وصلتني عبر البريد الالكتروني رسالة من شخصية خليجية تتضمن وثيقة يتم تداولها عبر مواقع الانترنت في دول الخليج العربي. والوثيقة تدور حول خطاب مرسل من الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية إلي الرئيس الامريكي جونسون، ويقولون إن هذا الخطاب نشر في كتاب "عقود من الغيبات" للكاتب حمدان حمدان في الطبعة الاولي 1995 عن دار بيان في الصفحات من 489 491. والرسالة تتحدث عن طلب الملك فيصل من الرئيس الامريكي تحجيم القوة العسكرية لمصر وسوريا والعراق وانها أرسلت في 27 ديسمبر عام 1966 الموافق 15 رمضان ،1386 وانها تحمل رقم 342 من ارقام وثائق مجلس الوزراء السعودي! ودون حاجة لدراسة الوثيقة أو التأكد منها أو صدق وواقعية المعلومات الواردة فيها فإن الواضح انها من الوثائق العديدة المزورة التي يتم ترويجها في كل مرحلة سياسة لتخدم هدفا معينا. فالوثيقة المكتوبة بحرفية وعناية تعكس تماما فكر الذين يروجونها والذين يسعون من ورائها إلي ضرب العلاقات المصرية السعودية التي تشهد في الوقت الراهن تقاربا وتفاهما لم يكن قائما تجاه القوة منذ وقت طويل، وهي العلاقات التي تشكل محورا للتصدي للاطماع الايرانية الفارسية في المنطقة ولمحاولة استغلال العرب كقطع شطرنج في لعبة القوي والمصالح بين ايران والولايات المتحدةالامريكية. ولقد صدمت الوثيقة نفسها بنفسها عندما انتهت بتعليق للذين يقومون بتوزيعها جاء فيه ان نشر الوثيقة هو محاولة لإزالة الغشاوة عن حقيقة بعض الشخصيات ونوع الادوار التي قاموا بها علي مسرح الاحداث. والحقيقة انهم لا يهدفون إلي إزالة الغشاوة بقدر ما يحاولون التشكيك في أدوار رجال عظام لهم احترامهم وتقديرهم في العالمين العربي والاسلامي. وهم يحاولون تشكيكنا في كل قطر وان نقوم بهدم رموزنا بأنفسنا حتي لا يتبقي ما نعتز أو نتمسك به. وقد أتوا الآن ليثيروا الشكوك حول الملك فيصل عليه رحمة الله، وهو الملك الذي كانت مواقفه العلنية وخطواته التي تمت علي أرض الواقع سببا مباشرا في استخدام سلاح البترول في حرب 1973 وتحقيق انتصار اكتوبر، وهي الحرب التي شكلت أول مواجهة حقيقية بين العرب وإسرائيل والتي كان يمكن فيها تحقيق انتصار ساحق لولا التدخل الامريكي العسكري المباشر لمساعدة إسرائيل ووقف الانتصارات العربية. ويثير الدهشة والألم معا حقيقة الجهات التي تقف وراء نشر هذه الوثائق المزورة التي تزيد من تعقيدات الموقف وإثارة الشكوك والبلبلة في عالم عربي يعشق الشائعات والغموض ويميل إلي تصديق كل ما يدور في اطار المؤامرة أو التاريخ السري المجهول. ويحدث ذلك لأننا لم نصل بعد إلي درجة الشفافية والمصارحة في العلاقة بين الانظمة والشعوب، فنحن نقرأ أخبار بلادنا بشكل اكثر من صراحة واقعية في الصحف الغربية ونعلم الكثير عن اسرار بلادنا وحقيقة بعض القرارات السياسية في هذه الصحف قبل ان تعلن في الداخل، ووفودنا السياسية العربية تقول في الخارج كلاما غير الذي تقوله للرأي العام في الداخل. وقد كان هذا ممكنا في عصور الانغلاق وسيطرة الاعلام المحلي باعتباره الوسيلة الوحيدة للمعرفة، ولكن مع التطور الهائل في ثورة المعلومات والاتصالات فإن ذلك لم يعد متصورا حدوثه، ولا يوجد ما يمكن اخفاؤه أو تأخير نشره ومعرفته، ولم يعد هناك ما يمكن ان يكون سرا لوقت طويل. وهو واقع يعني ان علي الانظمة العربية ان تتعلم من حركة التاريخ وان تبادر إلي اتباع سياسات فيها قدر اكبر من الشفافية واحترام متطلبات مواطنيها واطلاعهم قبل غيرهم علي كل الخطوات والسياسات والقرارات حتي لا يصبح المواطن العربي هدفا سهلا للشائعات والمؤامرات والوثائق المزورة.