قبل ثورة 25 يناير 2011 بعدة أشهر كنت قد أجريت حديثا مطولا مع د.عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق.. كان الرجل وقتها يعمل أستاذا بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيسا لجمعية عصر العلم.. وذلك بعد تركه وزارة النقل غير آسف أو نادم علي خروجه من الوزارة بعد عامين تقريبا.. عموما ليس هذا حديثنا.. فهذه قصة أخري. ما يعنيني هنا أنه في حواري معه سألته عن حكاية الجسر البري الذي يربط مصر بالمملكة العربية السعودية ولماذا تم صرف النظر عن إقامته بعد الحديث عن إمكانية تنفيذه.. سكت الرجل قليلا ثم قال إن جميع الدراسات كانت قد أجريت لإنشاء جسر بري يربط مصر بالمملكة العربية السعودية.. وكان الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وقتها متحمسا لإقامته وتم تحديد أنسب المواقع التي تربط بين البلدين بين منطقة تبوك عبر مضيق تيران إلي مدخل البحر الأحمر في مسافة تصل إلي حوالي 50 كيلومترا وتمتد حتي بالقرب من مدينة شرم الشيخ جنوبسيناء. وتعهدت المملكة بتحمل جميع تكاليف إقامة الجسر.. كما فعلت في إقامة الجسر البحري الذي يربط المنطقة الشرقية السعودية بدولة البحرين ويبلغ طوله 25 كيلومترا.. وفتح هذا الجسر آفاقا شاسعة تجارية واقتصادية بين المملكة والبحرين. في لقائي مع د.عصام شرف تحفَّظ الرجل في الاجابة ولم يفصح صراحة عن سبب توقف وتأجيل المشروع.. ولكن فهمت من سياق كلامه أن الجانب المصري هو الذي توقف وطالب بتأجيل المشروع؛ لأن إسرائيل اعترضت علي اقامته لأنه من وجهة نظرها سيجر عليها متاعب ومشكلات كثيرة لقرب الجسر من حدودها.. وكانت المقاومة الفلسطينية وقتها تسبب مشكلات لإسرائيل.. توقف المشروع نهائيا ولم يعد يذكره أحد؛ لأن النظام السابق كان يعمل حساب إسرائيل، ومرتميا في أحضانها ولا يستطيع أن يرفض لها طلبا. وقيل أيضا إن سبب توقف المشروع يرجع إلي تخوف الرئيس السابق وعائلته وحاشيته من تعكير صفو مدينة شرم الشيخ من خلال زيادة حجم المسافرين في مواسم الحج والعمرة واضطرارهم للتوقف في شرم الشيخ.. خافوا علي المدينة من أن يطأها عامة الشعب من الفقراء والدهماء.. وهي المدينة التي نهبوها واحتلوها وأصبحت مرتعا فسيحا لكل أتباعهم وحاشيتهم ومنتجعا لنزواتهم وأطماعهم. في هذه الأيام تكتب الصحف السعودية عن عودة تنفيذ هذا المشروع الضخم في انتظار القرار السياسي من البلدين للتنفيذ. كان الدكتور عصام شرف قد أكد لي في اللقاء أن المشروع سيغطي تكاليفه خلال سنوات قليلة وسيكون فاتحة خير للبلدين من خلال مشروعات الاستثمارات المشتركة بين مصر والسعودية وسيسهم في زيادة حجم التجارة البينية بين البلدين ووصولها إلي أرقام ضخمة، فضلا عن زيادة حركة النقل بين مصر ودول الخليج. هذا الجسر البري وكأنه قناة سويس ثانية سيربط قارتي آسيا وإفريقيا ويفتح طريقا بريا بين دول الخليج ودول الشمال الإفريقي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا إلي جانب العراق وسوريا ولبنان والاردن.. أي أنه يعتبر مكسبا كبيرا للدول العربية وفرصة عظيمة للتكامل العربي المشترك في جميع المجالات الاقتصادية والانسانية والسياسية. نحن في حاجة لسرعة تنفيذ هذا المشروع الذي يفتح طريقا جديدا لمستقبل زاهر بين الدول العربية.. ويكفي ما ضاع من سنوات طويلة بين التعتيم والكذب والخداع علي المواطن العربي. الجانب السعودي لديه الرغبة الصادقة والحماس لاقامة الجسر وعلي نفقته كاملا.. ويجب ألا نكون أقل حماسا أو رغبة في اقامته.. هذا الجسر سيفيد البلدين ويعتبر خطوة ايجابية نحو الصواب، فضلا عن فوائده العديدة التي منها سهولة النقل والاتصال.. وزيادة الحركة السياحية بين مصر ودول الخليج.. وستزداد أعداد السائحين العرب.. وحسب تقديرات خبراء السياحة فإن أعدادهم ستصل إلي حوالي 1،2 مليون سائح سنويا.. ونعلم جيدا أن السائح العربي أفضل بكثير من السائح الأجنبي لتفوقه في الانفاق عن الأجنبي.. هذا إلي جانب سهولة نقل البضائع والركاب الذي من شأنه حدوث رواج اقتصادي وتجاري نحن في أشد الحاجة إليه. لقد توحدت الدول الأوروبية من خلال الطرق البرية والسكك الحديدية وأصبحت كيانا اقتصاديا قويا موحدا باسم دول الاتحاد الأوروبي.. ما أحوجنا إلي مثل هذا الاتحاد العربي المتكامل لكي نصبح قوة اقتصادية كبيرة في مواجهة التكتلات الأجنبية. اسأل الله أن يبدأ تنفيذ هذا المشروع ولا يحدث تأخير أو تأجيل كما حدث في الماضي.. وكفي ما ضاع من عمرنا وأن يكون الجسر بداية لعبور المواطن العربي نحو غد أفضل.