الفضائيات التليفزيونية تشعلها الآن فتنة في مصر بالمزايدة علي قضايا الوطن وبمحاولة كسب الشارع والادعاء بالانتماء للثورة. وما يجري في هذه الفضائيات لا يمثل نوعا من الحوارات الديمقراطية بقدر ما هي نقاشات عقيمة لا تقدم رؤية للمستقبل ولا تعالج قضايا ولا تسهم إلا في إيجاد حالة من الضبابية لدي الرأي العام والتشكيك في كل شيء والنبش في الماضي لتصفية حسابات قديمة أو للقضاء علي متنافسين في ساحة الميدان. وقد دخلنا في هذه الحوارات مرحلة التخوين وإطلاق الاتهامات بالعمالة وأصبحنا في حالة من الاختلاف في الآراء والانقسام في التوجه بحيث صار من الصعب قراءة معالم الطريق أو تقديم ورسم خارطة للمستقبل. وكان من أخطر ما نشاهده في هذا الصدد هو حالة الانقسام الهائل التي نشهدها الآن في المجتمع بين من يحاولون الوقيعة بين الشباب والشيوخ، بين الحرس القديم والحرس الجديد، وهي وقيعة مدمرة تعني انسحاب أجيال بأكملها من الحياة السياسية والعملية لصالح أجيال جديدة قد تكون مسلحة بالحماس والاندفاع الثوري لكنها تفتقر إلي الخبرة والتخصص والكفاءة أيضا، وهو ما يعني دخولنا في مرحلة جديدة من التجارب التي قد تؤدي إلي عواقب سلبية علي المجتمع. ويجب في هذا أن نأخذ العبر من ثورة يوليو 1952 التي قادها مجموعة من الضباط الشباب الذين استعانوا بأهل الثقة علي حساب أهل الخبرة فكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي هزيمة يونية 1967 والتي تلاها إعادة بناء الدولة العصرية الجديدة بالاستعانة والاعتماد علي أهل العلم والخبرة الذين مكنونا من اصلاح ما أفسدته التجارب السابقة. ان الثورة الحقيقية هي التي تبني مجتمعا جديدا قائما علي الاستفادة من جميع طاقات المجتمع وتوظيفها لصالح البناء والتعمير بعيدا عن الاتهامات وأسلوب الاقصاء والابعاد بسبب الاختلاف في الفكر والرؤي. فنحن مهما اختلفنا في الرأي ومهما تضاربت وتصارعت مصالحنا فإننا نجتمع دائما علي مبدأ واحد وهو أننا جميعا مصريون ننتمي لهذه الأرض ونخاف عليها ونحرسها وهذا هو الهدف وهذا هو المطلوب.