لأن مصر دولة مركزية، لذلك لانجد اهتماما بما يجري خارج عاصمتها اللهم إلا إذا كان الأمر كارثة يمكن من خلالها ان نمسك بخناق الحكومة، ونبدأ في موال اللطم الأزلي الذي نقيمه كل يوم دون ان تسمعنا الحكومة، ودون ان يغمض لها جفن اللهم إلا إذا صوت الرجل أراه وحده القادر علي ان يجعل الحكومة تركز أبصارها إلي آلامنا نحن عموم المصريين، وأعني به الرئيس حسني مبارك. لا أقول ذلك مجاملة أو نفاقا ولكني أقوله من تتبعي لمسار رحلة التوجيهات التي تنقذ ما يمكن انقاذه، وهي التوجيهات التي يصدرها السيد الرئيس. كان هذا هو ما أفكر فيه وأنا متجه إلي واحة من واجات الأفكار النقية والثرية، وأعني بها مكتبة الإسكندرية، تلك المكتبة التي اعتبرها آخر معقل للعقل والوجدان المصري، والتي ترصد بكل من فيها من قدرات وخبرات كل ما يمكن ان يضيف لنا. ولكن بما أن هناك دائما صلة مقطوعة بين الحكومة وبين المكتبة اللهم إلا في المناسبات الرسمية التي يقوم فيها السيد الرئيس بزيارة المكتبة، أو تقوم قرينته الفاضلة سوزان مبارك بافتتاح مناسبة ما من مناسبات المكتبة، فهنا يمكنك ان تري الحكومة وهي تقف علي ساق واحدة، وتقول للمكتبة "شبيك لبيك أنا تحت أمر أفكار المثقفين الذين يجتمعون في قاعاتك" ولا يخرج الأمر عن ذلك أبدا. بدليل ان المكتبة قامت بتأسيس جمعية للشفافية، وبدأت سلسلة من مؤتمرات اليوم الواحد، لكن الجمعية بأخبارها اختفت بقدرة قادر أو أن أعمالها لا تصل عبر قسم الإعلام إلي الصحف ووسائل الإعلام، لا يصلنا إلا أقل القليل من أخبار وندوات المكتبة ومراكز أبحاثها السبعة، ولكن يصلنا دائما أخبار قصاصات أوراق الصحف التي تحكي عما مضي وكأن قسم الإعلام بالمكتبة بحكم تبعيته للدكتور خالد عزب مسئول الإعلام هو السب في هذا الاحتفال غير المبرر بما مضي من تاريخ مصر دون التفات إلي تاريخ المشكلات المصرية العصيبة التي نعاني منها مثل مشكلة الفقر وللدكتور اسماعيل سراح الدين المسئول عن المكتبة رأي شديد الوضوح فيها ، ومشاكل الافساد الذي يتسبب فيه التخلف العلمي الشديد، ومشاكل الأمية المعرفية بما رأت فيه المكتبة من وسائل لمقاومة تلك الأمية. ولن أتوقف أمام الخبر المبتسر الذي وصلني عن تحقيق بعض من الشباب الصغير السن مراكز متقدمة في مسابقات البحث العلمي علي مستوي الكرة الأرضية، وكنت أتمني ان اقرأ تقريرا مطولا عن أسلوب كل من هؤلاء الشباب وكيفية تربيتهم، ولا مفر من ذلك لسبب بسيط هو ان هدي الميقاتي التي تشرف علي اكتشاف تلك العقول لا تملك القدرة الإعلامية التي تبرز ما يحمله الرحم المصري من مواهب، ولكنها قادرة علي قراءة ما في هذا الرحم المصري من قدرات تفوق خيالنا في احيان كثيرة، ذلك أن خيالنا توقف طويلا أمام قاتل هبة ونادين والشاب المهووس الذي تحرش بسيدات المعادي، واعداد المحكوم عليهم بالاعدام ولم ينتبة قفسم الاعلام بالمكتبة إلي اهمية ان نتعرف علي حقيقة زراعة الامل في مصر، وطبعا اعلم قدر الجهد والمشقة الواقع علي اكتاف محمد مصطفي ونفر قليل من زملائه واعلم ان اعدادا هائلة من الباحثين يعملون في مشروع ذاكرة مصر، الرائع بقدر ما يمكن ان يدرسه من مشكلات مصرية حقيقية بدلا من الاكتفاء بشراء ألبومات صور جلالة الملك فاروق الذي مازلت اذكر في طفولتي ما كان يكتبه الفقراء علي جدران شوارع الاسكندرية حيث نشأت، كانوا يكتبون "أين الغذاء والكساء ياملك النساء"، واضحك حين اتذكر راقصة مشهورة من العهد الملكي وهي تحكي في ليلة سكر شديدة كيف كان الملك فاروق محدود القدرات في المجال العاطفي إلي حد يثير الضحك، وقد اورد الروائي الفذ فتحي غانم تفاصيل اعترافات الراقصة السابقة في رواية "بنت من شبرا". وكل ما احلم به أن تتوسع المكتبة في قسم الاعلام فتضعنا في صورة ابحاث وندواتها دون ان تتحمل اطنان الآلاف من النقود لدعوتنا لحضور تلك الندوات، واثق ان كلا من اسماعيل سراج الدين ومعه خالد عزب لن يبخلا علينا بصورة فعلية وحقيقية عن الذي يجري بالمكتبة، بدلا من التركيز علي ما حققه مشروع ذاكرة مصر من شراء لألبومات الصور ولست اظن أن اعادة ترتيب مساحات الضوء الصادر من مركز الاعلام بالمكتبة صار امرا واجبا، في دولة يهتم اعلامها بما يوجد في القاهرة، ولا توجد درجة من الانتباه الراقي لما تضيفه العقول الكبيرة في تلك المؤسسة التي تهدف إلي ابراز جهد مصر إلي العالم وابراز ما يضيفه العالم الينا. اكتب ذلك وكلي محبة واحترام لكل من يعمل في منطقة الضوء الاعلامي الباهت في مكتبة الاسكندرية، وايضا كل التقدير لمن يعملون في مشروعات مكتبة الاسكندرية التي توجد تحت قيادة د. خالد عزب مسئول الاعلام بالمكتبة.