فجرت أزمة سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» السؤال عن الثروة الفنية والمقتنيات العالمية الموجودة في مصر.. ذلك أن لدينا عددا مدهشا من اللوحات التي تقدر بالملايين.. لوحات أصلية تنتمي لمدارس فنية مختلفة لفنانين عالميين أمثال فان جوخ وجوجان وإنجرز ومونييه، ولكن ليس لدينا وعي بقيمة تلك اللوحات.. حتي المتاحف التي تحفظها وتعرضها لا تعرف قيمتها.. فكثير منها - أي المتاحف - ليس لها كتالوجات تشرح أهميتها! العالم يتعامل مع اللوحات الغالية الموجودة في مصر باعتبارها «لوحات منسية» بدليل أنه في اليوم الذي سرقت فيه لوحة «زهرة الخشخاش» كان عدد زوار المتحف سبعة فقط، علما بأنه لو يعرف الناس قيمة ما نملكه لكان الزوار بالآلاف! معظم المقتنيات العالمية من اللوحات النادرة والأصلية موجودة في ثلاثة متاحف، هي متحف الجزيرة ومتحف محمود خليل وحرمه ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية. يقول الناقد الفنان حسن عثمان: إن معظم اللوحات العالمية الموجودة لدينا من مصدرين: الأول إهداءات محمود خليل وزوجته.. والثاني من مصادرة قصور الباشوات والأجانب بعد الثورة. أما مقتنيات محمود خليل وزوجته فمعظمها من باريس فزوجة محمود خليل فنانة فرنسية، وكانت تذهب هي وخليل بعد الحرب العالمية إلي فرنسا، وفي ذلك الوقت كانت سوق الفن منخفضة، وكانت اللوحات التي تباع خارج سور متحف اللوفر تباع بأسعار رخيصة، بمبالغ قد لا تزيد علي 40 جنيها استرلينيا. وفي مذكراته كتب محمود خليل أنه اشتري لوحة «زهرة الخشخاش» في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين ب 40 جنيها استرلينيا وبقية اللوحات الموجودة في مصر أطلق عليها وصف «اللوحات المنسية» لأن الأعمال التي خرجت من فرنسا وهولندا توقفت التسجيلات الخاصة بها في أوروبا، فكل لوحة قد تكون عرضت في أكثر من قاعة عرض وكل قاعة عرض عندما تقوم ببيعها تختمها بالختم الخاص بها وبالسنة والتاريخ الذي بيعت فيه. لكن بعد خروجها من أوروبا لم يعد هناك علم لديهم أو تسجيل بحركة اللوحة من بعد انتقالها من آخر قاعة إلي المشتري وانقطاع الصلة. يضيف حسن عثمان إن وجود أختام علي اللوحة الأصلية بأسماء القاعات التي بيعت فيها وتاريخها هو الذي يكشف بنسبة كبيرة ما إذا كانت اللوحة أصلية أم مزيفة.. ففي عام 1994 كان هناك معرض في «أورسي» بفرنسا وطلب الجانب الفرنسي بعض اللوحات للمعرض علي أن يتم ترميمها في فرنسا، لكن مصر رفضت فجاء وفد من الخبراء الفرنسيين إلي مصر ليتأكدوا ما إذا كانت اللوحات التي ستشترك في المعرض أصلية، وأجروا اختبارات علي اللوحات الموجودة في متحف محمود خليل ومتحف الجزيرة فوجدوها أصلية ولم يشكوا إلا في 3 لوحات فقط، أما لوحة «زهرة الخشخاش» فوجدوا أنها أصلية مائة بالمائة وكانوا حريصين علي فحصها جيدا، بسبب ما قيل عنها من أنه تم تزييفها عندما سرقت. يضيف عثمان: إن طريقتنا في الكشف عن حقيقة اللوحات وما إذا كانت أصلية أو مزيفة، خاطئة تعتمد علي اجتهادات شخصية، لكنهم قاموا بقلب اللوحة لأن لوحة «زهرة الخشخاش» بيعت في ثلاثة معارض قبل أن يشتريها خليل، وللتأكد من أنها أصلية كان لابد من وجود الأختام الثلاثة للمعارض الثلاثة بالتواريخ، فهم يأخذون الختم ويتصلون بالجانب الفرنسي لمطابقته بالمعلومات التي لديهم عن المعرض وختمه وسنته. الخطوة الثانية في الفحص هي نوع الشاسيه والخشب والمادة المستخدمة منها اللوحة هل هي متطابقة مع عصر الفنان ومع معلوماتهم عن نوعية المادة التي يستخدمها ومن أي مكان كان يشتري، أما الخطوة الثالثة فهي مستوي العمل والأسلوب والتوصيف، مثلا لوحة «زهرة الخشخاش» كانت من الفترة الباريسية في حياة فان جوخ وتلك الفترة لها أسلوب معين، حيث كان يستخدم في الرسم عجينة لون أكثر سمكا، وبعد الفحص علي كل تلك العوامل اكتشفوا أن لوحة زهرة الخشخاش أصلية 100%. الطريف والغريب هو قول عثمان أنه عندما سرقت اللوحة أول مرة اتصل به الدكتور محمود السنيطي رئيس هيئة الكتاب في ذلك الوقت ليطلب منه البحث عن صورة للوحة لكي يرسلها للإنتربول، حيث إن سجلات وزارة الثقافة كانت خالية من لوحة ل «زهرة الخشخاش» وأنه كان لديه كتاب به كل أعمال فان جوخ ووجد اللوحة باسم «آنية الزهور» وليس «زهرة الخشخاش»، وكان الكتاب أبيض وأسود فأرسل لها صورة أبيض وأسود لزهرة الخشخاش للبحث عنها، وهذا يدل علي الإهمال الشديد منذ القدم في تقدير الثروة الفنية التي لدينا. ومعظم اللوحات الموجودة بمتاحفنا هي من المدرسة الانطباعية أو التأثيرية بنسبة 70% في القرنين 18 و19 والبقية من المدرسة الكلاسيكية في القرن 17 وما بين ذلك، ولكن ليست لدينا لوحات من المدرسة الحديثة في الفن، وذلك لانقطاع حركة الشراء بعد الثورة.. فمعظم اللوحات التي لدينا هي مقتنيات لباشوات ومهتمين بالفن، لكن الثورة لم تكن تهتم إلا بالجانب الاجتماعي، ولذلك من النادر أن تجد لوحات لسلفادور دالي مثلا من المدرسة السريالية الحديثة، وإن كان لدينا لوحات لسيزان رائد المدرسة التكعيبية، وهي ما بعد التأثيرية وأقرب إلي الحديثة. في متحف محمود خليل يوجد عدد من اللوحات يتعدي ثمن الوحدة منها 80 مليون دولار مثل لوحة «الحياة والموت» والتي أطلق عليها محمود خليل في مقتنياته اسم «المستحمات» لجوجان، ويقول الناقد صبحي الشاروني أنه عندما اشتركت مصر في مهرجان أورسي بفرنسا عام 1994 أصر أحمد نوار رئيس قطاع الفنون التشكيلية في ذلك الوقت علي أن يكون مبلغ تأمين سفرها 85 مليون دولار، ووافق الجانب الفرنسي علي ذلك، وهي لوحة بها فتاتان عاريتان إحداهما لونها أحمر فيما يرمز للحيوية والأخري لونها أزرق يرمز للموت، أما اللوحة الأخري الأغلي سعرا أيضا فهي لوحة «السيدة ذات رابطة العنق» للفنان رينوار التي اشتراها محمود خليل من فرنسا في 1904 ويقدر سعرها الآن ب 80 مليون دولار، تليها في السعر لوحة «زهرة الخشخاش» لفان جوخ التي تقدر ب 50 مليونا. ويضيف الناقد صبحي الشاروني: إن هناك لوحة للفنان روبنز كانت موجودة في القصر الجمهوري أهداها الرئيس الراحل السادات للمتحف وهي لوحة «فيض الجاموس الوحشي»، وسعرها يصل إلي 100 مليون دولار لأنها ضخمة جدا، كما توجد 6 لوحات لألفريد فيلي تتراوح أسعارها بين 10 و15 مليون دولار، و5 لوحات لكامي بيارو منها لوحة «لعبة الكيركيت» ويقدر سعر الواحدة منها ب 15 مليون دولار، ويوجد بمتحف محمود مختار 133 لوحة لفنانين مختلفين، وهي ثروة لا تقدر بثمن، لكنها بسعر السوق تقدر بمليارات الجنيهات ، فمثلا جوجان له لوحة بخلاف الحياة والموت تسمي «الأسقف الحمراء» تقدر ب 10 ملايين دولار، وفونتان لاتوار لديه لوحة باسم «زهور الليلك» تقدر بمليون ونصف المليون دولار، أما بيسارو فله لوحتان الأولي «الغسالات» وتقدر ب 8 ملايين دولار، والثانية تقدر ب 7 ملايين دولار. وهناك لوحة للفنان ديجا باسم «الزينة» تقدر ب 6 ملايين دولار، ولوحة للفنان بودان هي «شاطئ تروفيل» وتقدر بنصف مليون دولار،ولوحتان ل«دي لاكروا» تقدر كل منهما ب 700 ألف دولار وهما «المسيح بعد الصلب» و«دفن السيد المسيح»، وكذلك لوحة «النمر» التي تقدر بمليون دولار. وفي متحف الجزيرة عدد من اللوحات الأصلية والنادرة منها لوحة للفنان مونييه باسم «رقص خنزير بري» وتقدر بمليون و200 ألف دولار ولوحة «الغابة» للفنان سيسلي وتقدر بمليون و250 ألف دولار، ويوجد أيضا بقصر المنيل مجموعة من اللوحات العالمية النادرة منها لوحة «الساقية» ل «بيليه» ولوحة «فان في إسطنبول» للفنان بريست، أما نادي الدبلوماسيين بالتحرير فلديه مجموعة لوحات أصلية لمستشرقين منها لوحات النيل وشبرا ودمنهور وقايتباي ونابليون في مصر للفنانين بيليه وجيروم وموشوه.