"من جاور السعيد.. يسعد" هذا المثل الشعبي يلخص في بساطة شديدة كيف يمكن للفقراء ان يتخلصوا من الفقر باقترابهم من الاغنياء.. هذه الفلسفة الشعبية هي ايضا ما انتهي إليه تقرير التنمية لعام 2009 والذي أصدره البنك الدولي تحت عنوان "إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية". أكد التقرير ان للجوار أهميته فالمدينة المزدهرة نادرا ما تترك جوارها عالقا في الفقر فالقرب من الاماكن المزدهرة نعمة والقرب من الاماكن الفقيرة نقمة، خاصة إذا علمنا ان الانتاج يتركز في المدن الكبيرة والاقاليم الرئيسية والدول الغنية فنصف انتاج العالم لا يشغل سوي مساحة تعادل 1.5% من مساحته فمثلا تنتج مدينة القاهرة اكثر من نصف اجمالي الناتج المحلي في مصر ولا تشغل سوي 0.5% من مساحتها كما تشكل أمريكا الشمالية والاتحاد الاوروبي "عدد سكانها مجتمعة أقل من مليار شخص" ثلاثة أرباع ثروة العالم. ويؤكد التقرير ان تشجيع أبعاد الجغرافيا الاقتصادية وهي الكثافة السكانية وقصر المسافات وتقليل الانقسامات تحقق النمو غير المتوازن ولكنها تضمن شمولية التنمية. ويوضح التقرير ان التفاعل بين الاماكن المتقدمة والاماكن المتأخرة هو مفتاح التنمية الاقتصادية وان الاجراءات التدخلية الموجهة من الحكومات لاماكن بعينها ليست سوي جزء صغير مما يمكن ان تقوم به الحكومات لمساعدة الاماكن غير الناجحة، حيث يمكنها إقامة مؤسسات توجد بين جميع الاماكن وتشييد البنية الاساسية التي تصل بين تلك الاماكن. والرسالة التي ركز عليها التقرير هي انه نادرا ما يكون النمو متوازنا لكن يمكن ان تكون التنمية الاقتصادية شمولية، مشيرا إلي ان بذل الجهود لنشر النمو وتعميمه قبل الآوان يمكن ان يعرض فرص النمو والتقدم للخطر، حيث تتدخل الحكومات "عادة بطريقة غير صحيحة" لتوزيع أرباح النمو الاقتصادي، وذلك لضرورات سياسية وتقوم الحكومات لذلك بتقديم تنازلات يمكن ان تكون تكلفتها الاقتصادية فادحة ومستمرة، مشيرا إلي امكانية تقديم الحكومات لانجازات أفضل من خلال تطوير قوي السوق التي تسفر عن تركز الانتاج الاقتصادي وتقارب مستويات المعيشة ودعمهم بالسياسات لضمان خدمات أساسية، وذلك بمساعدة المستثمرين الذين يستفيدون من الفرص الاقتصادية حيثما ظهروا. ويضيف التقرير انه لاعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية تحتاج الحكومات لمزيج مدروس من المؤسسات والبنية الاساسية والاجراءات التداخلية التي يمكن للعاملين في ميدان التنمية من إعادة التشكيل بشكل جيد يضمن المرور بالنمو غير المتوازن والتنمية الاشتمالية. ويؤكد التقرير انه مع الازدهار لن يتحقق النمو لكل مكان في نفس الوقت ومع ذلك لا يجب ان يظل أي مكان عالقا في شرك الفقر من خلال السياسات الجيدة التي يمكن ان تؤدي إلي تركز النشاط الاقتصادي وتقارب مستويات المعيشة، مشيرا إلي ان التحدي الماثل امام الحكومات هو السماح بحدوث بل وتشجيع النمو الاقتصادي غير المتوازن لضمان ان تكون التنمية اشتمالية، وذلك من خلال التكامل الاقتصادي بالتقريب بين الاماكن المتأخرة والاماكن المتقدمة من حيث الاعتبارات الاقتصادية وأفضل أسلوب لتحقيق ذلك من خلال إطلاق العنان لقوي السوق الثلاثة التجمع والهجرة والتخصص وليس محاربتها. ويوضح التقرير ان نمو الاقتصاد في القرنين الماضيين اتسم بازدياد تركز الناس والانتاج في بعض أنحاء الدول المعنية، مشيرا إلي ان محاربة ذلك التركز ليست سوي محاربة النمو نفسه ويجب علي صانعي السياسات التعامل بالصبر مع تلك الاختلالات من خلال السياسات التي تشجع التكامل الاقتصادي بغرض تخفيض تلك الاختلالات. ويناقش التقرير التغييرات المكانية التي يجب ان تحدث لكي تتطور الدول وتنمو، مؤكدا ان الكثافات العالية والمسافات القصيرة وتخفيض الانقسامات ضرورية لتحقيق النجاح الاقتصادي ويجب تشجعيها لانه يأتي معها النمو غير المتوازن وفي هذه المرحلة يجب ان تستخدم الحكومات سياسات التكامل لتحقيق التنمية الاشتمالية. ويضيف التقرير ان التحدي الرئيسي علي النطاق الجغرافي المحلي هو الكثافة أما علي النطاق الوطني فهو المسافة أما علي النطاق الدولي فهو الانقسامات، مشيرا إلي ان مصر تأتي ضمن مجموعة الدول التي تواجه تحديا في تنمية المناطق المحلية والمشكلة الرئيسية أمامها تكمن في عامل المسافة. ويدعو التقرير الجميع لمساندة جهود بلدان ما أسماها "المليار الواقع في الأسفل" لتحقيق تكامل اقتصاداتها داخل وخارج الحدود، خاصة ان حياة مليار شخص تعتمد علي ذلك وخاصة ان العديد من أقاليم العالم لاتزال تواجه آثار الانقسامات وتلك الاقاليم تحتاج إلي التغلب علي الحدود الجغرافية من خلال تطوير تجارة قريبة وروابط نقل مع الاسواق وتخفيف عوائق تكاملهم الاقتصادي.