أوقاف الدقهلية تنظم أكثر من 150 قافلة دعوية حول مواجهة التنمر المدرسي    رئيس الوزراء: الدولة تدعم المحروقات ب75 مليار جنيه رغم الزيادات المقررة    وزير الخارجية يشارك في جلسة حوارية بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس    ياسين منصور نائبا ومرتجي أمينا للصندوق .. محمود الخطيب يعلن قائمته لخوض انتخابات الأهلي    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    شقيق عمرو زكي: أخويا معندوش أى أمراض وسنُقاضى مروّجي الشائعات    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    22 لاعبا فى قائمة الإسماعيلى لمواجهة سموحة بالدورى    تعديل مواعيد قطارات بعض خطوط السكة الحديد السبت المقبل .. اعرف التفاصيل    بالصور.. هند صبري ويسرا اللوزي تدعمان المسرح الخطير في موسمه الجديد    محمود حجاج مؤلفًا لمسلسل مصطفى شعبان فى رمضان 2026    عبد الله الهوارى نجل غادة عادل يكشف سبب عدم إجرائه عملية التكميم    أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية لمواجهة التنمر المدرسي    وزير الصحة يستقبل نائب رئيس البنك الدولي لتعزيز التعاون في مجالي الصحة والتنمية البشرية    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    خبيرة: نجاح المالية في جذب اكتتابات تتجاوز 9 مليارات دولار دليل على تحسن رؤية المستثمرين للاقتصاد المصري    معلم يعتدى على زميله بمدرسة فى قليوب.. وتعليم القليوبية تحيل الواقعة للتحقيق    السكة الحديد: تعديل مواعيد بعض القطارات على بعض الخطوط بدءا من السبت    موعد انتهاء العمل بالتوقيت الصيفي وبداية تطبيق التوقيت الشتوي 2025    وزير المالية: قانون الحياد التنافسي ساعدنا في ترسيخ المنافسة وبناء "شراكة الثقة مع القطاع الخاص"    الرسوم الجمركية الأمريكية تؤثر سلبًا على إنتاج الصلب الأوروبي (تفاصيل)    5 أفلام عربية تتألق في مهرجان ريو دي جانيرو السينمائي بالبرازيل    خيري الكمار يكتب: منة شلبي في حتة تانية    فيفا يعلن منح أذربيجان وأوزبكستان حق استضافة مونديال الشباب 2027    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد: الدكتور عبد الكريم صالح شخصية العالم القرآنية في جائزة ليبيا الدولية    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    انطلاق مباراة روما وليل بالدوري الأوروبي    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل جديدة في الأردن بمجال الصناعات الخرسانية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    المنشاوي يعقد اجتماعًا لمتابعة المشروعات الإنشائية بجامعة أسيوط    سعر الدولار ينخفض لأدنى مستوى عالميًا مع قلق الأسواق من الإغلاق الحكومي الأمريكي    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    «العمل» تشارك في فعاليات تبادل الخبرات حول التوظيف الدامج لذوي الاعاقة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    المصرف المتحد يشارك في مبادرة «كتابي هديتي»    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب الوطني الديمقراطي والعودة إلي جذوره الفكرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 01 - 2010

يستند الحزب الوطني الديمقراطي منذ نشأته في أواخر السبعينيات‏.‏ وكأساس لمشروعيته‏,‏ إلي التيار الفكري الذي فجرته ثورة‏23‏ يوليو‏.‏ قد نختلف عند تقييمنا لثورة‏23‏ يوليو‏, خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الديمقراطية والحريات‏,‏ أو عندما يتعلق الامر بأسلوب معالجة القضايا الإقليمية وفي مقدمتها قضايا الوحدة العربية وقضية الصراع العربي الاسرائيلي‏...‏ الخ‏,‏ ولكننا لن نختلف حول الأسس الموضوعية الرئيسية لمضمون الفكر الاقتصادي والاجتماعي لثورة‏23‏ يوليو‏,‏ إنه الفكر الوسط الذي يعطي لقضية العدالة الاجتماعية ما تستحقه من أهمية وينحاز إلي الطبقات الكادحة والفقيرة‏,‏ والذي يؤمن بدور فعال للدولة في إدارة الاقتصاد وتنظيمه انتاجا وتوزيعا‏.‏ ومع الايمان بسلامة توجهات الحزب الوطني الديمقراطي عند تأسيسه والمتمثلة في تشجيع القطاع الخاص وإعطائه مساحة أكبر ومتزايدة في مجالات النشاط الاقتصادي إنتاجا وتوزيعا‏,‏ وتبنيه‏,‏ وإن كان علي استحياء‏,‏ لمبدأ التعددية السياسية‏,‏ إلا أن الحزب الوطني الديمقراطي استمر مستندا إلي ذات التركيبة الاجتماعية والسياسية‏,‏ التي ظلت هي العمود الفقري لجميع التنظيمات السياسية التي سبقته منذ قيام الثورة‏,‏ وفي مقدمتها الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي ثم حزب مصر‏,‏ كما استمر في جوهره مؤمنا بالمضمون الاقتصادي والاجتماعي لثورة‏23‏ يوليو والذي يتمثل في العدالة الاجتماعية والدور النشيط والفعال للدولة إنتاجا وتوزيعا‏,‏ مؤكدا لدوره كحزب وسط حيث يقع حزب الوفد علي يمينه وحزب التجمع علي يساره‏.‏ حقيقة أن إيمان القيادة السياسية والحزب بالعدالة الاجتماعية ودور الدولة قد تعرض خلال العقدين التاسع والعاشر من القرن العشرين إلي العديد من الهزات والضغوط نتيجة تزايد قوة ونفوذ بعض عناصر القطاع الخاص في مصر‏,‏ خاصة في قطاع البنوك والمال‏,‏ واقترابها من مراكز اتخاذ القرار‏,‏ ونتيجة تزايد التأثر بفكر العولمة كما أراده الرئيس ريجان في الولايات المتحدة ورئيسة الوزراء ثاتشر في انجلترا‏,‏ وهو الفكر الذي تبنته المنظمات الدولية الأساسية‏,‏ وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية‏,‏ والذي استندت روافده الفكرية إلي مدرسة شيكاغو في الاقتصاد وإلي ما أطلق عليه إجماع واشنطن‏,‏ والذي تركز في الدعوة إلي الخصخصة وإنهاء دور القطاع العام في الانتاج والتوزيع‏,‏ وإلي تقليص دور الدولة والتقليل من إجراءاتها الرامية إلي تنظيم ورقابة الأسواق‏.‏ وكانت نتيجة هذه الهزات وتلك الضغوط أن اتخذت الدولة في مصر عددا من الإجراءات والقرارات لخصخصة القطاع العام والحد من دور الدولة وتخفيض سقف تدخلها لتنظيم ورقابة السوق‏,‏ إلا أن فكرة العدالة ظلت باقية وتمثلت أساسا في بقاء نظام الدعم ومجانية التعليم‏,‏ كما استمر التمسك بالقطاع العام في قطاعات مهمة ومؤثرة‏,‏ خاصة في المجال المصرفي والصناعات الأساسية كصناعة الاسمنت والحديد والبترول والبتروكيماويات والأسمدة‏....‏ الخ‏.‏
ومع بداية القرن الحادي والعشرين‏,‏ وعلي وجه التحديد عام‏2002,‏ وتحت عنوان الفكر الجديد‏,‏ بدأت مرحلة جديدة من مراحل التطور الفكري للحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ مرحلة اتسمت بالابتعاد عن الفكر الاقتصادي والاجتماعي الوسط‏,‏ وتبني الفكر اليميني كما جسده كل من ريجان وثاتشر تحت عنوان العولمة وإجماع واشنطن‏,‏ وكما تبنته ودعت إليه المنظمات الدولية‏,‏ وتم تدعيم هذا التطور الفكري باتخاذ خطوتين مهمتين‏:‏
الأولي‏:‏ إعادة هيكلة الحزب وإنشاء اللجنة العليا للسياسات لتكون عقل الحزب المفكر‏,‏ مع تشكيلها وتشكيل لجانها علي نحو يؤكد الوجود المكثف‏,‏ وليست السيطرة الكاملة‏,‏ لرجال الأعمال من القطاع الخاص ومناصريهم من المثقفين وكبار رجال الدولة‏.‏
الثانية‏:‏ إعادة تشكيل الوزارة علي نحو يعطي اتخاذ القرار لمن يؤمن بالفكر الجديد من رجال الأعمال ومن يناصرهم‏,‏ بالاضافة إلي مجموعة من التكنوقراط والفنيين ممن ليس لهم فكر اقتصادي أو اجتماعي معين‏.‏ وتأكد هذا الاتجاه عند اختيار الشخصيات التي تولت الوزارات المهمة مثل المالية والاستثمار والتجارة والصناعة والنقل‏,‏ ومع تقديري واحترامي لهذه الشخصيات‏,‏ إلا أن اختيارها قد جاء تدعيما للاتجاه الفكري الجديد للحزب‏.‏
وكان طبيعيا أن يعقب اتخاذ هاتين الخطوتين‏,‏ تبني الحزب والحكومة المزيد من السياسات التي تدعم الاتجاه نحو اليمين‏,‏ وتمثل ذلك بصفة خاصة في محاولة الإسراع ببرنامج الخصخصة وتحرير التجارة وتخفيض الضرائب العامة والضرائب الجمركية وتقليص دور الحكومة في ادارة الاقتصاد ورقابته وتنظيمه والتركيز علي قضايا النمو‏,‏ وعلي نحو يفوق كثيرا الاهتمام بقضايا العدالة الاجتماعية‏.‏ وبدون الدخول في تفاصيل تقييم هذه السياسات وما استندت إليه من فكر‏,‏ وما تكون قد حققته من نتائج إيجابية‏,‏ إلا أن التطبيق الفعلي لها قد أفرز العديد من السلبيات‏,‏ كما أن تفجر الازمة المالية والاقتصادية العالمية في نهاية الثمانينيات قد أدي إلي تآكل‏,‏ بل وانهيار الأساس الفكري الذي استندت إليه هذه السياسيات‏,‏ وفيما يلي الدليل علي ذلك‏.‏
‏1‏ قد يكون قد تحققت معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي في السنوات الثلاث السابقة علي تفجير الأزمة المالية الاخيرة‏,‏ ولكن هذا النمو لم يكن في قدر منه نموا مستداما ومحمودا‏.‏ لقد تركز في قطاعات ليست بالضرورة القطاعات ذات الأولوية وذات الفاعلية في ايجاد طاقات إنتاجية مستدامة والمساهمة في حل مشكلة البطالة‏.‏ فلم تحظ الصناعة‏,‏ والمثال الصارخ لذلك صناعة الغزل والنسيج وهي صناعة مهمة‏,‏ ولم تحظ الزراعة‏,‏ بما حظي به القطاع المالي والعقاري الفاخر‏,‏ وإن كان قطاع الاتصالات‏,‏ وهو قطاع لا شك في أهميته‏,‏ قد حظي بمعدلات مرتفعة فإن قدرا من هذا النمو قد تم تبديد عائده الاقتصادي نتيجة ما صاحبه من أنماط استهلاكية غير محمودة‏,‏ تمثلت في الاستخدام المغالي فيه لخدمات التليفون المحمول‏.‏ كما أن هذا النمو قد صاحبه نشوء احتكارات في قطاعات مهمة‏,‏ والمثال الصارخ لذلك صناعة الاسمنت ونشوء أنماط استهلاكه تتجاوز ما حققه المجتمع من تنمية‏.‏
‏2‏ إن قضية العدالة الاجتماعية لم تحظ بما تستوجبه من اهتمام‏,‏ إذ أن الأولوية كانت لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو كما ذكرنا‏.‏ ولكن مرة أخري نجد أن نظرية التساقط لم تحقق في مصر شأنها شأن ما حدث في دول أخري‏,‏ ما افترضته‏,‏ حيث زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء‏,‏ كما تعاظمت ظاهرة التفاوت في الأجور والمرتبات علي نحو ملحوظ ليس فقط بين وحدات القطاع الخاص ولكن أيضا فيما بين الأجهزة الحكومية وأنشطة القطاع العام المختلفة‏,‏ كما لم يصاحب النمو انخفاض ملحوظ في معدل البطالة أو في عدد من يعيشون تحت خط الفقر‏.‏
‏3‏ أن هذا النمو قد صاحبه‏,‏ كما أوضح تقرير الشفافية الذي أعدته كلية الآداب جامعة القاهرة‏,‏ برعاية من وزارة التنمية الادارية‏,‏ تزايد معدلات الفساد والمحسوبية‏,‏ فضلا عن تجاوز سيادة القانون وتزايد حالات عدم احترام التعاقدات‏.‏
‏4‏ أن التحليل الموضوعي لأسباب الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة‏,‏ قد أكد أن أهم هذه الأسباب هو ما اتبع في الولايات المتحدة‏,‏ ومعظم الدول الصناعية الكبري من سياسات اقتصادية تؤمن علي نحو مطلق بحرية السوق‏,‏ وقدرة قوي العرض والطلب علي تصحيح ما ينشأ من صعوبات أو خلل دون حاجة إلي تدخل الدولة‏.‏ هذا الفكر‏,‏ ونتيجة للآثار السلبية الضخمة التي أحدثتها الأزمة العالمية‏,‏ قد تواري ليحل محله فكر يؤمن بضرورة تدخل الدولة بالتنظيم والرقابة لضمان فاعلية وكفاءة الأسواق‏.‏
وكدليل علي حيوية الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ وما تتمتع به قيادته من وعي وإدراك‏,‏ والاستفادة مما تسفر عنه التجربة‏,‏ ومما يحدث من تطورات عالمية‏,‏ خاصة في الفكر الاقتصادي‏,‏ فإننا نجد محاولات جادة لعودة الحزب إلي جذوره الفكرية‏,‏ وتبلور ذلك بشكل واضح في خطاب السيد الرئيس أمام المؤتمر السادس للحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ حيث كان التركيز واضحا علي قضية العدالة الاجتماعية وضرورة محاربة الفقر والبطالة‏,‏ والاهتمام بتوفير خدمة التعليم والصحة للطبقات غير القادرة‏,‏ وتوجيه المزيد من الاستثمارات للبنية الأساسية من مياه وصرف صحي ونقل‏..‏ الخ‏.‏ كما نجد أمانة السياسات تضع علي سلم أولوياتها الاهتمام بقضية الفقر وتبني مشروعات مهمة للتخفيف من وطأته‏,‏ مثل مشروع تطوير وتنمية الألف قرية الأكثر فقرا والاهتمام بضرورة أن يصل الدعم إلي مستحقيه‏.‏
ولم يقتصر التحول علي الاتجاه نحو إعادة التوازن بين قضيتي النمو والعدالة‏,‏ بل امتد ليشمل قضية دور الدولة بإعطائها المزيد من القوة‏,‏ لتتدخل لتحقيق انضباط السوق برقابتها وتنظيمها‏,‏ ليؤدي دوره الصحيح لتحقيق الاستخدام الامثل للموارد وتعظيم رفاهية المجتمع ككل‏.‏ والأمثلة علي هذا الاتجاه كثيرة‏.‏ فلنأخذ علي سبيل المثال قضية الخصخصة‏,‏ لقد بدأت الوزارة الحالية شديدة التحمس لقضية الخصخصة‏,‏ وتمثل ذلك في اتخاذها خطوات لخصخصة عمر أفندي وبنك الاسكندرية وبنك القاهرة وغيرها الكثير من الشركات والمؤسسات‏,‏ إلا أنها أدركت سلبيات التحمس لهذا الاتجاه‏,‏ فتخلت عن خصخصة بنك القاهرة وغيره‏,‏ وزاد التركيز علي تطوير القطاع العام وزيادة كفاءته‏,‏ بل التوسع فيه‏,‏ مع الحرص علي إعادة هيكلته بجعله أداة فعالة لتحقيق التنمية بمعناها الشامل وقادرا علي الاستثمار في تلك المشروعات الاستراتيجية وذات العائد الاجتماعي المرتفع والتي قد يعجز القطاع الخاص في ظروفه الحالية عن القيام بها‏,‏ أو قد لا يرغب في ذلك‏.‏ وعندما طرحت الحكومة قضية الأسهم الشعبية كبديل عن الخصخصة‏,‏ عادت وأدركت أن ذلك قد يحرم الاقتصاد من إحدي أدواته وأعمدته وهو القطاع العام‏,‏ فاستبدلت ذلك بفكرة إنشاء هيئة عامة لإدارة الأصول المملوكة للدولة والتي تستهدف بقاء القطاع العام‏.‏ كأداة فعالة لتحقيق المزيد من الاستثمار والنمو‏,‏ بل والعدالة الاجتماعية‏,‏ بتوجهه نحو تحقيق المزيد من فرص العمل وإنتاج السلع التي تستهلكها الطبقات المتوسطة والدنيا عند أسعار مقبولة تنافسيا دون مغالاة‏.‏ مثال آخر ما اتجهت إليه الحكومة خلال هذا العام من التقدم بقانون الهيئة العامة للرقابة المالية والذي وافق عليه مجلس الشعب‏.‏ إن هذا القانون يعطي الدولة الحق في المزيد من التدخل في الأسواق المالية‏,‏ وهي سوق المال وسوق التأمين والسوق العقارية‏,‏ وذلك ضمانا لتحقيق انضباط هذه الأسواق وفاعلية أدائها لدورها في خدمة الاقتصاد‏.‏ مثال ثالث ما تقدمت به الحكومة من قانون خاص بتنظيم شركة المقاصة بما يسمح بزيادة فاعلية دور البورصة في الرقابة وإدارة هذه الشركة‏.‏ كل هذه التحولات هي تحولات محمودة من حيث المبدأ‏,‏ وتؤكد اتجاه الحزب الوطني الديمقراطي للعودة إلي جذوره الفكرية‏,‏ وعلي نحو يتسم بالمرونة والتطور ليمثل التيار الغالب في المجتمع وهو تيار الوسط‏,‏ الذي يؤمن بضرورة التمسك بقضية العدالة الاجتماعية كمكون أساسي لجوهر السياسات الاقتصادية‏,‏ وكمحور متلازم ومندمج مع محور النمو الاقتصادي‏,‏ مع الإيمان بدور متطور للدولة لضمان السوق وتدعيم الاستثمار الخاص والعام وتحقيق العدالة الاجتماعية‏,‏ دون الوقوف عند نظريات جامدة لا تقبل التغيير لتتلاءم مع ما يحدث من متغيرات دولية وإقليمية وما تسفر عنه تجارب الدول المختلفة‏.‏
ويتم تتويج هذا التحول بمراجعة ما يصدر من تصريحات لكبار المسئولين في الحزب‏,‏ وكتابات من يتولون مهمة التنظير لسياساته‏,‏ فنجد تصريحات تؤكد النظرة البراجماتية للحزب‏,‏ نفيا لما قد يدعيه البعض بأنه حزب يميني منحاز إلي رجال الأعمال‏,‏ كما نجد مثالا حديثا للأخ الفاضل د‏.‏ عبد المنعم سعيد بجريدة الأهرام بتاريخ‏2009/10/31,‏ وهو المعروف بفكره شديد الليبرالية‏,‏ يكتب ليؤكد أن الحزب الوطني الديمقراطي يمثل من الناحية الفكرية تيار الوسط في الحياة العامة المصرية‏,‏ ويجمع بداخله ائتلافا واسعا ممتدا من التيارات الفكرية والتوجهات السياسية المتباينة بين يمين الوسط ويساره‏,‏ ويحدد برنامجه العام أيديولوجيته وفق ثلاثة مباديء أساسية‏,‏ هي الاشتراكية الديمقراطية‏,‏ والقومية العربية‏,‏ والقيم الدينية‏.‏ أن ما كتبه الأخ د‏.‏ عبد المنعم سعيد وما يكتبه مفكرو الحزب وفي مقدمتهم الأخ علي الدين هلال‏,‏ وما يردده الكثيرون من قياداته من تصريحات تؤكد هذا التحول الذي ترحب به الجماهير الحقيقية لهذا الحزب بما في ذلك رجال الأعمال المؤمنون بفكر الوسط‏.‏ وبعبارة أخري إن هذا التحول‏,‏ وهو في الاتجاه الصحيح ويتعين تدعيمه‏,‏ لا يجوز تفسيره علي أنه تحول عن إيمان الحزب‏,‏ باقتصاديات السوق والدور الرائد للقطاع الخاص‏.‏ ولكنه تحول ليحقق فلسفة الوسط وما تطلبه من مرونة في السياسات والتوازن بين العديد من الاعتبارات‏...‏ النمو وعدالة التوزيع‏,‏ حرية السوق والرقابة والتنظيم من جانب الدولة‏...‏ المشاركة بين القطاع الخاص والعام‏...‏ الخ بما يحقق المصالح الحقيقية للمجتمع ككل عمال ورجال أعمال كل ذلك في إطار من محاولات جادة للوصول الي الديمقراطية بمعناها الكامل وبخطوات تحافظ علي التوازن بين الاستقرار والتطور‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ مصطفي السعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.