الكلمة التي أذاعتها قناة "العربية" للرئيس المخلوع حسني مبارك أثارت الكثير من الغضب والسخرية عند قطاعات واسعة من الشعب المصري.. والمؤكد أن نتائج هذه الكلمة قد جاءت علي عكس ما أراد كاتبوها وقائلها.. والواقع أن التذاكي والاستخفاف بالعقول والانعزال المتعالي عن الواقع الذي تطفح به كلمة الرئيس المخلوع كان من الطبيعي أن يثير أسوأ المشاعر السلبية لدي كل إنسان سوي. فمبارك يعرض التعاون مع النائب العام للكشف عن أية ممتلكات أو أصول خارج البلاد له ولأفراد أسرته، وللكشف عن أية أرصدة مالية في الخارج له ولزوجته "دون أبنائه".. ثم يكرر نفس الأسطونة المشروخة حول خدمته الطويلة للوطن، وتألمه الشديد من من أن يكون جزاء ذلك هو تشويه سمعته وسمعة أسرته.. ثم ينتقل من هذا إلي التهديد بملاحقة كل من أذي سمعته أمام القضاء.. بعد أن يثبت هذا القضاء براءة الرئيس المخلوع وأفراد أسرته من الاتهامات بالفساد ونهب المال العام التي يعتبرونها اتهامات ظالمة .. إلخ إلخ. ويبدو أن مبارك اعتبر أن كل ما يثار عن الفساد السياسي والدكتاتورية المنفلتة وتدمير مكانة مصر واقتصادها، وقتل المتظاهرين بدم بارد، وتعذيب وقتل آلاف المعتقلين السياسيين، وغير ذلك من الجرائم المروعة في حق مصر وشعبها.. من الأمور التي يمكن أن تتفاوت حولها التقديرات!! فلم يكلف نفسه عناء الرد عليها.. أما الذمة المالية لا سمح الله.. فكلا.. وألف كلا!! وكأن ما يتداوله الشعب المصري كله، وما تتداوله وسائل الإعلام في العالم بأسره حول فساد مبارك وأسرته والمحيطين به.. علي مدي العقدين الأخيرين من الزمان علي أقل تقدير.. ثم في السنوات الأخيرة بوجه خاص.. كلها أوهام من اختراع المخيلات المريضة لأصحابها!! والواقع أن التعليق التفصيلي علي كلمة الرئيس المخلوع يحتاج إلي مجلدات ومجلدات.. لكننا سنحاول التعليق بملاحظات مختصرة بالقدر الذي تسمح به المساحة المتاحة. بعد إخفاء آثار الجريمة.. أولا: لعل أول ما يلفت الانتباه بقدر ما يثير السخرية - هو أن مبارك لم يظهر هذه الأريحية بشأن تعاونه مع النائب العام "أو جهات التحقيق" إلا بعد مرور شهرين كاملين علي الإطاحة به.. خاضت خلالهما وسائل الإعلام العالمية بالحديث عن الجهود المحمومة التي تقوم بها شبكات عنكبوتية ضخمة عبر العالم كله لنقل أرصدة مبارك وأسرته إلي "ملاذات آمنة وإخفاء آثار أرصدتهم وممتلكاتهم تحت أسماء أخري.. بعضها لشخصيات رفيعة في بلدان مختلفة. بل إن الحديث عن هذه العمليات بدأ أثناء ثورة يناير، وقبل الإطاحة بمبارك، وكلنا نذكر زيارات المبعوث الأمريكي فرانك ديزنر "الذي اتضح أنه محام لمبارك!!" أثناء الثورة.. واجتماعات بمبارك وفريقه.. والآن.. وبعد مرور كل هذه الفترة.. وبعد كل ما نشره الإعلام، وصرحت به مصادر سياسية ومصرفية في كل أنحاء العالم يقول مبارك "فتشوني" فهل هناك أكثر من ذلك استخفاف بالعقول؟! "فتشوني"!! متأخرة جدا.. ثانيا: وهي متصلة أيضا بملاحظتنا الأولي.. نعني لماذا لم يهتم مبارك بالدفاع عن سمعته إلا الآن؟! مع أنه كان يستطيع وكان ينبغي عليه أن يسعي لابراء ذمته منذ سنوات.. أو حتي منذ انفجار الثورة حينما كانت تتناوش السهام ذمته المصونة من جهات وشخصيات محترمة في كل أنحاء العالم ونضرب بعض الأمثلة: 1 حينما أعلنت الحكومة السويسرية تجميد أرصدة بملايين الفرنكات تخص مبارك في بنوك سويسرا. 2 حينما نشرت "الجارديان" البريطانية أخبارا عن ثروة له ولأفراد أسرته تتراوح بين 40 و70 مليار دولار. وكانت المظاهرت تهدر في كل أنحاء مصر بالهتاف: "حسني مبارك يا طيار.. جبت منين سبعين مليار؟!" لماذا لا يرفع مبارك دعوي ضد الحكومة السويسرية وضد "الجارديان" مادامت سمعته توجعه إلي هذا الحد؟! 3 حينما اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بتجميد أرصدته وممتلكاته هو وأفراد أسرته وأعوانه المقربين "19 شخصا" فهل كان قادة أوروبا يهذون أم كانوا يفترون علي صديقهم القديم؟! فلماذا لم يصدر عن مبارك أي رد فعل وقتها؟! 4 حينما أعلنت بريطانيا عن خروج أموال تخص الرئيس المخلوع وأسرته إلي جهات غير معلومة.. وأنه من الصعب وقف ذلك لعدم وجود طلب حكومي مصري مشفوع بحكم قضائي.. لماذا سكت مبارك؟ 5 حينما خلط السيناتور الأمريكي كيري بين اسمي مبارك والقذافي لدي حديثه عن تجميد أموال الأخير في أمريكا.. وعالجت هيلاري كلينتون الخطأ بما يدين مبارك حينما قالت إن تجميد أموال وممتلكات مبارك وأسرته غير ممكن بدون حكم قضائي ضده وأسرته في مصر وطلب رسمي علي أساس هذا الحكم.. فهل كانت هيلاري كلينتون تهذي؟! ولماذا لم