توقفت مؤخرا عند حدث إليكتروني شهدته مصر وهو انضمام جمال مبارك، أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، إلي هؤلاء الساسة الذين يلجأون للتكنولوجيا الحديثة والإنترنت. فأبرز التجارب السياسية في الفترة الأخيرة توضح إلي أي مدي نجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في استخدام ثورة الإنترنت لحشد المؤيدين والترويج لحملته وحصد نجاحا باهرا في ذلك. وحذا حذوه رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون الذي استخدم موقع يوتيوب لبث رسائل إلي الشباب البريطاني لتأييد أجندته، كما ان معارضي انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد استخدموا موقع تويتي بنجاح واسع وكان همزة الوصل الرئيسية بينهم وبين العالم الخارجي خلال مظاهرات التعبير عن رفضهم للنتيجة. لكن رغم أن الإنترنت مجال مفتوح للجميع وقوة ضاربة منذ بداية التسعينيات إلا أن الحزب الوطني الديمقراطي يبدو متأخرا في اقتحام الفضاء الاليكتروني، خاصة بالمقارنة بالتطور المتلاحق والسريع لاستخدام شريحة الشباب عموما للتكنولوجيا والإنترنت، وقد أدي ذلك التأخير لدي الحزب الحاكم في عدم مواكبة تلك التطورات إلي بقائه خارج تلك المنظومة خلال السنوات الماضية بينما كانت المدونات والمجموعات التي تتكون علي مواقع مثل "فيس بوك" في غالبيتها لأصوات معارضة للنظام، أو أصبحت كذلك بعد ان كانت تلك الأصوات علي الحياد، أو لسيطرة الأصوات المعارضة وقوة تأثيرها في الكتلة التي كانت غير مهتمة أو محايدة ومن السهل استقطاب شرائح جديدة معارضة للحزب الوطني في ظل غيابه عن تلك الساحة الاليكترونية وعن الشارع عموما بكل فئاته العمرية والاجتماعية، لكن من الصعب استقطاب شرائح جديدة مقتنعة بسياساته او حتي بنوايا الحراك السياسي وأهدافه ورغم ان بعض المراقبين يصف حركة المعارضة في مصر بأنها تحولت إلي "حركة نضال اليكتروني" بعيدا عن التحرك الفعلي في الشارع السياسي، إلا أن ذلك التقصير من أحزاب وقوي المعارضة لم يستفد منه الحزب الوطني نفسه. وبعيدا عن التواجد الاليكتروني فقد ظل الحزب الوطني في أرض الواقع بلا شعبية، لان الانطباع السائد أن المنتفعين أو من يطمحون للترقي وتحقيق منافع في البزنس والسياسة وحتي الوظيفة ينخرطون في عضويته، ولم تكن له علي امتداد عقود القدرة علي جذب أنصار، كما انه فشل في أن تكون لديه مصداقية لدي الجماهير، بل حتي ان هناك من بين اعضائه من يتحرجون أو يخفون أنهم اعضاء في الحزب الوطني ورغم محاولة انضمامه إلي معترك الإنترنت في خطوة محمودة، إلا أنه لابد من ان يبحث عن توسيع قاعدة حقيقية من الأنصار الشباب الذين لديهم قناعة بامكانية التغيير داخل الحزب. فلو أخذنا مثالا مجموعة من شباب 6 ابريل وهي المجموعة التي تكونت علي الفيس بوك لتأييد الإضراب العام في مصر فإن عدد أعضائها بلغ أكثر من 74 ألف عضو. بينما بلغت المجموعة المشاركة في توجيه الأسئلة إلي جمال مبارك علي الفيس بوك حوالي 3500 عضو بين مؤيدين ومعارضين للحزب الوطني. واذا علمنا ان مستخدمي الإنترنت في مصر يمثلون حوالي 15% من السكان، يعني 12 مليون مواطن فإن مبادرة الحزب الوطني نجحت في استقطاب ما نسبته 029.0% فقط "29 من الألف" من مستخدمي الإنترنت في مصر. وعلي الرغم من ان المبادرة أصلا تسعي للوصول إلي شرائح معينة من الشباب ولا تدعي انها تسعي للوصول إلي رجل الشارع العادي، إلا أن النتيجة التي تحققت ضئيلة للغاية. وفي رأيي أن أهمية هذه المبادرة الجديدة من الحزب الوطني لا تكمن في مضمون الأسئلة والأجوبة من طرفي التواصل، المستخدمين وجمال مبارك وانما تكمن في استخدام شكل جديد للتواصل مع الناس حتي لو كانوا فئة وشريحة محدودة، وأري أنه انفتاح جديد نحو الشباب يفتح آفاقا في الحياة السياسية مع فئات جديدة من الشعب المصري التي تستخدم التكنولوجيا العصرية وكمراقبة أقرب إلي شريحة الشباب فاني أدرك انهم يشتكون من عدم وصول صوتهم إلي متخذي القرار في مصر، مثلهم في ذلك مثل غالبية البسطاء الذين ينتقدون سياسات الحزب وحكومته التي هي في واد وهم في واد آخر.