بحلول الحادي والثلاثين من أغسطس الحالي لن يكون علي أرض العراق إلا خمسون ألف جندي أمريكي قيل انهم باقون من أجل تدريب القوات العراقية علي أن يتم الانسحاب الكامل بنهاية العام القادم وبذلك سيصبح عدد القواعد العسكرية الأمريكية 94 قاعدة بدلا من ،375 وكانت الكتيبة الرابعة وهي آخر كتيبة عسكرية أمريكية قتالية قد انسحبت في 19 من الشهر الحالي متوجهة إلي الكويت المحطة الآمنة الأولي في طريقها إلي أمريكا. ** تساؤلات مطروحة خرجت القوات الأمريكية في وقت مبكر عن المتوقع المتوقع وتحت جنح الظلام وهنا ترد التساؤلات.. ماذا بعد الانسحاب؟ ما الذي يمكن أن يعكسه؟ هل يشي بارتفاع وتيرة الحرب في أفغانستان من خلال التركيز عليها كقضية تحتل الأولوية منذ أن جاء أوباما إلي البيت الأبيض؟ أم هل يمكن أن يمهد ذلك لإفساح المجال لشن عدوان علي إيران؟ وهل سيؤدي انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلي فراغ حيث شكك كثيرون في قدرة القوات العراقية علي تسلم المهام التي كانت القوات الأمريكية تضطلع بها؟ أسئلة ستتولي الأيام القادم الرد عليها. ** العراق والمصير المجهول؟ عدة انطباعات يعكسها انسحاب القوات الأمريكية من العراق، أولها أن دولة الغزو أمريكا غير مبالية اليوم بما يحدث من خلل بالغ في العراق الذي يعاني من وضع مأزوم خلفه احتلال دام أكثر من سبع سنوات، بالإضافة إلي قوات عراقية غير جاهزة لاستلام مهمتها الأمنية وغير قادرة بالتالي علي ضمان أمن أرض الرافدين قبل عشر سنوات من الآن، ثانيها أن انسحاب أمريكا من العراق الذي غزته في 20 مارس 2003 لا يشكل قصة نجاح أمريكية لافتة بل علي العكس يأتي كدلالة علي هزيمتها المنكرة، فأمريكا نجحت فقط في تدمير العراق.. تركته مشرذما منقسما.. فشلت في تحريره وإعادة اعماره.. أفرغته من مضمونه فلا ديمقراطية ولا حرية ولا حقوق إنسان، بمعني آخر وضعت العراق أمام مصير مجهول وسط حالة من التردي الأمني والتحلل السياسي ويكفي أنه بات غارقا في متاهة طائفية لزجة طفت علي كل شيء فيه وصارت هي الملمح الوحيد له. ** المأزق الأمني.. ولاشك أن انسحاب القوات الأمريكية المتعجل من العراق سيترك أرض الرافدين في مأزق أمني وفوضوي خطير يضع العراق علي سطح صفيح ساخن من تصفيات طائفية أو متاهة حرب أهلية وهو ما حذر منه رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول "بابكر زيباري" عندما أكد بأن قواته لن تكون مؤهلة لحفظ الأمن في العراق إلا في 2020 ويزداد الموقف خطورة مع اعتراف ساسة العراق أنفسهم بأن النخبة الحاكمة قد فشلت في إقامة نظام سياسي مستقر يحقق طموحات الشعب والسبب الخلافات الداخلية والشخصية.. ولا أدل علي عقم الوضع من صعوبة تشكيل حكومة حتي الآن رغم مرور أكثر من خمسة أشهر علي اجراء الانتخابات النيابية، كما لم يتم انتخاب رئيس للبرلمان ولا رئيس للجمهورية، هذا بالإضافة إلي وضع أمني يزداد تدهورا، ولا غرابة فلقد تركت أمريكا الساحة مفككة زاخرة بالفوضي. ** الاحتلال وهزيمته المنكرة خرجت القوات الأمريكية من العراق بليل وكأنها أرادت التستر وراء الظلمة بعد هزيمتها المنكرة في العراق، مراقبون يميلون إلي أن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو دلالة علي أن أمريكا في سبيلها إلي دخول حرب جديدة تستهدف فيها حزب الله والمنشآت الإيرانية النووية، فأمريكا تخشي علي قواتها المتمركزة في العراق فيما إذا شنت حربا علي إيران، إذ سيرتد هذا بالسلب عليها لاسيما مع نفوذ إيران الكبير داخل العراق، ولعل إصرار أمريكا وضغوطها غير المسبوقة من أجل التئام مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل لم ينبع من فراغ وإنما أريد به أن تكون مظلمة يجري تحتها شن العدوان المنتظر علي إيران، وقد حدث نفس السيناريو من قبل مع العراق وقبل غزوه عندما تحدث "بوش" الصغير عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة 2002 وأراد بذلك التغطية علي غزوه للعراق.