خلال السنوات الست الأولي من حكم حزب العمال البريطاني استخدم جوردون براون وزير الخزانة حق الفيتو مرتين لوقف خطط توني بلير رئيس الوزراء الرامية للانضمام إلي منطقة اليورو.. وكانت حجة براون في المرتين أن الجنيه الاسترليني أقوي من اليورو كثيرا وأنه ليس من صالح بريطانيا إبقاء عملتها مقومة بأكثر من قيمتها لأنه يضر قدرتها علي التصدير إلي الدول الأوروبية الأخري. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه منذ بدء استخدام اليورو عام 1999 كان الجنيه الاسترليني يساوي 1.42 يورو ووصل سعر الجنيه الاسترليني عام 2000 إلي 1.75 يورو وعندما هبط إلي أدني مستوياته عام 2003 كان الجنيه الاسترليني يساوي 1.40 يورو. ولكن يبدو أن تفوق الاسترليني قد وصل إلي نهايته حيث يتوقع الاقتصاديون أن تهبط قيمة الاسترليني أمام اليورو بشدة في الأشهر القادمة.. ويعتقد جون بوتلر خبير بنك HSBC أن قيمة الجنيه ستهبط إلي 1.33 يورو مع حلول نهاية العام الحالي وهي أدني قيمة يصل إليها في السنوات العشر الأخيرة. ورغم أن التنبؤات الخاصة بأسعار العملات عرضة للتغير فإن هناك أسبابا قوية ترجح الضعف المرتقب للجنيه الاسترليني.. فقوة الجنيه أمام اليورو تعكس كما نعرف ارتفاع مستوي أداء الاقتصاد البريطاني مقارنا بأداء اقتصادات دول منطقة اليورو وهذا أمر كان جوردون براون لايكف عن التغني به.. فخلال أكثر من عقد من الزمان كان الاقتصاد البريطاني هو الأقوي نموا في دول العملة الأوروبية الموحدة وحتي عندما هبط معدل النمو البريطاني إلي 1.8% فقط في العام الماضي وهو أدني معدل له منذ عام 1992 ظل أعلي من معدل نمو دول اليورو الذي لم يتجاوز ال 1.3% في ذات العام. ولكن هذا الفارق سيضيق كثيرا خلال العام الحالي 2006 حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد البريطاني بمعدل 2.3% مقابل 2.1% لدول اليورو بل إن بعض الاقتصاديين يرون أن الاَية سوف تنقلب وستحقق دول اليورو معدل نمو 2.5% مقابل 2.3% للاقتصاد البريطاني. وإذا كان معدل النمو مؤشرا مهما فإن مصدر هذا النمو مؤشر لا يقل أهمية. وهنا تقول مجلة "الإيكونوميست" إن إنفاق المستهلكين في السنوات العشر الأخيرة هو الذي كان يدفع الاقتصاد البريطاني إلي الأمام، أما الاَن فقد أصبح المستهلكين مثقلين بالديون المرتفعة والضرائب العالية.. ومع ضعف استثمار الشركات وتراجع الإنفاق العام لا يتبقي سوي الصادرات كمحرك للنمو البريطاني ولكن الأرقام الرسمية التي أعلنت يوم 11 ابريل الحالي تشير إلي تدهور الأداء التجاري البريطاني الذي كان موضع جدل في السنوات السابقة.. فالعجز في ميزان السلع والخدمات في الشهور الثلاثة حتي فبراير 2006 قد زاد إلي 13.2 مليار جنيه استرليني "23 مليار دولار" بعد أن كان 11.9 مليار استرليني في الشهور الثلاثة السابقة علي تلك الفترة. وهذا يعني أن المصدرين بحاجة إلي حدوث انخفاض في قيمة الاسترليني حتي يحسنوا وضعهم التصديري ونظرا لأن نصف صادرات بريطانيا تذهب إلي منطقة اليورو فلابد أن يحدث انخفاض في قيمة الاسترليني أمام اليورو. والخلاصة أنه إذا واصل الاسترليني انخفاضه أمام اليورو فإن ذلك سيفتح من جديد باب الحديث حول انضمام بريطانيا إلي العملة الأوروبية الموحدة.. فعضوية بريطانيا في منطقة اليورو تكون أسهل إذا ما كان الاسترليني هو الطرف الأضعف أمام اليورو.