كنت أظن أني وحدي الباحث عن الإطمئنان ، لذلك كانت الضحكة الساخرة من صديقي بسمي ميلاد الفنان العاشق لرسم السحاب وتأوهات الربيع علي أوراق الأشجار ، كانت ضحكة بسمي ميلاد تذكرني بأننا لن نعيش إطمئنانا ونحن علي هذه الأرض، ولذلك تزدحم دور العبادة التابعة لكل الأديان بالبشر، لا بحثا عن عبادة الله فقط، ولكن بحثا عن لمحات إطمئنان ولو بسيطة. وبسمي يعيش الآن في مدينة تامبا بولاية فلوريدا ويملك مطبعة يديرها هو وزوجته وابنه الموهوب في الرياضيات بيتر. وطبعا القلق الكوني وصل إلي الولاياتالمتحدة، فالعمل منذ عامين يتدهور في السوق الأمريكي، وماكان متوقعا من التوسعات التي أجراها بسمي علي المطبعة منذ أربعة أعوام ، هذه التوسعات لها أقساط بنكية مثيرة للرعب، ولكن قدرة بسمي وزوجته الرائعة سهير جريس، هذه القدرة تقف بقوة ضد هبوط مستوي التشغيل والمزيد من جودة الطباعة، مما يجعل كل منهما راضيا علي أنه يقوم بواجبه. وإذا علمنا أن بسمي لا يستطيع الحياة دون أن يرسم لذلك فمن الجدير بالذكر أنه يغادر المطبعة أحيانا إلي المرسم الذي يوجد بجانب متحف أكبر فنان مجنون في القرن العشرين وهو سلفادور دالي ، حيث قام واحد من اثرياء تامبا بشراء ما لا يقل مائتي لوحة لسلفادور دالي وأقام لها متحفا يطل علي المحيط . واستطاع بسمي إستئجار مرسم بجانب متحف دالي الشهير. وعندما حدثني تليفونيا ليهنئني بالعيد ، قلت له "العيد الحقيقي أن نعيش بعضا من ساعات الإطمئنان". فضحك ساخرا ، وقائلا ليس الإطمئنان هو جائزتنا التي سننالها ونحن علي الأرض ، وأغلب الظن أن السماء أيضا لن تهبنا هذا الإطمئنان لأننا لم نفهم محبة المسيح للكون ، ولم نفهم سماحة رسول الإسلام محمد ، وصار الملتحفون باسم الدين يخبئون الخناجر خلف الكلمات ، هل تنسي ما يفعله أهل الإرهاب بالبشر؟ وهل تنسي تصارع الدول علي الطاقة وكيف يغلفون تلك الصراعات بدعاوي دينية؟ واختار بسمي أن يحدثني عن إنسجام الألوان وكيف أنه رسم قلب زهرة البانسية البنفسجية وأن اللوحة استولت علي خيال صديقنا المشترك الأستاذ الدكتور فؤاد بشاي فاقتناها لتزين غرفة الإستقبال بمنزله في فرجينيا . أخبرته أن فؤاد أرسل لي صورة اللوحة وأن من ينظر إلي قلب زهرة البانسية يمكن أن تصله بضعة لحظات من الإطمئنان. قال بسمي "لولا الفن لمتنا جميعا من فرط ما تغمرنا به عواصف الكذب العاتية مرة باسم السياسية ومرات باسم الدين والأنبياء طبعا هم أهل براءة مما نفعله بأنفسنا". وصدقته فهو فنان يعرف كيف يغوص في قلب زهرة البانسية الرقيقة وذات الجمال الذي يهب لأي متوتر لحظات من الإطمئنان.