يأتي حوار الأهرام مع الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان, باعتباره أبرز المهتمين بالقضايا العالمية والأمريكية بوجه خاص. ويأتي حديثه كشهادة لا تخلو من تنبؤات محسوبة في إطار نتائج الانتخابات الأمريكية التي ستلقي بظلالها علي الوضع العالمي للأعوام الأربعة المقبلة. وفي مكتبه بمقر المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقاهرة, رحب الدكتور بطرس غالي بمندوب الأهرام مبديا استعداده للاجابة عن أي سؤال بشرط توجيه أسئلة غير دبلوماسية, ليجيب بطريقة غير دبلوماسية علي أسئلة الحوار الذي جاء علي النحو التالي: * هل الرئيس الأمريكي الجديد الذي سيجري انتخابه قريبا يستطيع أن يلعب دورا في القضية الفلسطينية التي تراجعت في عهد الرئيس الحالي بوش؟ لو أعطي الرئيس الأمريكي الجديد سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري, الأولوية للقضية الفلسطينية في الشهور الستة الأولي لتوليه الحكم, يعطي أملا جديدا في أن نجد حلا لها بعد توقف مسار عملية السلام بها, أما في حالة تراجع هذه القضية في الفترة الأولي لحكم الرئيس الجديد, فهناك قضايا أخري سوف تحل محل القضية الفلسطينية مثل قضية كوريا أو كولومبيا اللتين أصبحتا أقرب لأمريكا من فلسطين. وأضاف أن هناك عشرات من القضايا الحالية التي تهدد الاستقرار والسلام في إفريقيا سواء في جنوب السودان ودارفور وساحل العاجل والصومال وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وجورجيا وباكستان وأفغانستان, بالإضافة الي خلافات خطيرة في دول أوروبية كثيرة لو وضعت أمام الرئيس الأمريكي الجديد في المرحلة الأولي لحكمه.. فما الذي سنطلبه من أمريكا لكي تهتم بالقضية الفلسطينية علي حساب القضايا الأخري؟. * هل هناك سبب آخر يدفع الولاياتالمتحدة في مرحلة ما بعد بوش لكي يقل اهتمامها بالقضية الفلسطينية؟ كل رئيس جديد لديه أولويات في عمله وربما تختلف هذه الأولويات عن سابقه, ومن الممكن أن تكون القضية الكورية أكثر اهتماما لدي الجانب الأمريكي حيث استطاع الجانب الكوري اقناع الجانب الأمريكي بهذه القضية أكثر من الجانب العربي الذي لم يستطع أن يقنع الجانب الأمريكي بقضية فلسطين, فاللوبي اليهودي في أمريكا قوي للغاية ويؤثر في السياسة الأمريكية وتوجهاتها وفي دورها مع الجانب العربي مما يتطلب تحركا واسعا من العرب مع الجانب الأمريكي في الفترة المقبلة. * هل يعني ذلك أن يكون للقادة العرب والجامعة العربية دور أكبر بالنسبة للقضية الفلسطينية برغم ما يبذل الآن علي الساحة من اتصالات ومبادرات وجهود فردية لبعض الدول وفي مقدمتها مصر والسعودية وقطر؟ هناك دور كبير للقادة العرب وللجامعة بالنسبة للقضية الفلسطينية, لكن المنطقة تعاني في ذات الوقت من ثلاث مشكلات في توقيت واحد ولا يستطيع الانسان أن يحمل ثلاث مشكلات في نفس الوقت ويسعي لحلها معا, فالقضية اللبنانية والقضية العراقية تأخذ مجهودا كبيرا, وفي حالة التركيز في الجهود مع احداها فسوف يكون علي حساب القضايا الأخري. توازن العلاقات * الي متي تستمر هيمنة الولاياتالمتحدة علي القرار الدولي سواء في العلاقات الدولية أو داخل الأممالمتحدة خاصة القضايا الرئيسية التي تهم أطرافا أخري؟ الهيمنة الأمريكية قد تتقلص أو تنتهي في حالتين, الحالة الأولي أن ينتخب رئيس أمريكي تكون لديه الأفكار والإرادة السياسية علي غرار الرئيس روزفلت الذي أسهم في إنشاء الأممالمتحدة, أو علي غرار الرئيس ويلسون الذي أسهم في إنشاء عصبة الأمم وهو ما يعني اختيار رئيس أمريكي يؤمن بالتعددية ويؤمن بديمقراطية العلاقات الدولية حينئذ سوف تنتقل السيطرة الأمريكية من سيطرة القطب الأوحد الي حد أدني من التعددية, وهنا يبدأ اللجوء الي الأممالمتحدة أما اليوم فلا أحد يسأل في الأممالمتحدة. وأضاف أنه بالنسبة للحل الثاني أن تظهر دول كبري جديدة في السنوات المقبلة مثل الصين والهند واليابان, وتمتلك هذه الدول الارادة السياسية في الاهتمام بالشئون الخارجية. * مازال الحصار الإسرائيلي لغزة مستمرا وقتل الأطفال والمدنيين دون أن يفرض أي عقاب علي إسرائيل من جانب المجتمع الدولي.. فكيف نلزم إسرائيل بتنفيذ اتفاقيات جنيف الأربع وتحميلها مسئولية إدارة الأراضي الفلسطينية وتأمين حياة المدنيين؟ أملي أن يتخذ مجلس الأمن قرارا ملزما في هذا الموضوع فهذا من اختصاص مجلس الأمن وعليه أن يتخذ القرار, وهناك فرق بين قرار تقليدي وقرار مشمول بالتنفيذ. * هل يمكن فرض عقوبات من مجلس الأمن علي إسرائيل في حالة استمرارها في حصار الشعب الفلسطيني؟ المفروض أن يتم فرض عقوبات ولكن ستجد اعتراضا أمريكيا, وحاليا هناك معركة انتخابية في أمريكا وأنصار الحزب الديمقراطي أو الجمهوري مهتمون بدعم إسرائيل, فجماعات الضغط الإسرائيلي نشطة في أمريكا خلال الانتخابات الأمريكية وغيرها, وسيتم استعمال أمريكي لحق الفيتو لأي قرار يصدر من مجلس الأمن ولو حتي بإدانة إسرائيل. * هل معني ذلك أن تستمر الأوضاع الفلسطينية كما هي دون تغيير, ومن هو المؤهل لأداء دور لحل هذه المشكلة المعقدة مادام الشريك الأمريكي مشغولا دائما؟ الوحيد الذي له القدرة أن يضغط علي إسرائيل هو الجانب الأمريكي, وبسبب الانتخابات فسوف تتجنب الادارة الأمريكية الحالية أداء أي دور خاصة أنها في نهاية عهدها ولا تقدر علي تقديم أي شئ. تراجع القضية الفلسطينية * هل أثرت الأزمة بين حماس وفتح علي مكانة القضية الفلسطينية دوليا؟ نعم وبلا شك في ذلك, فالخلافات والصراعات بينهما أضعفت الموقف الفلسطيني وانتهزت اسرائيل هذه الفرصة ليزداد ضغطها علي الشعب الفلسطيني وعدم تحريك مسار السلام بين الفلسطينيين واسرائيل وفرصة إسرائيل أن تضرب وتزيد من الخلاف. القضية الفلسطينية تأخرت علي مستوي العالم أو تراجعت بسبب أن الجانب الفلسطيني ضعيف, والجانب الاسرائيلي قوي, والوسيط الأمريكي مشغول, فإذا ذهبت لأمريكا فستجد أن قضية حصار وتجويع غزة غير أساسية, فعندهم مشكلات أخري في مناطق متعددة من العالم, وعلينا أن نعرف تلك الحقيقة ولا تكون نظرتنا مقصورة علي الرؤية المحلية والإقليمية. * لماذا المفاوض الفلسطيني ضعيف أمام المفاوض الاسرائيلي, ولا يستطيع إلزامه بتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه بينهما؟ للأسف هناك فرق بين المفاوض الإسرائيلي والمفاوض الفلسطيني فالأول وراءه قوة, أما الثاني فلا يوجد خلفه قوة. * هل تتوقع إعلانا قريبا للدولة الفلسطينية؟ حتي لو تم إعلانها فسيكون له معني سياسي أكثر منه معني حقيقيا, لأن الجانب الفلسطيني أصبح ضعيفا ومساعدة الضعيف أصعب بكثير من القوي كما أن حالة القضية الفلسطينية صعبة منذ عامين أو أكثر. * هل هناك صعوبة في إحياء القضية الفلسطينية لدي المجتمع الدولي؟ هناك نوع من تهميش القضية فهي مستمرة منذ خمسين عاما وهذا التهميش هو الخطورة. * لماذا التدخل المستمر من جانب سوريا وايران في الشأن اللبناني؟ يريدون تخفيف الضغوط عليهما عند مساعدتهما للأطراف الأخري في حل المشكلة اللبنانية, فإيران تتعرض لتهديدات دولية بفرض عقوبات عليها بسبب ملفها النووي وهي تريد ايقاف هذه النغمة حتي تساعد الأطراف الدولية لتحسين الأوضاع في لبنان, وسوريا عليها ضغوط من أمريكا علي الساحة الدولية, وضغوط إسرائيلية بسبب احتلال الجولان. * هل يعني ذلك أن تتوقف الضغوط الأمريكية علي إيران في الملف النووي لكي توقف دعمها لحزب الله في لبنان؟ هذا صحيح وليس الملف النووي, ولكن مسألة العقوبات أيضا, والمسألة سياسية أكثر منها نووية وترتبط بلبنان والعراق وإسرائيل. * هل تري أن قضية الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط مرتبطة بالأوضاع والتصرفات الأمريكية بالمنطقة؟ الي حد كبير, فأمريكا لا تستطيع أن تلعب دور الوسيط كما نتمني في القضية الفلسطينية, لأنها ستتنازل عن شيء مقابل شئ فلها مشكلات في العراق ولا تستطيع حلها, واذا طلبت منها ايقاف أو فعل شيء ستقول مقابل ماذا؟ وما هو الثمن أو المقابل الذي تحصل عليه؟