونوميست" هذه الحسبة؟! لقد بدأت باستخدام خمسة مؤشرات لقياس قدرة كل بلد علي اتباع سياسة نقدية توسعية وأول هذه المؤشرات هو معدل التضخم الذي يتراوح حاليا بين 2% في بلد مثل تايوان وحتي 20% أو أكثر في بلاد أخري مثل الأرجنتين وفنزويلا واعتمدنا في قياس معدل التضخم علي الأرقام والتقديرات الصادرة عن القطاع الخاص وليس التقديرات الحكومية والمؤكد أن انخفاض أسعار الغذاء قد قلل معدل التضخم في بلدان كثيرة ولكنه يبقي أعلي من 5% في نصف دول العينة "27 دولة نامية" أما المؤشر الثاني فهو مدي توافر الائتمان وهذا يظهر من خلال الفجوة بين معدل النمو في الائتمان المصرفي ومعدل النمو في إجمالي الناتج المحلي خلال العام الماضي وهذه الفجوة تعتبر منذرة بالسوء والخطر في بلدان مثل الأرجنتين والبرازيل وهونج كونج وتركيا أما في الصين علي عكس المتوقع فإن القروض المصرفية تنمو بمعدل أبطأ من معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي. ويأتي بعد ذلك المؤشر الثالث وهو مؤشر نقدي يعبر عنه سعر الفائدة السائد وقد وجدنا أنه سعر فائدة سالب "أي أقل