رئيس إسكان النواب: مستأجر الإيجار القديم مُلزم بدفع 250 جنيها بدءا من سبتمبر بقوة القانون    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي تل الهوا بمدينة غزة    الأمم المتحدة: أكثر من 100 طفل قضوا جوعا في غزة ودعوات عاجلة للتحرك    اليوم، إعلان نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 بالموقع الإلكتروني، اعرف الموعد    شاهد، كيف احتفى جنود إسرائيليون بقصف وقتل مدنيين فلسطينيين عزل في غزة (فيديو)    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 12-8-2025 مع بداية التعاملات الصباحية    سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025 قبل استهلال التعاملات    انخفاض أسعار الفراخ الأبيض في أسواق أسوان اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق مبادرة "أمل جديد" للتمكين الاقتصادي    اليوم، إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس الشيوخ والجدول الزمني لجولة الإعادة    نتيجة تنسيق المرحلة الثانية أدبي.. الموقع الرسمي بعد الاعتماد    الخارجية الروسية: نأمل في أن يساعد لقاء بوتين مع ترامب في تطبيع العلاقات    أنس الشريف وقريقع.. مما يخاف المحتل ؟    غارات واسعة النطاق في القطاع.. والأهداف الخفية بشأن خطة احتلال غزة (فيديو)    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    من سيئ إلى اسوأ، الصحف البريطانية تنقلب على محمد صلاح بعد بدايته الباهتة للموسم الجديد    "كلمته".. إعلامي يكشف حقيقة رحيل الشناوي إلى بيراميدز    وليد صلاح الدين: أرحب بعودة وسام أبوعلي للأهلي.. ومصلحة النادي فوق الجميع    مبلغ ضخم، كم سيدفع الهلال السعودي لمهاجمه ميتروفيتش لفسخ عقده؟    «زيزو رقم 3».. وليد صلاح الدين يختار أفضل ثلاثة لاعبين في الجولة الأولى للدوري    من هو الفرنسي كيليان كارسنتي صفقة المصري الجديدة؟ (فيديو صور)    بطل بدرجة مهندس، من هو هيثم سمير بطل السباقات الدولي ضحية نجل خفير أرضه؟ (صور)    مصرع شخص تحت عجلات القطار في أسوان    لتنشيط الاستثمار، انطلاق المهرجان الصيفي الأول لجمصة 2025 (فيديو وصور)    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    من شرفة بالدقي إلى الزواج بعد 30 عاما.. محمد سعيد محفوظ: لأول مرة أجد نفسي بطلا في قصة عاطفية    "كيس نسكافيه" يضع الشامي في ورطة بعد ترويجه لأغنيته الجديدة "بتهون"    24 صورة لنجوم الفن بالعرض الخاص ل"درويش" على السجادة الحمراء    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل آمال ماهر في الساحل الشمالي    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    تحارب الألم والتيبس.. مشروبات صيفية مفيدة لمرضى التهاب المفاصل    خلاف جيرة يتحول إلى مأساة.. شاب ينهي حياة آخر طعنًا بكفر شكر    موعد مباراة سيراميكا كيلوباترا وزد بالدوري والقنوات الناقلة    حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرصه على مستقبل الإعلام    التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر محمد عبدالعاطي    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يعقد اجتماعاً موسعاً لمتابعة الأداء وتحسين الخدمات الصحية    أبرزها الماء والقهوة.. مسببات حساسية لا تتوقعها    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    19 عامًا على رحيل أحمد مستجير «أبوالهندسة الوراثية»    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ الأقصر يبحث مع وفد الصحة رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية بالمحافظة    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب الوطني الديمقراطي والعودة إلي جذوره الفكرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 01 - 2010

يستند الحزب الوطني الديمقراطي منذ نشأته في أواخر السبعينيات‏.‏ وكأساس لمشروعيته‏,‏ إلي التيار الفكري الذي فجرته ثورة‏23‏ يوليو‏.‏ قد نختلف عند تقييمنا لثورة‏23‏ يوليو‏, خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الديمقراطية والحريات‏,‏ أو عندما يتعلق الامر بأسلوب معالجة القضايا الإقليمية وفي مقدمتها قضايا الوحدة العربية وقضية الصراع العربي الاسرائيلي‏...‏ الخ‏,‏ ولكننا لن نختلف حول الأسس الموضوعية الرئيسية لمضمون الفكر الاقتصادي والاجتماعي لثورة‏23‏ يوليو‏,‏ إنه الفكر الوسط الذي يعطي لقضية العدالة الاجتماعية ما تستحقه من أهمية وينحاز إلي الطبقات الكادحة والفقيرة‏,‏ والذي يؤمن بدور فعال للدولة في إدارة الاقتصاد وتنظيمه انتاجا وتوزيعا‏.‏ ومع الايمان بسلامة توجهات الحزب الوطني الديمقراطي عند تأسيسه والمتمثلة في تشجيع القطاع الخاص وإعطائه مساحة أكبر ومتزايدة في مجالات النشاط الاقتصادي إنتاجا وتوزيعا‏,‏ وتبنيه‏,‏ وإن كان علي استحياء‏,‏ لمبدأ التعددية السياسية‏,‏ إلا أن الحزب الوطني الديمقراطي استمر مستندا إلي ذات التركيبة الاجتماعية والسياسية‏,‏ التي ظلت هي العمود الفقري لجميع التنظيمات السياسية التي سبقته منذ قيام الثورة‏,‏ وفي مقدمتها الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي ثم حزب مصر‏,‏ كما استمر في جوهره مؤمنا بالمضمون الاقتصادي والاجتماعي لثورة‏23‏ يوليو والذي يتمثل في العدالة الاجتماعية والدور النشيط والفعال للدولة إنتاجا وتوزيعا‏,‏ مؤكدا لدوره كحزب وسط حيث يقع حزب الوفد علي يمينه وحزب التجمع علي يساره‏.‏ حقيقة أن إيمان القيادة السياسية والحزب بالعدالة الاجتماعية ودور الدولة قد تعرض خلال العقدين التاسع والعاشر من القرن العشرين إلي العديد من الهزات والضغوط نتيجة تزايد قوة ونفوذ بعض عناصر القطاع الخاص في مصر‏,‏ خاصة في قطاع البنوك والمال‏,‏ واقترابها من مراكز اتخاذ القرار‏,‏ ونتيجة تزايد التأثر بفكر العولمة كما أراده الرئيس ريجان في الولايات المتحدة ورئيسة الوزراء ثاتشر في انجلترا‏,‏ وهو الفكر الذي تبنته المنظمات الدولية الأساسية‏,‏ وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية‏,‏ والذي استندت روافده الفكرية إلي مدرسة شيكاغو في الاقتصاد وإلي ما أطلق عليه إجماع واشنطن‏,‏ والذي تركز في الدعوة إلي الخصخصة وإنهاء دور القطاع العام في الانتاج والتوزيع‏,‏ وإلي تقليص دور الدولة والتقليل من إجراءاتها الرامية إلي تنظيم ورقابة الأسواق‏.‏ وكانت نتيجة هذه الهزات وتلك الضغوط أن اتخذت الدولة في مصر عددا من الإجراءات والقرارات لخصخصة القطاع العام والحد من دور الدولة وتخفيض سقف تدخلها لتنظيم ورقابة السوق‏,‏ إلا أن فكرة العدالة ظلت باقية وتمثلت أساسا في بقاء نظام الدعم ومجانية التعليم‏,‏ كما استمر التمسك بالقطاع العام في قطاعات مهمة ومؤثرة‏,‏ خاصة في المجال المصرفي والصناعات الأساسية كصناعة الاسمنت والحديد والبترول والبتروكيماويات والأسمدة‏....‏ الخ‏.‏
ومع بداية القرن الحادي والعشرين‏,‏ وعلي وجه التحديد عام‏2002,‏ وتحت عنوان الفكر الجديد‏,‏ بدأت مرحلة جديدة من مراحل التطور الفكري للحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ مرحلة اتسمت بالابتعاد عن الفكر الاقتصادي والاجتماعي الوسط‏,‏ وتبني الفكر اليميني كما جسده كل من ريجان وثاتشر تحت عنوان العولمة وإجماع واشنطن‏,‏ وكما تبنته ودعت إليه المنظمات الدولية‏,‏ وتم تدعيم هذا التطور الفكري باتخاذ خطوتين مهمتين‏:‏
الأولي‏:‏ إعادة هيكلة الحزب وإنشاء اللجنة العليا للسياسات لتكون عقل الحزب المفكر‏,‏ مع تشكيلها وتشكيل لجانها علي نحو يؤكد الوجود المكثف‏,‏ وليست السيطرة الكاملة‏,‏ لرجال الأعمال من القطاع الخاص ومناصريهم من المثقفين وكبار رجال الدولة‏.‏
الثانية‏:‏ إعادة تشكيل الوزارة علي نحو يعطي اتخاذ القرار لمن يؤمن بالفكر الجديد من رجال الأعمال ومن يناصرهم‏,‏ بالاضافة إلي مجموعة من التكنوقراط والفنيين ممن ليس لهم فكر اقتصادي أو اجتماعي معين‏.‏ وتأكد هذا الاتجاه عند اختيار الشخصيات التي تولت الوزارات المهمة مثل المالية والاستثمار والتجارة والصناعة والنقل‏,‏ ومع تقديري واحترامي لهذه الشخصيات‏,‏ إلا أن اختيارها قد جاء تدعيما للاتجاه الفكري الجديد للحزب‏.‏
وكان طبيعيا أن يعقب اتخاذ هاتين الخطوتين‏,‏ تبني الحزب والحكومة المزيد من السياسات التي تدعم الاتجاه نحو اليمين‏,‏ وتمثل ذلك بصفة خاصة في محاولة الإسراع ببرنامج الخصخصة وتحرير التجارة وتخفيض الضرائب العامة والضرائب الجمركية وتقليص دور الحكومة في ادارة الاقتصاد ورقابته وتنظيمه والتركيز علي قضايا النمو‏,‏ وعلي نحو يفوق كثيرا الاهتمام بقضايا العدالة الاجتماعية‏.‏ وبدون الدخول في تفاصيل تقييم هذه السياسات وما استندت إليه من فكر‏,‏ وما تكون قد حققته من نتائج إيجابية‏,‏ إلا أن التطبيق الفعلي لها قد أفرز العديد من السلبيات‏,‏ كما أن تفجر الازمة المالية والاقتصادية العالمية في نهاية الثمانينيات قد أدي إلي تآكل‏,‏ بل وانهيار الأساس الفكري الذي استندت إليه هذه السياسيات‏,‏ وفيما يلي الدليل علي ذلك‏.‏
‏1‏ قد يكون قد تحققت معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي في السنوات الثلاث السابقة علي تفجير الأزمة المالية الاخيرة‏,‏ ولكن هذا النمو لم يكن في قدر منه نموا مستداما ومحمودا‏.‏ لقد تركز في قطاعات ليست بالضرورة القطاعات ذات الأولوية وذات الفاعلية في ايجاد طاقات إنتاجية مستدامة والمساهمة في حل مشكلة البطالة‏.‏ فلم تحظ الصناعة‏,‏ والمثال الصارخ لذلك صناعة الغزل والنسيج وهي صناعة مهمة‏,‏ ولم تحظ الزراعة‏,‏ بما حظي به القطاع المالي والعقاري الفاخر‏,‏ وإن كان قطاع الاتصالات‏,‏ وهو قطاع لا شك في أهميته‏,‏ قد حظي بمعدلات مرتفعة فإن قدرا من هذا النمو قد تم تبديد عائده الاقتصادي نتيجة ما صاحبه من أنماط استهلاكية غير محمودة‏,‏ تمثلت في الاستخدام المغالي فيه لخدمات التليفون المحمول‏.‏ كما أن هذا النمو قد صاحبه نشوء احتكارات في قطاعات مهمة‏,‏ والمثال الصارخ لذلك صناعة الاسمنت ونشوء أنماط استهلاكه تتجاوز ما حققه المجتمع من تنمية‏.‏
‏2‏ إن قضية العدالة الاجتماعية لم تحظ بما تستوجبه من اهتمام‏,‏ إذ أن الأولوية كانت لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو كما ذكرنا‏.‏ ولكن مرة أخري نجد أن نظرية التساقط لم تحقق في مصر شأنها شأن ما حدث في دول أخري‏,‏ ما افترضته‏,‏ حيث زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء‏,‏ كما تعاظمت ظاهرة التفاوت في الأجور والمرتبات علي نحو ملحوظ ليس فقط بين وحدات القطاع الخاص ولكن أيضا فيما بين الأجهزة الحكومية وأنشطة القطاع العام المختلفة‏,‏ كما لم يصاحب النمو انخفاض ملحوظ في معدل البطالة أو في عدد من يعيشون تحت خط الفقر‏.‏
‏3‏ أن هذا النمو قد صاحبه‏,‏ كما أوضح تقرير الشفافية الذي أعدته كلية الآداب جامعة القاهرة‏,‏ برعاية من وزارة التنمية الادارية‏,‏ تزايد معدلات الفساد والمحسوبية‏,‏ فضلا عن تجاوز سيادة القانون وتزايد حالات عدم احترام التعاقدات‏.‏
‏4‏ أن التحليل الموضوعي لأسباب الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة‏,‏ قد أكد أن أهم هذه الأسباب هو ما اتبع في الولايات المتحدة‏,‏ ومعظم الدول الصناعية الكبري من سياسات اقتصادية تؤمن علي نحو مطلق بحرية السوق‏,‏ وقدرة قوي العرض والطلب علي تصحيح ما ينشأ من صعوبات أو خلل دون حاجة إلي تدخل الدولة‏.‏ هذا الفكر‏,‏ ونتيجة للآثار السلبية الضخمة التي أحدثتها الأزمة العالمية‏,‏ قد تواري ليحل محله فكر يؤمن بضرورة تدخل الدولة بالتنظيم والرقابة لضمان فاعلية وكفاءة الأسواق‏.‏
وكدليل علي حيوية الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ وما تتمتع به قيادته من وعي وإدراك‏,‏ والاستفادة مما تسفر عنه التجربة‏,‏ ومما يحدث من تطورات عالمية‏,‏ خاصة في الفكر الاقتصادي‏,‏ فإننا نجد محاولات جادة لعودة الحزب إلي جذوره الفكرية‏,‏ وتبلور ذلك بشكل واضح في خطاب السيد الرئيس أمام المؤتمر السادس للحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ حيث كان التركيز واضحا علي قضية العدالة الاجتماعية وضرورة محاربة الفقر والبطالة‏,‏ والاهتمام بتوفير خدمة التعليم والصحة للطبقات غير القادرة‏,‏ وتوجيه المزيد من الاستثمارات للبنية الأساسية من مياه وصرف صحي ونقل‏..‏ الخ‏.‏ كما نجد أمانة السياسات تضع علي سلم أولوياتها الاهتمام بقضية الفقر وتبني مشروعات مهمة للتخفيف من وطأته‏,‏ مثل مشروع تطوير وتنمية الألف قرية الأكثر فقرا والاهتمام بضرورة أن يصل الدعم إلي مستحقيه‏.‏
ولم يقتصر التحول علي الاتجاه نحو إعادة التوازن بين قضيتي النمو والعدالة‏,‏ بل امتد ليشمل قضية دور الدولة بإعطائها المزيد من القوة‏,‏ لتتدخل لتحقيق انضباط السوق برقابتها وتنظيمها‏,‏ ليؤدي دوره الصحيح لتحقيق الاستخدام الامثل للموارد وتعظيم رفاهية المجتمع ككل‏.‏ والأمثلة علي هذا الاتجاه كثيرة‏.‏ فلنأخذ علي سبيل المثال قضية الخصخصة‏,‏ لقد بدأت الوزارة الحالية شديدة التحمس لقضية الخصخصة‏,‏ وتمثل ذلك في اتخاذها خطوات لخصخصة عمر أفندي وبنك الاسكندرية وبنك القاهرة وغيرها الكثير من الشركات والمؤسسات‏,‏ إلا أنها أدركت سلبيات التحمس لهذا الاتجاه‏,‏ فتخلت عن خصخصة بنك القاهرة وغيره‏,‏ وزاد التركيز علي تطوير القطاع العام وزيادة كفاءته‏,‏ بل التوسع فيه‏,‏ مع الحرص علي إعادة هيكلته بجعله أداة فعالة لتحقيق التنمية بمعناها الشامل وقادرا علي الاستثمار في تلك المشروعات الاستراتيجية وذات العائد الاجتماعي المرتفع والتي قد يعجز القطاع الخاص في ظروفه الحالية عن القيام بها‏,‏ أو قد لا يرغب في ذلك‏.‏ وعندما طرحت الحكومة قضية الأسهم الشعبية كبديل عن الخصخصة‏,‏ عادت وأدركت أن ذلك قد يحرم الاقتصاد من إحدي أدواته وأعمدته وهو القطاع العام‏,‏ فاستبدلت ذلك بفكرة إنشاء هيئة عامة لإدارة الأصول المملوكة للدولة والتي تستهدف بقاء القطاع العام‏.‏ كأداة فعالة لتحقيق المزيد من الاستثمار والنمو‏,‏ بل والعدالة الاجتماعية‏,‏ بتوجهه نحو تحقيق المزيد من فرص العمل وإنتاج السلع التي تستهلكها الطبقات المتوسطة والدنيا عند أسعار مقبولة تنافسيا دون مغالاة‏.‏ مثال آخر ما اتجهت إليه الحكومة خلال هذا العام من التقدم بقانون الهيئة العامة للرقابة المالية والذي وافق عليه مجلس الشعب‏.‏ إن هذا القانون يعطي الدولة الحق في المزيد من التدخل في الأسواق المالية‏,‏ وهي سوق المال وسوق التأمين والسوق العقارية‏,‏ وذلك ضمانا لتحقيق انضباط هذه الأسواق وفاعلية أدائها لدورها في خدمة الاقتصاد‏.‏ مثال ثالث ما تقدمت به الحكومة من قانون خاص بتنظيم شركة المقاصة بما يسمح بزيادة فاعلية دور البورصة في الرقابة وإدارة هذه الشركة‏.‏ كل هذه التحولات هي تحولات محمودة من حيث المبدأ‏,‏ وتؤكد اتجاه الحزب الوطني الديمقراطي للعودة إلي جذوره الفكرية‏,‏ وعلي نحو يتسم بالمرونة والتطور ليمثل التيار الغالب في المجتمع وهو تيار الوسط‏,‏ الذي يؤمن بضرورة التمسك بقضية العدالة الاجتماعية كمكون أساسي لجوهر السياسات الاقتصادية‏,‏ وكمحور متلازم ومندمج مع محور النمو الاقتصادي‏,‏ مع الإيمان بدور متطور للدولة لضمان السوق وتدعيم الاستثمار الخاص والعام وتحقيق العدالة الاجتماعية‏,‏ دون الوقوف عند نظريات جامدة لا تقبل التغيير لتتلاءم مع ما يحدث من متغيرات دولية وإقليمية وما تسفر عنه تجارب الدول المختلفة‏.‏
ويتم تتويج هذا التحول بمراجعة ما يصدر من تصريحات لكبار المسئولين في الحزب‏,‏ وكتابات من يتولون مهمة التنظير لسياساته‏,‏ فنجد تصريحات تؤكد النظرة البراجماتية للحزب‏,‏ نفيا لما قد يدعيه البعض بأنه حزب يميني منحاز إلي رجال الأعمال‏,‏ كما نجد مثالا حديثا للأخ الفاضل د‏.‏ عبد المنعم سعيد بجريدة الأهرام بتاريخ‏2009/10/31,‏ وهو المعروف بفكره شديد الليبرالية‏,‏ يكتب ليؤكد أن الحزب الوطني الديمقراطي يمثل من الناحية الفكرية تيار الوسط في الحياة العامة المصرية‏,‏ ويجمع بداخله ائتلافا واسعا ممتدا من التيارات الفكرية والتوجهات السياسية المتباينة بين يمين الوسط ويساره‏,‏ ويحدد برنامجه العام أيديولوجيته وفق ثلاثة مباديء أساسية‏,‏ هي الاشتراكية الديمقراطية‏,‏ والقومية العربية‏,‏ والقيم الدينية‏.‏ أن ما كتبه الأخ د‏.‏ عبد المنعم سعيد وما يكتبه مفكرو الحزب وفي مقدمتهم الأخ علي الدين هلال‏,‏ وما يردده الكثيرون من قياداته من تصريحات تؤكد هذا التحول الذي ترحب به الجماهير الحقيقية لهذا الحزب بما في ذلك رجال الأعمال المؤمنون بفكر الوسط‏.‏ وبعبارة أخري إن هذا التحول‏,‏ وهو في الاتجاه الصحيح ويتعين تدعيمه‏,‏ لا يجوز تفسيره علي أنه تحول عن إيمان الحزب‏,‏ باقتصاديات السوق والدور الرائد للقطاع الخاص‏.‏ ولكنه تحول ليحقق فلسفة الوسط وما تطلبه من مرونة في السياسات والتوازن بين العديد من الاعتبارات‏...‏ النمو وعدالة التوزيع‏,‏ حرية السوق والرقابة والتنظيم من جانب الدولة‏...‏ المشاركة بين القطاع الخاص والعام‏...‏ الخ بما يحقق المصالح الحقيقية للمجتمع ككل عمال ورجال أعمال كل ذلك في إطار من محاولات جادة للوصول الي الديمقراطية بمعناها الكامل وبخطوات تحافظ علي التوازن بين الاستقرار والتطور‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ مصطفي السعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.