لماذا تعارض المانيا ومعها فرنسا فكرة رئيس مجموعة وزراء المال في اوروبا الخاصة باصدار سندات اوروبية موحدة باليورو؟ الرئيس الفرنسي قدم تفسيرا لذلك مؤداه ان كلا من بلاده والمانيا لم يتم استشارتهما حول هذه الفكرة قبل الاعلان عنها وتحمس عدد من دول جنوب اوروبا لها قائلا: "ليس من المقبول ان تكون كل من فرنساوالمانيا البلدين الوحيدين اللذين لم يعلما أي شيء عن هذه الفكرة قبل اعلانها.. مضيفا انه لو حدث هذا التشاور المسبق ربما كانت فرنسا ومعها المانيا قد فكرتا فيها. وبالطبع من حق الرئيس الفرنسي ساركوزي والمستشارة الالمانية ميركل واللذين يعتبران نفسيهما قائدين لمنطقة اليورو ان يشعرا بالضيق لطرح افكار اوروبية دون استشارتهما ولكن هل صحيح كان ثمة امكانية لقبول البلدين لهذه الفكرة اذا كانت قد حدثت هذه الاستشارة المسبقة؟ الرئيس الفرنسي ألمح إلي امكانية ذلك.. لكن المستشارة الالمانية لم تتحدث عن هذا الامر من قريبا وبعيد.. فاعتراضها علي تنفيذ هذه الفكرة ليس اجرائيا، انما هو اعتراض جوهري.. اعتراض علي الموضوع.. او بالاصح اعتراض علي تأثيراته علي الاقتصاد الالماني "فاصدار سندات موحدة باليورو سيعني كما قالت ميركل تقاسم كل دول اوروبا الفوائد والمخاطر لهذه السندات.. الفوائد اي ما توفره من اموال تحتاجها الاقتصادات الاوروبية لزيادة معدلات نموها والمخاطر اي مخاطر تعثر دولة او اخري او عدد من الدول الاوروبية في سداد هذه السندات عندما يحل سدادها. المانيا تخشي ان تضطر بهذه السندات الموحدة ان يقع عليها مزيد من الاعباء للاخذ بيد اقتصادات متعثرة او في سبيلها للوقوع في شرك التعثر، خاصة أن الأزمة الأوروبية لا تقتصر علي اليونان وأيرلندا فقط، وأنما امتدت إلي كل من اسبانيا والبرتغال بل وإيطاليا أيضا، وهلم جرا. ولعل هذا هو التخوف الذي كانت تشعر به ألمانيا حينما اندلعت الأزمة اليونانية، وجعلها تتأخر في تقديم يد العون إلي اليونان، حتي لا يتحمل دافعو الضرائب في ألمانيا نتائج بذخ اليونانيين أو انفاقهم أكثر مما حازوا من دخول. وتشترط ألمانيا لمد يد العون لأي بلد أوروبي متعثر اقتصاديا أن يلتزم هذا البلد بإجراء اصلاحات اقتصادية هيكلية وتنفيذ سياسات تقشف واسعة تتضمن تخفيضات كبيرة في الانفاق العام. وتجد ألمانيا الآن مساندة من فرنسا في هذا الصدد ولذلك أيد ساركوزي موقف ميركل في موضوع إصدار سندات أوروبية موحدة.. لكن الموقف الفرنسي لا يتطابق تماما مع الموقف الألماني.. ولعل هذا هو تفسير كلام ساركوزي حول امكانية التفكير في أمر هذه السندات إذا كانت بلاده وألمانيا تم استشارتهما مسبقا حولها.. ففرنسا رغم أنها لا تعاني أزمات مماثلة كعدد من دول جنوب المتوسط إلا أنها ليست في وضع اقتصادي طيب، أو في مستوي الوضع الاقتصادي الأوروبي.. أي أنها هي الأخري في حاجة لمزيد من الأموال لتنشيط اقتصادها ودفع معدلات نموه.. وبالتالي رفضها للسندات الأوروبية الموحدة ليس بدرجة رفض ألمانيا، التي تصر علي أن يسبق تنفيذ هذه الفكرة مزيد من التكامل السياسي الأوروبي والتماسك في السياسات الاقتصادية، أي تصحيح السياسات الاقتصادية للبلاد الأوروبية المعتلة اقتصاديا. عبدالقادر شهيب