لم يكن يتخيل أحد أن تتحول اصدارات البنوك المركزية ومؤسسات النقد المتوالية في مصر علي مدار العقود الماضية إلي بيزنس ضخم يتجاوز حجمه الملايين أفرزه مبدأ "الخواجة لما يفلس يفتش في دفاتره القديمة". انه سوق العملات القديمة والنادرة والتذكارية، سوق واسعة ومتخصصة جدا، تجمع بين الهواة والتجار في علاقة أساسها رغبة اقتناء أي عملة نادرة وتحقيق ربح مادي من وراء عملية البيع بداية من سمسار مصري بسيط يجوب الشوارع ليلا ونهارا ورث المهنة عن اجداده وبات يحفظ تاريخ العملات عن ظهر قلب حتي ارتسم في ملامحه ونهاية بسمسار أجنبي يأتي البلاد لحمل هذا التاريخ العريق إلي بلاده لعرضه في متاحفها، ولهذه السوق قوانين تسري علي الهواة والتجار والزبائن من دون تجاوز، حتي أن هناك رابطة لهذه الأطراف الثلاثة في مصر للاطلاع علي كل جديد في سوق العملات وتبادلها فضلا عن المعارض الدولية التي تعرض النادر والنفيس من العملات القديمة ويبلغ عدد السماسرة في القاهرة الكبري نحو 500 سمسار لهم أماكنهم التي يتدفقون عليها أسبوعيا في مقاهي رمسيس لتبدأ المشاورات والمحادثات حول ما تم جمعه طيلة الأسبوع. قصة المقابر ورغم أن العميل المستهدف من قبل السماسرة هم الطبقات الثرية التي لديها الرغبة في اقتناء هذه العملات النادرة بأي ثمن وكذلك السماسرة الأجانب الذين يقومون بزيارات للمنطقة بأكملها بصورة منظمة وفي صورة شبكة توزع نشاطها اقليميا علي مدار العام إلا أن السوق المصري يمثل أهمية خاصة لهؤلاء لأنه زاخر بعملات تمثل عهودا مختلفة مقارنة بأي دولة في المنطقة وبالتالي له ميزة نسبية في أسواق العالم وتبدأ أسعارها من 5 جنيهات وتصل إلي 100 ألف جنيه وتباع في الخارج بأضعاف ذلك ويتوقف سعرها علي العرض والطلب ومدي حالة العملة وقيمتها.. فكلما قلت القيمة زاد الثمن ومدة بقائها في السوق قبل التغير وتنتشر العملات العربية والمصرية الحديثة في مرحلة ما بعد السبعينيات في أسواق الجمعة والتونسي والثلاثاء وغيرها أما العملات الباهظة الثمن لعصور أقدم فتخضع لرعاية خاصة حتي تحتفظ برونقها إلي حين بيعها وعادة وبحسب السماسرة فإن منابع العملات عادة ما تكون القري في محافظات الجنوب والوجه البحري وهي مراكز كانت لباشاوات واقطاعيين خلفوا وراءهم تاريخا عريقا. قيود العائلات لم يعرفوا قيمته وقتها وورثة أحفادهم الذين يقومون في كثير من الأحيان ببيعه ولا تقتصر مصادر هذه العملات علي ذلك بحسب الحاج محمود عبدالجواد من كبار سماسرة العملات القديمة والذي أشار إلي أن قبور العائلات القديمة التي تحمل أسمائهم وتواريخ وفاتهم في مقابر البساتين وحلوان تجعل الأمر بسيطا عندما يموت أحد الاحفاد ويتم فتح المقبرة مجددا حيث يجد العاملون في المدافن محافظ جلدية بحوزة الموتي القدامي يكون عادة فيها 2 جنيه لعصور مختلفة وذلك لوجود أسطورة كانت تقضي بوضع 2 جنيه مع الميت قبل مائة عام وهو ما يجعل ساحات المدافن تتحول إلي مزادات بين حراس القبور وبين السماسرة قبل أن تجمع هذه العملات ويتم طرحها علي رجال الأعمال في لقاءات خاصة سرية في فيلاتهم وعادة ما تكون في نهاية الأسبوع حيث يتم إبرام الصفقة في جنح الليل ليقوم العميل بترويجها في الخارج لتحقيق مكاسب هائلة في بعض الأحيان عبر الاتصال المباشر بسماسرة أجانب أو لغرض اقتناء هذه الثروة لما تمثله من قيمة لهم في بعض الأحيان. ويتابع عبدالجواد قائلا إن العملاء المستهدفين في العملات الاقل ثمنا في عصر السبعينيات هم الطبقة المتوسطة ويفضل السماسرة في هذه الحالة طرح هذه العملات علي السائحين بالدولار تجنبا بحسب وصف عبدالحفيظ للفصال مع المصريين. ويشير عبدالجواد إلي أن الجنيه الذي يحمل صورة الجملين تبلغ قيمته مائة ألف جنيه، وريال السلطان فؤاد يباع بثلاثين ألف جنيه وهي الأكثر ربحا بين العملات، وهناك الكثير من المغامرين هواة العملات أو العاملين فيها يبحثون عن هاتين العملتين علي أمل العثور عليهما ويرجع سبب ارتفاع ثمن العملتين إلي ندرتهما.