منذ وقت غير بعيد كان عامل أي فندق كبير في أي مكان من العالم يفرح إذا أعطيته دولارا واحدا كبقشيش ولكن السيدة ميجان كاريللا وهي مديرة تنفيذية شابة -34 عاما- من نيويورك تقول ان الناس الذين اعتادوا أن يبتسموا لك عندما تعطيها دولارا لم يعودوا يقتنعون بأقل من دولارين أو ثلاثة لكي تخدمك بإخلاص حيث أصبح الدولار الواحد الآن كبقشيش أقرب إلي الإهانة.. وانها لاحظت ذلك من خلال سفرياتها المتكررة الي المسكيك واليونان وغيرهما من البلدان. وتقول مجلة "نيوزويك" ان عمال الفنادق ليسوا وحدهم الذين فقدوا غرامهم بالدولار خصوصا بعد أن فقد 20% من قيمته في السنوات الخمس الاخيرة امام سلة عملات تضم الروبية الهندية والدولار الكندي والريال وغيرها من العملات العالمية وفي الشهور الثلاثة الأخيرة وحدها فقد الدولار 3% من قيمته أمام هذه السلة من العملات وهناك دول كثيرة في العالم قامت بفك ارتباط عملتها بالدولار كما بدأت السندات المصدرة باليورو تنافس سندات الخزانة الأمريكية كاحتياطي أجنبي في دول مثل روسيا والسويد وأكثر من ذلك فهناك ميل متزايد الي تقدير سعر البرميل من بترول خام برنت باليورو بدلا من الدولار. وامام هذه الظواهر يستاءل هانز ريديكير خبير استراتيجيات سعر الصرف في BNP باريباس: هل نحن الآن نشهد احتضار الدولار؟ ويجيب الرجل عن تساؤله قائلا: ان هذا بالفعل أمر ممكن! ومنذ وقت غير بعيد كانت فكرة احتضار الدولار يمكن ان تثير الفزع ولكن السيناريو الكارثة الذي يتخيل اقدام الآسيويين علي التخلص من احتياطياتهم الدولارية وانخفاض قيمة الدولار تبعا لذلك ودخول الاقتصاد العالمي حالة ركود كنتيجة لما تقدم هو سيناريو لم يحدث أبدا تماما مثلما أن اسعار البترول لم تصل في ارتفاعها الي الحد الذي يصيب العالم بالشلل وقد ثبت ان هذه التهديدات مجرد اشباح لا وجود لها. والحقيقة ان الانخفاض البطيء والمطرد في قيمة الدولار هو المعادل الموضوعي لضخامة العجز التجاري الأمريكي وهذا كله يحدث في تزامن مع فقدان الولاياتالمتحدة لتفردها كقوة عظمي وهو أمر ليس في صالح الأمريكيين وحدهم وإنما هو في صالح العالم بأسره. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس ألا يزيد معدل نمو الاقتصاد الأمريكي علي 1.2% في عام 2007 بعد ان كان 3.3% في العام الماضي ومع ذلك فإن أداء الاقتصاد العالمي سيكون أفضل مما كان عليه في الأعوام السابقة بفضل الانبعاث الاقتصادي الأوروبي تحت قيادة المانيا ونهضة اليابان وتزايد أهمية بلدان مثل الصين والهند وهذا معناه ان الدولار يفقد عرشه وان أمريكا لم تعد القاطرة الوحيدة للنمو العالمي. وتقول مجلة "نيوزويك" ان النمو الامريكي يفتر والبلدان النامية تفك ارتباط عملاتها بالدولار وقد فعلت الكويت ذلك منذ 3 أسابيع فقط لاحقة بركب من الدول يضم روسيا والصين وماليزيا وغيرها وهذا يتيح لتلك الدول ذات الاقتصادات الناشئة تحرير أنفسها من قيود السياسات النقدية الأمريكية التي وضعت لتناسب اقتصادا بطيء النمو ويسمح لها بتحديد أسعار الفائدة علي نحو يخدم زيادة معدل النمو قبل أن يحافظ علي ثبات سعر الصرف ويمكنها من تفادي حدوث سخونة زائدة في الاقتصاد. وهذا التحول عن الدولار يتخذ صورا متنوعة فدول مثل ايران والعراق وليبيا وفنزويلا وروسيا تدرس تحصيل ثمن صادراتها البترولية باليورو بدلا من الدولار وهذا يحدث لأسباب سياسية وأخري اقتصادية مثل ميل روسيا ودول الخليج الي شراء واردات أكثر من أوروبا علما بانها ستخسر كثيرا عندما تحول دولاراتها الي اليورو من اجل تحويل هذه الواردات. بل أكثر من ذلك فإن البنوك المركزية تتجه الي عدم تركيز احتياطياتها في أوراق الخزانة الأمريكية والاستثمار في مجالات أعلي عائدا وقد بدأت بلدان عربية مثل دبي والبحرين وحتي السعودية ضخ أموالها التي كانت تحتفظ بها كاحتياطيات أجنبية في استثمارات أو مشروعات استثمارية أربح. كما أن الصين قامت في مايو الماضي بشراء 10% من شركة التخارج الأمريكية بلاكستون مقابل 3 مليارات دولار وهي خطوة شديدة الجرأة. أضف إلي ذلك أن سندات اليورو قد دخلت السباق في الوقت الذي شهد زيادة معدل النمو الاوروبي عن معدل النمو الأمريكي لأول مرة منذ 6 سنوات وقد أدي هذا إلي رواج أسواق رأس المال الاوروبية واجتذابها مزيدا من المشترين فنصف اصدار العالم من السندات الدولية خلال العام الماضي كان باليورو وتقول مجموعة التجارة اللندنية انترناشيونال كابيتال ماركتس اسوسينشن ان اكثر من 45% من الديون الدولية في شكل سندات صارت الآن باليورو مقابل 36% فقط بالدولار كما تقول الارقام التي ذكرها تقرير حديث للبنك المركزي الألماني ان 40% من اجمالي الاحتياطيات العالمية بالعملة الصعبة ستصبح باليورو عام 2010 بعد ان كانت 19% عام 2001 ونحو 26% في الوقت الراهن وهذا بدوره سيضفي علي أوروبا دورا سياسيا اكبر فعندما يتزايد الاعتماد علي اليورو كعملة احتياطيات ستزداد بالمقابل هيبة أوروبا. ويعلق كينيث روجوف استاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد علي ذلك بقوله إن الأمريكيين يفقدون امتيازهم لصالح الأطراف الأخري فالاقتصاد العالمي في رأي كثيرين لم يعد أحادي الفكر وان النمو العالمي لم يعد رهنا بزيادة انفاق المستهلك الأمريكي وإنما صار يؤثر فيه ايضا وبقوة كل من الصانع الصيني والاستثمار العربي والطبقة الوسطي الجديدة في الهند.