نحن جميعا نعرف كيف يدار المزاد التقليدي حيث يقف الدلال أمام الحاضرين مناديا علي من يريد أن يدفع سعراً أعلي وعندما يكف الناس عن المزايدة يفوز صاحب السعر الأعلي بالصفقة. ولكن تخيل أن هناك مزادا لا يسمح لك الدلال فيه بأن تري المزايدين الآخرين وإن كان يؤكد لك أنهم موجودين خلف الستارة.. ولا يسمح لك الدلال أيضا بأن تعرف من هم هؤلاء المزايدين الآخرين وإن كان يخبرك بالأسعار التي يعرضها كل واحد منهم.. ومع ذلك فإن تقدمك بأسعار أعلي لن يضمن لك الفوز بالمزاد لأن الدلال يعمل بنظام يسمح لبعض المزايدين بالفوز حتي لو كانت أسعارهم أقل.. وأنت بالطبع لا تحب هذا النوع من المزادات ولكن دلال هذا المزاد الكريه يسيطر علي معظم السوق! وتقول مجلة "نيوزويك" إن هذا المزاد المتخيل هو ما تفعله شركة الإنترنت جوجل فمعظم الناس يعتقدون أن جوجل محرك بحثي حر علي الإنترنت.. وهو بالفعل كذلك. ولكن ذكاء جوجل الحقيقي أنها قررت أن علي المعلنين أن يدفعوا لها مبلغا من النقود لكي تظهر إعلاناتهم علي الشاشة كلما نقر شخص علي لوحة المفاتيح كلمة بعينها متفق عليها وهذه الإعلانات البحثية أي المرتبطة بمحرك البحث تمثل الآن الجزء الأكبر من كعكة الإنترنت الإعلانية ولأن محرك البحث جوجل هو المحرك الأكثر استخداما من جانب الغالبية العظمي من متصفحي الإنترنت فإن شركة جوجل تحصل علي نصيب الأسد من كعكة الإعلانات علي الشبكة الدولية. وهذا يعني أنها صارت من القوة بحيث يمكن أن تصبح في أي وقت هدفا لتحقيقات سلطة مناهضة الاحتكار الأمريكية. وليس صدفة بطبيعة الحال أن السلطات الفيدرالية الأمريكية نقوم حاليا بفحص صفقة عقدتها جوجل أخيراً مع المؤلفين لبيع الملايين من كتبهم عبر الإنترنت وذلك لمعرفة ما إذا كانت تنطوي علي أية مخالفة لقوانين مناهضة الاحتكار كما تتحري السلطات نفسها حول مدي مشروعية وجود عضوين بعينهما في مجلس إدارة كل من جوجل وأبل وأن أحد هذين العضوين هو أيريك شميت الرئيس التنفيذي لشركة جوجل وفي العام الماضي 2008 عندما حاولت جوجل عقد تحالف بحثي مع ياهو تصدت لها السلطات الفيدرالية معلنة أن هذا التحالف يخرق قوانين مناهضة الاحتكار وأجبرت جوجل علي التراجع عن اتمامه. ولا تزال شركة ميكروسوفت وهي منافس شرس لشركة جوجل تحث السلطات الفيدرالية علي كبح جموح جوجل ولعله ليس صدفة أن إحدي الشركات القانونية التي تتعامل معها ميكروسوفت تمثل في نفس الوقت شركة تريد كوميت وهي شركة صغيرة في نيويورك قامت برفع قضية ضد جوجل في فبراير الماضي تتهمها فيها بانتهاك قوانين مناهضة الاحتكار وإن كانت ميكروسوفت تنفي أية صلة لها بهذه القضية وفوق كل مانقدمه فإننا يجب أن نضع في الاعتبار أن إدارة الرئيس أوباما أكثر صرامة من إدارة الرئيس السابق بوش الابن في التعامل مع أي خروج علي قوانين مناهضة الاحتكار. وتتساءل مجلة "نيوزويك" عن سر كل هذه الجلبة والاهتياج مفسرة ذلك بأنه يرجع إلي أن ثلثي عمليات البحث علي الإنترنت من جانب المتصفحين الأمريكيين تتم عن طريق محرك البحث جوجل أما نصيب ياهو منها فلا يتجاوز 20% ثم تأتي ميكروسوفت في المؤخرة بنسبة 8% فقط وذلك حسب بيانات شركة الأبحاث إيماركتر وهذا معناه أنك إذا اردت بيع شئ عبر الشبكة الالكترونية فإنه سيتعين عليك الاعلان عنه لدي جوجل وحتي الآن فإن احدا لم يتمكن من ضبط جوجل متلبسة بإساءة استخدام قوتها أو ارتكاب اية انتهاكات ومع ذلك فإن إيراداتها من اعلانات الإنترنت في العام الماضي بلغت 22 مليار دولار وصافي أرباحها 4.2 مليار دولار هذا النجاح لا يمكن اعتباره وحده بالطبع دليل علي ارتكاب عمل محظور قانونا ولكنه بالقياس علي السوابق التاريخية يعد سببا لجر المتاعب علي اصحابه ففي سبعينيات القرن الماضي كانت LBM. بقي أن نقول انه من الصعب اتهام جوجل بحرق قوانين مناهضة الاحتكار لأن عملها بالغ التعقيد فنيا ومع ذلك فإن اقامة قضية من هذا النوع ضد اقوي شركة تكنولوجيا في العالم يظل مسألة تثير خيال الطموحين للشهرة من المسئولين عن حماية المنافسة ومناهضة الاحتكار سواء في الولاياتالمتحدة أو خارجها.