كان أول لقاء معها عام 1994 في الدور الثامن والثلاثين من مبني الأممالمتحدة حيث كانت تعمل مديرة لمكتب د. بطرس بطرس غالي الأمين العالم لتلك المنظمة الدولية، وأدارت بكفاءة منقطعة النظير رؤية واقع الكرة الأرضية بما فيها من هزل سياسي تتزعمه دول تجيد النهب العلني لدول أخري، وشاء بطرس بطرس غالي أن يشذب من أنياب امبراطورية الشر الهائلة المسماة الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ووصف أمريكا بلقب امبراطورية الشر ليس من عندي ولكن الذي صكه هو الفيلسوف الفرنسي ماكسيم ردنسون في حوار لي معه عام 1964، ومن الغريب أن الجنرال ديجول اقترض هذا الوصف ليلصقه بالدول الاشتراكية التي كانت تحفر قبرها في تلك الأيام القديمة نتيجة سباحتها في أمواج ومحيطات الشعارات مع العجز علي التواصل مع شعوبها أو بقية شعوب الضعاف من سكان الكوكب. أقول شاء بطرس بطرس غالي بعقليته ذات الآفاق التي جابت العالم شرقا وغربا وشمالا وجميلا أن يهدي الكرة الأرضية ثلاث نظرات عن الديمقراطية والتنمية والشباب.. وطبعا لم تكن الولاياتالمتحدة لتقبل استمرار فكرة وجود مفكر له أجندة تعتمد علي تنمية متكاملة بين أرجاء الكون، لذلك عاجلته مادلين أولبرايت بضربة قاسية لا له شخصيا، ولكن لمستقبل تلك المنظمة الدولية التي ترنحت بعد ان تركها بطرس غالي في دهاليز التبعية للامبراطورية الشر كما وصفها رودنسون . وحين عرض عليها من جاء بعد بطرس غالي الاستمرار في عملها، رفضت وقررت العودة إلي مصر، وهي من عرفت قيمة ومعني وقوة الدولة التي قد يبدو اقتصادها محتاجا لمعونات، ولكن قوة الموقع والمكانة يمكن أن يشاركا في صناعة التنمية . وحين تولت وزارة التعاون الدولي وقف لها ابن شقيق بطرس غالي بالمرصاد، وهو من دارت حوله شكوك الولاء لصندوق النقد لترويض مصر وجعلها مجرد دولة هامشية غارقة في مستنقع التبعية.. ولكنها بهدوء وإصرار كنست كل آثار الرجل كواحدة من بنات مدينة بورسعيد التي ذاقت وأتقنت فكرة صناعة الحرية بالقتال . ومنذ سنوات وأنا أتابعها مندهشا من صبرها وإصرارها علي أن تكون مناضلة في صف صناع الكرامة المصرية بما تستحقه ويملكه هذا البلد من قدرات وإمكانات . ولذلك كنت أرحب دائما بما تقدمه من دراسات لا تعتمد علي الضجيج ولكن تعتمد علي العلم، فهي محركة رائعة للعلاقات المصرية الإفريقية، وهي أيضا من تحافظ علي كرامة مصر حين يتسلل البعض بمعونات من تحت الترابيزة لصناعة تبعية متخفية في شعارات تبدو براقة ولكنها صانعة للفوضي . ولذلك قرأت تصريحاتها الأخيرة في واشنطن عما قدمته بعض من الدول سواء واشنطن أو دولة صغيرة بالخليج لمن يدعون أنهم ثوار، ولكنهم مجرد أدوات وقفازات لتشويه الثورة وسرقة بريقها مع إضافة الفوضي للشارع المصري . ولا أملك دائما إلا تحية صاحبة الصدق الهادئ الرافض لأي إهانة تلمس لحم الوطن.. ولي عندها رجاء أكتبه غدا.