قبل أكثر من عشر سنوات، نجحت أوروبا في تحقيق سياسات تجارية متناغمة استطاعت أن تنتقل إلي وحدة اقتصادية وأن تتوصل إلي إصدار عملة أوروبية موحدة (يورو) أنهت إلي الأبد الاضطراب الناتج عن اختلاف أسعار الصرف الذي ظهر منذ انهيار نظام (بريتون وودز) في سبعينيات القرن الماضي. ولكن لم تكد تجربة اليورو تنجح ،حتي بدأت عوامل داخلية، وأبرزها أزمة الديون اليونانية توجه لكمة قوية للعملة الأوروبية الموحدة، خاصة أن تداعيات الأزمة بدأت تتجاوز حدود أوروبا وأمريكا لتضرب الاقتصاد العالمي. زلزال الديون اليونانية وتداعياته علي قوة اليورو، جعل أحد الخبراء الماليين الأوروبيين يشخص حالة العملة الأوروبية الموحدة حاليا علي أنها " شيخوخة مبكرة ". فقبل أيام ، هبط سعر اليورو الي أدني مستوياته في أربع سنوات أمام الدولار ، بعد ان حظرت ألمانيا بيع السندات الحكومية الخاصة بمنطقة اليورو علي المكشوف ،مما أثار حالة من عدم التيقن وموجة جديدة من تجنب المخاطر رفعت أسعار الدولار الأمريكي والين الياباني..وانخفض اليورو بنسبة 15٪ أمام الدولار حتي الآن هذا العام متأثرا بمشكلة ديون أوروبا واجراءات تقشفية لمواجهتها. والحقيقة أن الحظر الألماني علي بيع السندات ، أثار المخاوف بشأن ما اذا كانت اجراءات تنظيمية أخري في الطريق ، وما اذا كانت دول أخري ستتبع خطي ألمانيا.وقوضت تصريحات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي قالت فيها ان اليورو في خطر الثقة بدرجة أكبر في العملة الموحدة. وعلي الرغم من حزمة الإنقاذ التي تم الإعلان عنها في نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن وضع اليورو معرض للخطر. فقد أصبحت المشاعر تجاه العملة الموحدة سيئة فعلياً بعد التحسن المبدئي الذي وفره تسهيل التمويل الطارئ بقيمة 750 مليار يورو (950 مليار دولار)، الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وبالنسبة لبعض المستثمرين، وبالنظر إلي استمرار عدم اليقين في منطقة اليورو، السؤال الرئيسي المطروح حالياً هو إلي حد يمكن أن تنخفض العملة أكثر مما انخفضت حتي الآن؟ فعلي مدي السنوات الماضية، كانت قصة اليورو تتمثل في تزايد مصداقيته وقوته، باعتباره عملة الاحتياط الأكثر شعبية بعد الدولار. وكان تنويع ممتلكات الاحتياطي العالمية مصدراً لدعم اليورو، حين سعت البنوك المركزية إلي تعديل محافظها بعيداً عن الدولار..لكن محللين يتوقعون أن يفاقم انخفاضه الأخير إلي أدني من 1.22 دولار المخاوف بشأن مكانته. ويقول بيت ساينثالر، الخبير ببنك "يو بي إس" السويسري: "أثارت حزمة الإنقاذ مخاوف خطيرة وطويلة الأمر بشأن اليورو، الأمر الذي يمكن أن يجعل مديري الاحتياطيات أكثر إحجاماً عن شراء العملة الموحدة" ، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية وفي السياق ذاته ، يتوقع إيان ستانارد، الخبير ببنك ( بي إن بي باريبا) أن ينخفض اليورو إلي مستوي يتعادل فيه مع الدولار بحلول الربع الأول من عام 2011عندما يتخلي مستثمرو الأجل الطويل عن منطقة اليورو، وحين يصبح مركز العملة كاحتياطي موضع تشكيك. ويري ستانارد أنه :" لم تعد أسواق السندات الأوروبية كياناً متجانساً، الأمر الذي قلل جاذبيته بالنسبة للمستثمرين الأجانب". وفي تقييمها لأزمة اليورو، رأت صحيفة (فايننشال تايمز) أن "التغير الذي حدث علي التوجه نحو العملة الأوروبية يثير القلق إزاء الرغبة في الاحتفاظ بها كعملة احتياط والذي مثل دعما رئيسيا لها في السنوات السابقة". وخلصت إلي القول إن " الضعف والتراجع في وضع العملة الأوروبي الموحدة سيستمر بصورة كبيرة. حازم مصطفي