في وقت ليس ببعيد كانت الأمم تعتز بقوة عملاتها وكانت تعتبر ذلك رمزاً لقوتها السياسية والاقتصادية.. أما في هذه الأيام فقد اختلف الأمر وصارت كل دولة تتمني أن تكون عملتها هي الأضعف لكي تتمكن من تنشيط صادراتها وزيادة معدلات نموها الاقتصادي. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الأمر بدأ بالدولار الذي تلقي ضربات ساحقة في عام 2009.. فقد استرد المستثمرون رغبتهم في المخاطرة وانخفضت أسعار الفائدة علي الدولار إلي أدني مستوياتها وهو ما أدي إلي نزوح كميات كبيرة من الدولارات إلي خارج السوق الأمريكية لاستخدامها في تحويلات تجارة العملة ثم جاء الدور علي اليورو الذي انخفضت قيمته هو الآخر بسبب توجس المستثمرين من قدرة منطقة اليورو علي التعامل مع جبال الديون السيادية التي تتحملها دول جنوب أوروبا، وأخيراً هبط سعر الجنيه الاسترليني في الأسبوع الأول من شهر مارس الحالي تحت وطأة العجز في الموازنة البريطانية وارتفاع الدين العام والمخاوف من أن تسفر الانتخابات العامة في مايو القادم عن برلمان عاجز عن اتخاذ القرارات الضرورية لسلامة الاقتصاد البريطاني. والشيء الواضح أن هذه الانخفاضات في قيمة العملات الثلاث الكبري لا تقلق أيا من الساسة أو قادة البنوك المركزية للبلدان المعنية، بل إن "ميرفين كينج" محافظ البنك المركزي البريطاني يبدو مرحبا بضعف الاسترليني لأنه سيشجع المصدرين.. أما الساسة الأوروبيون مثل وزيرة الخزانة الفرنسية كريستين لاجارديه فقد كشفوا عن سعادتهم لما أصاب اليورو من انخفاض في قيمته وذلك لنفس السبب تشجيع الصادرات وبالمقابل فإن السلطات الأمريكية وإن كانت تتحدث كالببغاء عن إيمانها بضرورة قوة الدولار فإنها لم تفعل شيئا عمليا لتقويته فهي لم ترفع أسعار الفائدة ولم تهتم بتقليل عجز الموازنة ولم تتدخل علي أية صورة في الأسواق. أما البلدان التي اتجهت قيمة عملتها إلي الارتفاع فلم تبد أي نوع من الابتهاج بل علي العكس تدخلت لوقف هذا الارتفاع مثلما فعلت سويسرا مع الفرنك.. بينما أعلن وزير المالية الياباني ناوتو كان ضرورة خفض قيمة الين وإن كان رئيس الوزراء قد وبخه علي هذا التصريح. وتكاد تكون الصين هي الدولة الوحيدة التي يجمع معظم الاقتصاديين علي أنها يجب أن ترفع قيمة عملتها.. ورغم أنه معروف من الناحية النظرية البحتة أن الدول التي تحقق معدلات نمو سريعة ومتزايدة تتجه قيمة عملتها إلي الزيادة فإن الحكومة الصينية تقاوم هذا الاحتمال وتتدخل لمنع قيمة اليوان من الارتفاع أمام الدولار. وتتساءل مجلة "الإيكونوميست": لماذا يلقي ضعف العملات الكثير من التحبيذ هذا الأيام؟ والرد ببساطة أن هذا يرجع إلي تزايد أهمية المصدرين علي ضوء تكالب كل الدول علي تحقيق النمو في أعقاب ما شهده العالم من أزمة ائتمانية وركود عالمي.. وبديهي أن العملات لا يمكن أن تنخفض قيمتها كلها في وقت واحد وإنما يحدث ذلك في صورة نوع من دورة "بوجينز" Buggins Turn