علامات استفهام.. وقضايا كثيرة أثارها الاقتصادي الأمريكي جيميس جالبريث الابن علي مدار ثلاث محاضرات في الجامعة الأمريكية وخاصة ما يتعلق بأدبيات اقتصاد السوق الحر والأزمة المالية العالمية. يحمل كينيث اسم ابيه الاقتصادي اللامع. جون جالبريث كينيث أستاذ الاقتصاد الأشهر في الولاياتالمتحدة الذي خدم في ادرات رؤساء أمريكيين عدة كالرئيس روزفلت وكيندي وجونسون وألف عددا من أشهر كلاسيكيات الاقتصاد الأمريكي التي حملت طابع الفكر "الكينزي" الذي كان رائجا في عصر كينيث الأب، ويحمل كينيث الابن أيضا نفس الحماس لللسياسات الكينزية بل ولعصر ابيه بأكمله. قدم كينيث الابن تحليلا مختلفا خلال محاضراته حول ابعاد الأزمة المالية ومستقبل النمو والتنمية عن تلك التحليلات التي عادة ما نسمعها من الخبراء الدوليين، فهو لا يسلم للتوقعات المتفائلة بعودة الأمور كما كانت عليه قبل الأزمة بمجرد تطبيق خطة الانقاذ.. ولا يبشر الدول النامية بأن التخلص من سيطرة الدولة علي الاقتصاد سيساعدها علي اللحاق بركب الدول المتقدمة والقضاء علي الفساد والروتين، قدم رؤية مختلفة من اقتصادي محنك يحاول أن يعلم الاجيال القادم من دروس الماضي. يقول لنا إن الوجه الآخر للاقتصاد الأمريكي المنهار حاليا نراه في تلك العقود التي تلت أزمة عام 1929 تلك الفترة التي طبقت فيها سياسات أسهمت ب حسب قوله في توفير الوظائف واستقرار القطاعات الصناعية والزراعية وبناء هيكل اجتماعي مستقر قاوم الايدلوجيات الفاشية والشيوعية في هذا الوقت وأدت إلي ايجاد طبقة وسطي وأمان اجتماعي ونظام مالي وبنكي مستقر نظام لتمويل المنازل. إلا أن هذه الصورة المشرقة في "رواية" كينيث تتغير فورا مع حلول حقبة الثمانينيات وصعود الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر إلي السلطة في بلادهما، وقيامها باطلاق قوي السوق وتحديد دور الدولة مدفوعين بتوجهاتهم "الايدلوجية" وأسهمت سياستهم في تحولات مهمة في الاقتصاد منها أنه لم تعد هناك مراعاة لبعض المعايير الضابطة لعملية التمويل، بحيث أصبح يتم تمويل أفراد تاريخهم التمويلي سييء أو غير ظاهر اصلا، وهي الحقبة التي تمثل البداية لمشكلات تراكمت حتي وصلت بالاقتصاد الأمريكي إلي مرحلة الأزمة المالية، فالأزمة المالية بحسب بعض الآراء التي عرضها كينيث نهاية لخمسة وعشرين عاما كان فيها الاقتصاد العالمي مدفوعا بالمضاربة. وعلي هذه الخلفية كان حرص العالم اليوم "الأسبوعي" علي لقاء البروفيسور جيميس كينيث لنسأله عن رؤيته لمستقبل الاقتصاد العالمي بعد الأزمة.. ونتعلم منه دروس التاريخ من واقع تجربة الاقتصاد الأمريكي، وقبل أن نبدأ نقدم سطورا بسيطة عنه، فهو ليس اقتصاديا شهيرا وابنا لاقتصادي أشهر فقط، ولكنه يحمل في سيرته العديد من الأعمال والمناصب التي تجعلنا نصغي لما يقوله بعقول متفتحة، يعمل جيميس كينيث أستاذا للعلاقات الحكومية وإدارة الأعمال وأستاذ علم الحكومة في جامعة تكساس بأوستن. وهو أيضا عالم كبير بمعهد ليفي للاقتصاد ورئيس مؤسسة "اقتصاديون من أجل السلام والأمن" وهي مؤسسة دولية للاقتصاديين المحترفين، وقام بنشر المئات من الموضوعات العلمية وكذلك الخاصة بالسياسة العامة وظهر بحثه الأخير عن عدم المساواة في الاقتصاد في العديد من المجلات المتخصصة بالولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا والهند وأماكن أخري عديدة. وعلي هذه الخلفية كان ذلك الحوار: الأزمة ستطول! * لكم آراء أخري تخالف الآراء المتفائلة بتعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية في عام 2010.. فكيف انتهيتم إلي هذه النتيجة؟ ** نعم.. لأنه في ظل الافتراضات المتفائلة يجب أن نلتفت إلي أنه تم خلال الأشهر الستة الماضية فقد 600 ألف وظيفة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحتي لو تحسنت معدلات التوظيف في أمريكا خلال الفترة القادمة ستظل معدلات البطالة مرتفعة، كما أنه من الممكن أن يواجه الاقتصاد الأمريكي توسعا في مخرجات الاقتصاد بدون توسع مقابل له في التوظيف، فهناك سؤال مهم عن مستقبل الاقتصاد الأمريكي وهو اين ستذهب موارد القروض والواقع أنه ليس لدينا في أمريكا الاسس للطلب علي القروض بما يدعم توسعات انشطة القطاع الخاص، وسلوك المؤسسات المالية في الفترة القادمة سيكون أقل مضاربة وهذا سيكون له انعكاساته علي أسعار السلع، وما يقلقني أيضا هو أن القوي السياسية في البلاد كانت تقول من قبل الأزمة إن أكبر مشكلاتنا ارتفاع العجز في الموازنة والانفاق الكبير علي البرامج الاجتماعية وهو مازال موجودا وأخشي أنه مع اخفاق خطة الانقاذ في الفترة القادمة قد نواجه ظروفا مشابهة لما حدث في أعوام 1937 و 1938 عندما عادت البلاد للركود الاقتصادي، كما أنه في أوروبا فهناك زيادة في المخاطر المالية وفي البطالة أيضا فالمخاطر ليست في الاقتصاد الأمريكي وحده ولكن في الاقتصاد العالمي. * إذن فنحن عالقون في وضع حرج ولكن إلي أي مدي يمتد هذا الوضع؟ ** هناك امكانية أن تستمر ظروف البطالة المرتفعة لفترة قادمة، ولا تنسي أن الأزمة المالية خلفت وراءها مشكلة في أصول قطاع الاسكان فإذا لم يستطع أصحاب المنازل والبنوك بيع المنازل فلن يكون هناك بناء وسيستغرق الأمر سنوات حتي يتغير هذا الوضع. الخطأ الكبير * سبق وانتقدت أسلوب الإدارة الأمريكية في خطة الانقاذ.. علي أي أساس كان توجيه هذه الانتقادات؟ ** ما يبدوا لي إن الإدارة الأمريكية تركز علي الحفاظ علي استمرار المؤسسات المالية الكبيرة علي الوضع الذي هي عليه وهذا خطأ استراتيجي في رأيي، فهي مؤسسات كبري وبقاؤها علي وضعها الحالي يجعل إدارتها وتنظيم عملها أمر صعبا فهي تعاني من الترهل وتحتوي علي عدد كبير من الموظفين وبقاءها علي نفس الإدارة الحالية يجعلها في وضع غير مستقر وخطير، فأسلوب إدارتها هو الذي أسهم في ايجاد كل الاصول السيئة التي تسببت في الأزمة. * هل كانت هناك ممارسات فاسدة أيضا من قبل المؤسسات المالية أسهمت في الأزمة؟ ** اعتقد أن التعبير القانوني هو "التحايل" وكان هناك بالفعل ممارسات متحايلة في مجال التمويل العقاري، واللافت أن "اف. بي. اي" أعلنت في عام 2004 أن أمريكا ستواجه "وباء" من التحايل في قطاع التمويل العقاري ولم تتخذ إجراءات حيال ذلك. * أنت من المتحمسين للسياسات الكينزية، ولكن هناك الكثيرين في مصر يرفعون شعار "الدولة مستثمر فاشل" بسبب تجربة القطاع العام التي اسهمت في فتح الباب للمارسات الفاسدة وجمود الفكر الاستثماري.. فهل تعتقد أن السياسات الكينزية تصلح كنموذج للأعمال بعد الأزمة المالية؟ ** التحدي هو أن تجمع بين الاستقرار الذي يحدث من القطاع العام مع درجة من الاستقلالية واللامركزية التي تحصل عليها من القطاع الخاص، ولاشك أن الروتين والفساد من المشاكل الكبيرة في نظام القطاع العام الواحد، ولكن من ناحية أخري فالدخول والخروج السريع للقطاع الخاص في السوق والممارسات المتحايلة من مشكلات نظام "رفع الضوابط" (deregulation).