تحولت الأزمة المالية العالمية الأخيرة، إلي أزمة مالية عامة خلال العام الحالي ،2010 وينطبق هذا بصورة خاصة داخل منطقة اليورو، وبات الفرق بين العوائد علي السندات الألمانية والسندات اليونانية نحو 3.86%، في يناير الماضي، وظهر خطر جديد هو أزمة الثقة، والتي سيكون لها عواقب وخيمة علي البلدان الأعضاء الأخري ذات الوضع المتدهور، في ظل التركيز حاليا علي ما يتوقع حدوثه إذا لم يتم حل الأزمة. وتقول صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إنه ينبغي تقديم دعم مؤقت للمالية العامة للبلدان التي تعاني من المتاعب تحت قيادة ألمانية، وإجراء عملية قوية في إعادة التوازن والطلب الإجمالي القوي في منطقة اليورو ككل لذلك الطلب، حيث يعمل الدعم المقدم للمالية العامة علي نحو يمنع من انهيار الثقة علي المدي القصير، ومن ثم ينبغي علي البلدان الضعيفة أن تلزم نفسها بتخفيض الأجور، وتخفض الإنفاق في المالية العامة، وبالتالي فإن تقديم مساعدات من قبل صندوق النقد الدولي سيكون بغرض مساعدة فنية فقط، لأن الاستعانة بصندوق النقد الدولي تبرهن علي أن الاتحاد الأوروبي ليس اتحادا حقيقيا في الواقع. ويقول خبير اقتصادي في صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إن الأمر السائد في منطقة اليورو هو أن الأزمات تأتي نتيجة لعيوب في السياسة لدي بعض البلدان خاصة ذات السياسة المالية العامة المتهاونة فوق الحد، وهو ما أكده في مقابل له منذ أسبوعين، حيث إن الحكومة اليونانية تعترف بأنها قامت في الماضي بتزوير أرقام البيانات، ومع ذلك فإن ايرلندا وأسبانيا تعانيان كذلك من تدهور ملحوظ في أوضاع المالية العامة، وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتدهور العجز المالي للحكومة بأكثر من 12% من الناتج المحلي في ايرلندا، و10% في اسبانيا، بنهاية 2010. ويقول إن أسبانيا علي الرغم من الانتفاخ المخيف في العجز العام في السنة الماضية والذي بلغ نحو 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4.1% في ،2008 إلا أنها تختلف تماما عن اليونان، وتعد بريطانيا هي المثال الأقرب لها فكل من البلدين دخل الأزمة بدين عام يقدر بنحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت أسبانيا أكثر استعدادا، وجلبت حكومتها فائضا خلال ذروة الأزمة العالمية، كما حافظت علي وضع البنوك في حال أفضل مما تعرضت له المصارف البريطانية والتي شهدت انهيارا لم تشهده علي مر التاريخ وكانت الأسوأ في مستوي العالم. وحاليا يلعب القطاع العام دورا كبيرا في الحفاظ علي الناتج المحلي والذي تراجع أكثر من تقديرات 2009 البالغة نحو 3.6%، لأن فقدان الوظائف أصبح واضحا فالبطالة الآن عند مستوي 19.5%، ومن ثم ضعف الطلب علي القطاع الخاص، ويعمل المسئولون حاليا علي خفض العجز إلي 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول ،2013 وما ينبغي علي أسبانيا تحقيقه حاليا هو ضرورة تحقيق النمو المستدام، ولذلك فإن البطالة المزمنة في أسواق عمل جامدة تعد مشكلة أكبر بثير من حدوث العجز. والسمة المشتركة للبلدان التي تعاني من صعوبات هي تمتعها في الماضي بطفرات كبيرة بدافع من الائتمان، وعملت القطاعات الخاصة في تلك البلدان بقوة، وأنفقت مبالغ تفوق دخلها بكثير، الأمر الذي أدي إلي زيادة الدخل الضريبي للحكومات، وتقليص الإنفاق العام، ومن ثم وجود عجز تجاري هائل لكنه سهل التمويل، وكان من شأن ذلك أيضا تحقيق الفائدة للصادرات والنشاط التجاري للشركاء التجاريين، ثم جاء الانهيار فتراجع العرض المحلي من المقترضين الخاصين من ذوي الملاءة المالية في الاقتصادات المدفوعة بالفقاعات، وانهار معه الانفاق الخاص، وانهار نتيجة لذلك وضع المالية العامة، وحل الاقتراض الحكومي "المالية العامة"، مكان الاقتراض الخاص باعتباره البديل المقابل للعجز الخارجي الكبير، رغم أنه كان في حالة تناقص. وعن ألمانيا التي تقول إنها بامكانها مساعدة المنطقة في الخروج من أزمتها، تقول الصحيفة إن ذروة عجز المالية العامة في ألمانيا بلغت نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام ،2003 وتمكنت ألمانيا من تعويض الضعف الكبير في الطلب المحلي من خلال الطلب الخارجي النشط، من داخل منطقة اليورو وخارجها، والواقع أن كمية كبيرة من الزيادة نسبتها 70% في الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بين عامي 1999 و2007 كانت تعود إلي الزياد في صافي صادراتها. وألمانيا في الوقت الحالي بحاجة إلي رد الجميل، بصورة أوضح، فالسبيل الوحيد أمام بلدان منطقة اليورو حتي تقلص العجز الهائل في ميزانياتها العامة، دون انهيار اقتصاداتها، هو هندسة فقاعة ائتمانية أخري في القطاع الخاص، أو التوسع الهائل في صافي الصادرات، الحل الأول غير مرغوب، والحل الثاني يتطلب تحسين القدرة التنافسية ضرورة زيادة قوة الطلب الخارجي في الوقت الحاضر وأي من الحلين غير متوافر، ومن الصعب إعادة القدرةالتنافسية حين يكون اليورو في وضع قوي ويعود بعض السبب في ذلك إلي أن ألمانيا تتمتع بقدرة تنافسية كبيرة، كما أن التضخم في منطقة اليورو منخفض بدرجة كبيرة. وتبرهن الاسواق حاليا ضعف ارادة الحكومات والمجتمعات في تحمل الانكماش، ومن المؤكد أن بريطانيا لن تفعل ذلك أبدا، ومن ثم يري خبير بريطاني أن اليورو ليس الخيار المناسب لذلك البلد، وهذا هو السبب أيضا في أهمية الاختلالات في الحساب الجاري في منطقة اليورو، فليس السبب متمثلا فقط في أن عجز الحساب الجاري يشكل نزيفا علي الطلب الضعيف أصلا، فالسبب كذلك هو أن هذه بلدان متعددة، وليست أجزاء من بلد واحد سيهتم الافراد في تلك البلدان بما إذا كانت حكومتهم مصابة بالاعسار، أو ما إذا كانت بلدانهم ستعاني من عقود من الركود الاقتصادي فضلا عن ذلك فإن الحكومة الفيدرالية الأمريكية ستظل قائمة في مكانها تؤدي وظيفتها، ولكنه لا يوجد في أوروبا حكومة فيدرالية من هذا علي شاكلة هذا القبيل.