أتحداك أن تسأل عن عماد أبوغازي معظم أيام الأسبوع في مكتبه وأن تجده، فمنذ أن تولي وزارة الثقافة، وهو يحاول إعادة اكتشاف الخريطة الإنسانية للعاملين فيها ممن يحملون عبء تطبيق السياسات وإبداع التواصل مع الجماهير، فها أنت تعلم ذات صباح أنه في السويس ، تلك المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة في يناير 2011 حيث سقط فيها أول شهيد، وما إن نزل الدم الشهيد علي الأرض حتي تحركت السويس كلها وكأنها نداء لحرية وعدالة جديدة غير ركام التزييف والتجاهل الطويل . وإن سألت عن عماد أبوغازي في يوم آخر ستجده في الصعيد، حيث يلتقي علي الطبيعة بوجوه تبدو مرهقة من كثرة ما تحمل من أعباء الحياة اليومية وفي نفس الوقت مطلوب منها أن تمارس دورا ثقافيا رائدا ، والأمر المؤكد أن أي زاوية يتحدث فيها مدعي تدين عن مزايا الحور العين اللاتي كأمثال اللؤلؤ المكنون ، هذا المدعي التدين يسرق خيال الشباب الذي لا يجد منفذا لخياله أو تربية فنية وجدانية لا تقطع صلته بالتدين ولكن تعمق عطاءه للواقع الذي يعيشه كي يغير هذا الواقع بالفهم والعلم والوعي بالتاريخ والجغرافيا وأساليب الحياة في القرن الواحد والعشرين . أكتب ذلك وأنا أعرف عماد أبوغازي كدارس للتاريخ وكرجل يقدس قيمة الاختلاف في الرأي ولا يبخس أحد حقه في التعبير، وفي نفس الوقت هو قادر علي التحليق بخياله فوق الواقع ليجمع إيجابياته التي تضم خلاصة آراء المختلفين معه وينسج منها درجة من التوافق . أعرف عماد أبو غازي عن قرب خلال سبعة أعوام من التلاقي في المجلس الأعلي للثقافة حيث كان مساعدا لجابر عصفور في كل ما أنجز من أعمال مبهرة تحول فيها المجلس الأعلي للثقافة من مجرد ناد للصمت الثقافي إلي حركة تموج بالأفكار والرؤي . وكان الفنان فاروق حسني - كعادته - يترك لكل قائد موقع فرصة لنقل ما في الخيال إلي الواقع ، وهكذا كان هناك بناء لشبكة مادية من المشاريع الثقافية، وإن نقص منها تدريب كوادر قادرة علي التواصل في شرايين المجتمع من أقصاه إلي أقصاه . وحين تولي جابر عصفور مقاليد وزارة الثقافة، كنت أعلم أن مواقفه تختلف تماما مع نسيج الحزب الوطني الذي كان يحكمنا، وكنت أثق أنه سيخرج في أول صدام يتلاعب فيه قادة هذا الحزب بحركة الثورة التي ساهمت فيها الثقافة المصرية عبر سنوات بما حاولته من بناء ومشاريع . وجاءت فترة محمد الصاوي لتثبت أن وجود وزير من خارج نسيج القيادات التي تمتلك من شرف الإتقان ما يفوق خيال رجل جاء من دوامة شركة الإعلان التي يملكها، وساقية الصاوي التي يديرها ، جاءت تلك الفترة لتثبت أن قصورا هائلا سيشمل العمل الثقافي. ثم جاء عماد أبو غازي من بعد ذلك لتبدأ رحلة تصوف في الواقع الشرس ، ومحاولة إضاءة شمعة في واقع الأقاليم لعل الثقافة بما تملك من إمكانيات ضئيلة أن تتواصل مع الضمير المصري الذي تعرض لعمليات نهب من مدعي التدين . منير عامر