اعترف د. بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بالبهائيين، وأكد أن عدم الاعتراف بهم لا يفيد شيئا، كما وافق على الحكم الصادر بتوقيف البشير عن المحكمة الدولية، محذرا أمريكا من التدخل في السودان، رافضا كل الخلافات بين فتح وحماس لعدم شق الصف الفلسطيني معترفا بأن إسرائيل ولاية أمريكية، ولكن هذا لا يعني جمود العرب عند حد معين معربا عن عدم ارتياحه لحقوق الإنسان في مصر، متمنيا أن يتحول الوطن العربي إلى الولايات العربية المتحدة الكثير من الأسرار نكشفها عزيزي القارئ في هذا الحوار: - المجلس القومي لحقوق الإنسان يدافع عن الإنسان حيا وميتا، فما تعليقك على صك البراءة الذي فاز به ممدوح إسماعيل؟ بعيدا عن تدخلي أو تعليقي على أحكام القضاء، فإنني أعتبر حكم أو صك البراءة بمثابة اغتيال آخر لشهداء العبّارة الذين بلغ عددهم 3301 غريق لا حول لهم ولا قوة ولكن يبدو أن يد العدالة ليست غافلة، فما أقدم عليه النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود في استئناف الحكم يعد بارقة أمل حتى تتغلب العدالة على أي أشياء أخرى. وماذا عن إحالة الرئيس البشير لمحكمة الجنايات الدولية؟ صدور قرار إدانة للرئيس السوداني عمر البشير عن محكمة الجنايات الدولية لا يعد جريمة، بل أمراً طبيعياً في ظل الحيادية الكاملة المحيطة بتنفيذ القرار، ولكن إذا كان هناك حياد عن الطريق الصحيح، فهذا شيء آخر، ولذلك لابد من وجود ضمانات فاعلة لعدم التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي السوداني. ويطالب د. غالي الدبلوماسية العربية بالعمل في كل الجبهات، خاصة أن موقف الرئيس السوداني يبشر بالخير، بل إن ساحته مبرأة تماما. هل يرضيك الصراع الدائر حاليا بين فتح وحماس في الأرض المحتلة؟ الصراع لم ولن يرضيني، لأن ذلك يضعف من شأن المفاوض الفلسطيني، ويحول الصراع في الأرض المحتلة من صراع، عربي- إسرائيلي أو إسرائيلي- فلسطيني إلى فلسطيني- فلسطيني، كل هذا الصراع الداخلي يؤثر في القضية الفلسطينية، ويحرم المحاصرين في غزة من المعونات الخارجية كما يفقد التعاطف الدولي للقضية برمتها. صرحت سابقا بأن إسرائيل ولاية أمريكية، ماذا تعني بهذا الكلام؟ إسرائيل فعلا هي طفل أمريكا المدلل، وأنها لن تتركها مهما كانت الظروف، ولكن هذا لا يعني توقف الدنيا، بمعنى إذا ظهرت دولة عربية قوية، واتفقت مصالحها مع المصالح الأمريكية، تساوت على قدم المساواة مع إسرائيل، وهذا الكلام ليس مستبعدا لأن أمريكا تتحرك وفق مصالحها. لماذا صمتت الأممالمتحدة أمام جرائم أمريكا في العراق؟ لأن الأممالمتحدة تمر بظروف عصيبة، وهي في أضعف مراحل عمرها، وأنها لن تستطيع الآن مواجهة النفوذ الأمريكي، وذلك لأنها تعيش بنسبة كبيرة على حصة أمريكا المالية التي تصل إلى 60%. كيف ترى مظاهرات أقباط المهجر، ودعاوى اضطهاد الأقباط في مصر؟ لا تشغلني كثيرا المظاهرات التي ينظمها الأقباط في العواصم الأوروبية والأمريكية، ولا تخيفني أيضا، أو حتى تقلقني، لأن الغرب يعرف مكانة وقيمة الأقباط في مصر، وبعض مشجعي تلك المظاهرات لهم علاقات خاصة ببعض أعضاء الكونجرس الأمريكي كما أن البابا شنودة وهو من هو يرفض هذه المظاهرات، ويتبرأ منها، مؤمنا تمام الإيمان أن أي مشاكل للأقباط لابد من حلها داخل مصر. وفي المقابل طالب د. بطرس غالي بضرورة تقوية الجالية المصرية في الخارج بصرف النظر عن كونهم أقباطا أو مسلمين، ويجب أن نستفيد منهم، كما تفعل إسرائيل، حيث تعتبر الجالية اليهودية أقوى جالية في أمريكا. وماذا عن قانون التمييز الذي تم التحدث عنه في مجلس حقوق الإنسان؟ نأمل تقديمه للجهات التشريعية لإقراره خلال هذا العام، والآن نعقد ندوات وورش عمل، ونحاول جاهدين إلغاء خانة الديانة من البطاقة، ورغم فشلنا قبل ذلك فإننا لم نيأس، وسنستمر في الضغط الأدبي على الحكومة. ولكن هذا سيشجع أدعياء الأديان على التمرد؟ تقصد البهائيين، البهائيون موجودون في المجتمع المصري ولهم معابدهم، وينشرون كتبهم، وكل العالم اعترف بهم ويجب علينا أن نعترف بهم أيضا، وأن نفسح لهم المجال، وأن نلغي خانة الديانة، وأن نسمح لهم بإصدار بطاقات هوية. وماذا عن المعوقات التي تواجه مجلس حقوق الإنسان في مصر؟ بالفعل توجد معوقات وصعوبات تواجه آليات عمل المجلس منها: ضرورة إرساء ثقافة حقوق الإنسان ورفع مستوى الوعي الشعبي، مع تغيير بعض مناهج التعليم الخاصة بها، بالإضافة إلى عدم وجود آلية عمل لتنفيذ قرارات ومشروعات المجلس، هذا لأن المجلس جهة اعتبارية، أو استشارية، وليس جهة تنفيذية. مع العلم بأن حقوق الإنسان لا نعني بها الجانب البدني أو النفسي فحسب، بل تمتد لتشمل الحقوق الاقتصادية والسياسية والدينية والسياسية. ماذا قدم المجلس القومي لحقوق الإنسان؟ أولا المجلس القومي لحقوق الإنسان واجه صعوبات عديدة قبل وبعد إنشائه، وقد فعلنا المستحيل حتى يتم تفعيله والأخذ بمشروعات قوانينه بسبب البيئة العربية المتقلبة وسيطرة نفوذ الحركات الأصولية التي كانت بمثابة اليد الطولى لقطع أي إنجاز في مجال حقوق الإنسان، أما أخطر الصعوبات فهي نظرة الشك الدائمة من قبل الحكومات لمنظمات حقوق الإنسان بدعوى التمويل من الخارج، وثغرة التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي. وعلى كل فالجو العام في مصر مبشر بالخير، نظرا الى اتساع مساحة الحرية والرأي خاصة الحرية الدينية والسياسية والفكرية وهذا ما شجع المجلس على عقد مؤتمر دولي بمناسبة مرور 60 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسوف ينعقد بمشاركة منظمة اليونسكو، حيث وجهت الدعوات بالفعل لبعض الدول العربية والإفريقية التي لا توجد بها مجالس لحقوق الإنسان. هل يؤثر التمويل الأجنبي في عمل منظمات المجتمع المدني أو المؤسسات الحقوقية الأهلية، العاملة في مجال حقوق الإنسان؟ إذا كان هناك تمويل أجنبي لبعض المنظمات، فلماذا لا نشجع هذا التمويل، ونتعاون معه ونجعله في صالحنا، حتى يكون الحبل موصولاً، والرأي مقبولاً عند حدوث أي اختلاف في الرؤى أو تصادم في الرأي، حتى تتقارب المصالح بعيدا عن الصدام أو المشاكل؟ وإذا كانت المنظمات الحقوقية لا تستطيع القيام بعملها من دون تمويل، فمن باب أولى أن تعمل بتمويل أجنبي. ولكن التمويل يشجع أمريكا على التدخل في الشئون الداخلية للبلاد؟ يخطئ من يظن أن باستطاعته تقييد حرية أمريكا، أو غل يدها أو منعها من التدخل في شئون البلاد، حيث أصبح ذلك سمة أساسية من سمات ما بعد الحرب الباردة، ولذلك يجب علينا ألا نتعارض مع أمريكا، بمعنى تكوين خلفية مشتركة من المصالح بين مصر وأمريكا. ما هي آخر أحلام د. بطرس غالي؟ آخر أحلامي الذي أتمنى تحقيقه حتى ولو بعد موتي أن يكون الوطن العربي بمثابة الولايات العربية المتحدة، نظرا إلى أن كل المقومات الجغرافية والسياسية والتاريخية تشجع على ذلك. سؤال أخير د. بطرس هل أنت راض عن حقوق الإنسان في مصر؟ لست راضيا عن حقوق الإنسان في مصر وإن كنت راضيا عن الجهد المبذول لإرساء قواعد حقوق الإنسان، لأن المشكلة هي مشكلة ثقافة في المقام الأول، والأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد. وجدير بالذكر ان :- الدكتور بطرس غالي يعد واحدا من كبار الدبلوماسيين المصريين الذين وقفوا بجوار الرئيس السادات في اتفاقية كامب ديفيد حتى معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، كما تمسك به الرئيس مبارك لإخلاصه في العمل، وحبه لمصر، وثقافته الواسعة، واضطلاعه بعلوم السياسة والاقتصاد والقانون، بخلاف إجادته العديد من اللغات أهمها الإنجليزية والفرنسية، شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة فترة زمنية واحدة، وذلك لغضب الإدارة الأمريكية المتوالي منه لرفضه حرب كوسوفو والتطهير العرقي في البوسنة، ودفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية، وكشف حقيقة جرائم إسرائيل في المحافل الدولية. إنه الرجل الحديدي، الفرعوني بطرس بطرس غالي سليل أسرة غالي العريقة، التي شغلت الرأي العام منذ بداية مطلع القرن العشرين، حتى بدايات القرن الحادي والعشرين.