في سبتمبر الماضي قال توني بلير أمام مؤتمر حزب العمال البريطاني بمناسبة مرور عشر سنوات علي عودة الحزب إلي الحكم إن التحديات التي كانت تواجه بريطانيا عام 1997 كانت تحديات بريطانية، أما الاَن فقد أصبحت هذه التحديات عالمية.. وهي تمس قدرة بريطانيا التنافسية في السنوات العشر القادمة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن تنافسية بريطانيا في الحقيقة من الهموم المسيطرة أيضا علي جوردون براون وزير الخزانة الذي يحتمل أن يخلف بلير في منصب رئيس الحكومة، ويري براون في هذا الخصوص أن استقرار الاقتصاد الكلي ووجود حوافز ضريبية ونظام أقوي للمنافسة عناصر كفيلة إذا اجتمعت بأن تقضي علي شكوي بريطانيا من انخفاض الإنتاجية وانخفاض استثمار الشركات في الأبحاث والتطوير وضعف الابتكار.. ونستطيع القول بأن براون استطاع أن يحقق كثيرا من الأهداف التي كان يتوخاها في هذا الصدد ولكن النواقص أيضا لاتزال كثيرة. والحقيقة أن براون ورث عن حزب المحافظين وزعيمته مارجريت تاتشر اقتصاد مهيأ للانطلاق.. فهجمة تاتشر ضد نقابات العمل أدت إلي مرونة سوق العمل البريطاني.. والاستثمارات الأجنبية كانت تتدفق مستفيدة من تحسن مناخ الاستثمار ومؤدية إلي ارتفاع مستوي الإدارة والإنتاجية معا، والحساب الجاري لميزان المدفوعات كان يتجه نحو التوازن.. أما الموازنة فكانت توشك علي تحقيق فائض. وقد بني جوردون براون المزيد علي هذه النجاحات وأعطي سلطات إضافية للبنك المركزي البريطاني تجعل له كلمة مسموعة في ضبط حركة التضخم ولكنه لم يستطع أن يعالج مشكلة ضعف القدرة التنافسية. ومنذ عام 1997 كان المتوسط السنوي لنمو إجمالي الناتج المحلي في بريطانيا 8.2% وذلك علي الرغم مما حدث من تباطؤ في عامي 2002 و2005 وهو أعلي من متوسط معدل النمو في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية الذي لم يكن يتجاوز ال 5.2% سنويا.. كذلك تم خلال السنوات العشر الأخيرة إيجاد 5.2 مليون فرصة عمل جديدة مما أدي إلي انخفاض معدل البطالة إلي أدني مستوياته منذ عقد السبعينيات علي الرغم من تدفق المهاجرين الأجانب والزيادة في طالبي العمل من كبار السن، كذلك تمكن البنك المركزي من السيطرة علي التضخم.. وقد توقع براون أخيرا أن يصل معدل نمو الاقتصاد البريطاني في العام الجديد إلي 3% وأن يظل التضخم تحت السيطرة بحيث تصبح زيادته إلي 3% في ديسمبر الماضي مجرد زيادة استثنائية. ولكن المعضلة أن نمو الاقتصاد البريطاني صار يعتمد علي ثلاثة عناصر ليست هناك ضمانة لاستمرار وجودها.. العنصر الأول هو زيادة الإنفاق الحكومي بمعدل يفوق معدل النمو حيث تضاعف الإنفاق علي التعليم والمواصلات والصحة وزاد الإنفاق علي الخدمات العامة الأخري، ولا يدخل في ذلك ما يقدمه القطاع الخاص من تمويل لبناء المدارس والمستشفيات والسجون كذلك زادت معاشات القطاع الحكومي زيادة كبيرة. أما العنصر الثاني الذي يعتمد عليه النمو الاقتصادي في بريطانيا فهو زيادة إنفاق المستهلكين وهي زيادة يدعمها الارتفاع في أسعار المساكن وإن كانت ناجمة أيضا عن زيادة ديون الأفراد، ففي عام 1997 كانت ديون الأفراد مساوية للدخل المتاح، أما في عام 2006 فقد صارت تمثل 160% من الدخل المتاح، ومع زيادة أسعار الفائدة ثلاث مرات في 6 شهور فإن هذا العنصر صار مهددا بالنضوب. ويبقي العنصر الثالث وهو تدفق المهاجرين بأعداد هائلة بلغت 600 ألف مهاجر من دول الاتحاد الأوروبي الأخري منذ مايو 2004.. ويقول المعهد القومي البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية إن المهاجرين زادوا الإنتاج في بريطانيا بأكثر من 1% منذ عام 2004 وبأكثر من 3% منذ عام 1997.. ومع اتجاه دول الاتحاد الأوروبي الأخري إلي فتح أبوابها للمهاجرين يمكن أن تفقد بريطانيا هذا العنصر المهم. ومثل معظم الدول المتقدمة انخفض نصيب بريطانيا من الصادرات العالمية لصالح الأسواق الناشئة، وأصبحت بريطانيا تعاني عجزا تجاريا بلغ 82 مليار جنيه استرليني في العام الأخير حتي سبتمبر ،2006 وإذا كان فائض صادرات الخدمات يغطي ثلث هذا العجز والتدفقات المالية والاستثمارية تغطي ثلثا اَخر فإن الوضع النهائي يعني بقاء عجز في الميزان الحسابي يقترب من 27 مليار جنيه استرليني.. وهذه هي أول نقطة ضعف في الاقتصاد البريطاني حاليا. أما نقطة الضعف الثانية فهي انخفاض الإنتاجية علي نحو يهدد قدرة بريطانيا التنافسية.. وحتي الاَن لاتزال إنتاجية العامل البريطاني أقل من مثيله في فرنسا أو ألمانيا أو الولاياتالمتحدة.. وتأتي نقطة الضعف الثالثة وهي زيادة التدخل الحكومي في الاقتصاد، فالحكومة العمالية أوجدت وحدها في العقد الأخير 700 ألف فرصة عمل في القطاع العام أي أكثر من ربع فرص العمل التي أوجدها الاقتصاد في مجموعه خلال تلك السنوات العشر. وتبقي نقطة ضعف رابعة وأخيرة وهي انخفاض الإنفاق الاستثماري للشركات خاصة في مجال الأبحاث والتطوير، وربما كان هذا راجعا إلي تزايد العبء الضريبي في تلك السنوات العشر، ففي حين كانت الضرائب عام 1997 تمثل 8.34% من إجمالي الناتج المحلي صارت في عام 2006 تمثل 3.37% من إجمالي الناتج المحلي وهو معدل ضريبي أعلي من مثيله في كل من الولاياتالمتحدة واليابان وحتي ألمانيا. ومن جملة العناصر السابقة كان طبيعيا أن يقرر المنتدي الاقتصادي العالمي في سويسرا في العام الماضي تأخير ترتيب بريطانيا من المركز التاسع إلي المركز العاشر بين دول العالم من حيث القدرة التنافسية.