دائما ترسم أمريكا لنفسها صورة الدولة الداعمة للحريات فى العالم ودخلت الكثير من الحروب بدعوى الدفاع عنها فى أفغانستان والعراق.. لكنها كشفت عن نفسها فى سقطة ديكتاتورية جديدة للرئيس الأمريكى باراك أوباما بإصدار قانون مثير للجدل وكأنه نسى أن الإنترنت لعب دورا كبيرا فى جعله رئيسا، أو يمكن لأنه يدرك مدى قوة الإنترنت و يريد قتلها بحجة أمن أمريكا، متفوقا على كل الديكتاتوريين الذين قال: إنه يناضلهم من طهران لبكين وبيونج يانج. بداية هذه القضية اللا إنسانية التى شابه فيها أوباما «نجاد» الرئيس الإيرانى عندما أعلن تطبيق قانون إغلاق شبكة الإنترنت فى وقت الأزمات الوطنية، وسط انتقادات ومخاوف من سيطرة أمريكية على الإنترنت وقال أوباما: إنه سيكون قادرا على إغلاق محركات البحث الأقوى والأشهر مثل جوجل وياهوو لوقف وصول مواقعها على شبكة الإنترنت فى أوقات الطوارئ الوطنية. وساند الحزب الديمقراطى رئيسه أوباما وفى مقدمتهم المرشح الرئاسى السابق جوزيف ليبرمان والذى يرأس لجنة الأمن الداخلى الأمريكية فى اجتماعه مع مجلس الشيوخ بتأكيده دعمه للقرار، قائلا: إن الحكومة الأمريكية تسعى إلى منح صلاحيات واسعة طارئة للرئيس لفرض سيطرته على شبكة الإنترنت فى أوقات الطوارئ الوطنية. وأضاف أن هذا يحقق الأمان للدولة وللمواطنين، خاصة من هجوم القراصنة على النظام المالى فى الولاياتالمتحدة، حيث زاد عدد الهجمات على الإدارات الحكومية بنسبة 400 فى المائة فى السنوات الثلاث الماضية وقال: إن مشروع القانون كان ضروريا للحفاظ على تلك الشبكات والأصول وبلدنا وحماية شعبنا، وفقا لصحيفة الديلى ميل البريطانية. وقال موقع تليفزيون «بريزون بلانت» الأمريكى إن ليبرمان يسعى منذ سنوات لتمرير قانون يمنح الرئيس الأمريكى «السلطة المطلقة» للسيطرة على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، بتفويض من الكونجرس، بحيث يتاح له «قتل الشبكة» بمجرد الضغط على زر، فى حال أى تهديد للأمن القومى الأمريكى . ويبرر ليبرمان سعيه لتمرير القانون بجرائم الإنترنت الأمنية، خاصة استغلال العناصر الإرهابية لشبكة الإنترنت فى الإعداد لهجمات على أهداف أمريكية. وستفرض الولاياتالمتحدة سيطرتها على خدمة الإنترنت داخل الولاياتالمتحدة فى أوقات الطوارىء كنوع من الأمن القومى، على أن تخضع الشركات التى ترفض الامتثال لغرامات ضخمة. ويهدف مشروع القانون الذى يعرف رسميا باسم «حماية الفضاء الإلكترونى كثروة وطنية» PCNAA إلى منح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارىء وإعطاء أوامر محددة لشركات الإنترنت كأن يأمر على سبيل المثال بتثبيت برامج معينة على أجهزة الكمبيوتر أو تعطيل شبة الإنترنت بشكل محدد وذلك لحماية ما يصفه السناتور ليبرمان «بالشبكات الحيوية للأمن القومى». من جانبهم وصف منتقدو القانون الجديد، بأنه غير عادل وسيكون استغلالا سيئا للسلطة تمكن البيت الأبيض من السيطرة على الإنترنت، وبينما ترحب الشركات الكبرى التى يقوم عملها على الإنترنت بالقانون لأنه يضمن لها تعويضا ماليا فى حال توقف الشبكة فإن جماعات الضغط والجماعات الحقوقية تعارض القانون بشدة، فتحذر جماعة الضغط التقنية الأمريكية «تك أمريكا» من أن مثل هذا القانون، يصادر حرية التعبير، ويجعل أمريكا تمارس الرقابة نفسها التى تمارسها الصين على الإنترنت وترى جماعات حقوقية أن الحكومة الأمريكية تسعى إلى الحصول على أى وسيلة تسيطر بها على الإنترنت.. ويتحجج أصحاب القانون بأن أمن أمريكا معرض للخطر عن طريق الإنترنت ، فمثلا وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون تعرضت لأكثر من 45 ألف هجمة إلكترونية ، وقدر تقرير حكومى أمريكى خسائر الوزارة خلال العام الماضى جراء ذلك بنحو 100 مليون دولار. وقال تقرير للمفتش العام فى وزارة الأمن الوطنى الأمريكية: إن عدد الاختراقات الأمنية على الإنترنت ينمو بشكل كبير، ووفقا لتحليل مكتب المحاسبة الحكومية، فإن عدد الحوادث الأمنية التى أعلن عنها من قبل وكالات فيدرالية زاد بنحو 400 فى المائة بين عامى 2006 و 2009 . ستدير عملية إصدار ومراقبة تنفيذ أوامر الرئيس فى هذا الشأن وكالة جديدة اسمها «المركز الوطنى لأمن نظم المعلومات والاتصالات» (NCCC) حيث سيكون لزاما على الشركات الامتثال الفورى لتعليماته أو مواجهة عقوبات قانونية وغرامات مالية ضخمة. كما سيتمتع هذا المركز الوطنى أيضا بالقدرة على تنفيذ التدابير الأمنية التى توافق عليها الحكومة الفيدرالية كتشفير البيانات أو فرض الاحتياطات الأمنية على مواقع الإنترنت الخاصة ومقدمى خدمة الإنترنت، وغيرها من الشركات المتصلة بالإنترنت. ويمكن للمركز أيضا أن يطلب من هذه الشركات تبادل المعلومات مع الحكومة الفيدرالية وتزويدها بآخر مستجدات الأوضاع الأمنية لديها. ولإقناع الشركات المزدوة لخدمات الإنترنت بتبنى القانون الجديد بعد إقراره تمت إضافة مواد إلى مسودة المشروع تحمى تلك الشركات من أية ملاحقات قضائية عند استخدام الرئيس الأمريكى لصلاحياته. يبدو أن أوباما نسى أن أحد الأسباب التى جعلت حملته الانتخابية تحدث مثل تلك الضجة والنجاح هو استخدام أوباما بشكل مكثف وفعال للإنترنت، وهو الأمر الذى من المتوقع أن يغير السياسة للأبد، ففى تقرير لها يرصد تأثير الإنترنت على السياسة وتحديدا حملة أوباما الانتخابية كنموذج لهذا التأثير، قالت «نيويورك تايمز» إن ما حدث يمثل نقلة تاريخية فى علاقة تكنولوجيا الاتصالات مع السياسة ومن المتوقع أن يسفر هذا التزاوج عن تغير وجه السياسة والمعادلات والمفاهيم السياسية للأبد. استخدم أوباما الإنترنت من أجل تنظيم مؤيديه بطريقة كانت تحتاج فى الماضى جيشا من المتطوعين والمنظمين الذين يتقاضون مرتبات. فقد تغيرت الأدوات المستخدمة من عام 2004 إلى عام 2008 وكسب أوباما اللجنة الحزبية فى كل ولاية تهتم بالأمر بفضل استخدام تلك الأدوات حيث كان فى استطاعته أن يحرك آلاف الأشخاص للقيام بعملية تنظيم الحملة الانتخابية. كما كان استخدام حملة أوباما لميزة العرض المجانى على اليوتيوب عبر الإنترنت ميزة مكنت المشاهدين من متابعة تلك العروض الخاصة بالحملة الانتخابية لأوباما كما كانوا يرسلونها لأصدقائهم عبر الإنترنت، وهذه الوسيلة أفضل من المشاهدة عبر التليفزيون والتى قد يقطعها التليفزيون فى أى وقت لتقديم البرامج والعروض الأخرى. المادة الإعلامية الرسمية للحملة الانتخابية قد عرضت لمدة 5,14 ساعة مجانية. ولكى تشترى هذه المدة من التليفزيون فإن تكلفتها 47 مليون دولار أمريكى. كما أن الإنترنت وفرت ميزة الإبحار والفحص حيث كان فى مقدور المواطنين استخدام الإنترنت للبحث عن والاستماع للخطابات السابقة للمرشحين والتى قد تثبت خطأ السياسى وتمنح الناخب فرص إعادة تقييم هذا المرشح أو ذاك، واستخدام الإنترنت أيضا للتأثير على رفاقهم وأصدقائهم وتوجيههم. وما لفت الانتباه فى نجاح أوباما هو إنفاق حملته الانتخابية على إعلانات الإنترنت الذى فاق ال5,5 مليون دولار حصلت منها جوجل على 3,3 مليون دولار بينما حصلت ياهوو على 700 ألف دولار وميكروسوفت على 240 ألف دولار، وموقع CNN على حوالى 200 ألف دولار وتوزع باقى المبلغ على مواقع مختلفة. وفى مارس الماضى كان أوباما نفسه الذى يوافق على قانون مصادرة الحريات على الإنترنت اليوم يؤكد أنه سيعمل على توفير شبكة الإنترنت للإيرانيين «بدون خوف من الرقابة»، وانتقد طهران لأنها عزلت نفسها، فى تبدل طفيف فى لهجة الخطاب الأمريكى حيال طهران. وشدد على أهمية الإنترنت للحد من جهود حكومة طهران فى قمع المعارضين وعلى دور أكبر للولايات المتحدة لضمان استمرار الاتصالات عبر الإنترنت داخل إيران، ووعد أوباما بأن تعمل الولاياتالمتحدة «على ضمان أن يتمكن الإيرانيون من الحصول على الوسائل المعلوماتية وتقنية الإنترنت التى ستجعلهم قادرين على الاتصال فيما بينهم ومع العالم بدون خوف من الرقابة». وفى يونيو الماضى قام موقع تويتر بإرجاء عملية الصيانة لأن مؤيدى المعارضة الإيرانية يستخدمونه. وقبل أن يفكر أوباما فى ضغط زر توقف الإنترنت عالميا هل فكر فى أن التعليم والكثير من المصالح الأمريكية تعمل بالإنترنت بالإضافة إلى البنوك والبورصة والتعاملات المالية الدولية والتحويلات البنكية وحركة الطيران والقطارات والملاحة وحتى منظومات الصواريخ، بالإضافة إلى السياسة التى استخدم أوباما نفسه الإنترنت أثناء حملته الانتخابية فيها.. كل ذلك يعمل اليوم فى منظومة متكاملة ومفتوحة وأن ضغط زر توقف الإنترنت سوف يصيب العالم كله بحالة شلل؟