المقالات الأخيرة التي يكتبها الأستاذ فاروق جويدة في صحيفة "الأهرام" تثبت تفوقا في الكتابة علي أشعاره التي ينظمها، فقد عكست هذه المقالات رؤية اجتماعية عميقة لكاتب يتمتع بالاستقلالية واحترام الكلمة والتفاعل مع قضايا وأحداث المجتمع بفهم ووعي وموضوعية. وفي مقاله الأخير يوم الجمعة الماضية بعنوان "لا نستحق هذا الوطن" فإن فاروق جويدة وجه نقدا لاذعا إلي الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق الذي ألقي قصيدة رديئة المستوي في حفل تكريم للدكتور أحمد فتحي سرور كان من بين كلماتها.. فتحي سرور يا ويكا.. الكل يحبك حب الفرخة للديكا..! ويقينا فإن فاروق جويدة كان محقا في قوله إن هذه الكلمات إهانة لرئيس مجلس الشعب وإهانة لرئيس وزراء مصر الأسبق وإهانة لكل المصريين. ولكن جويدة لم يكن محقا عندما خلص إلي أننا لا نستحق هذا الوطن. فالنتيجة التي وصل إليها جويدة كانت قاسية جدا ومؤلمة، فليس معني أن تختل الموازين في مرحلة ما أو أن تضيع معالم الطريق عند البعض أو أن تسود العملة الرديئة علي حساب العملة الجيدة أننا لا نستحق هذا الوطن أو أنه لا أمل في تعديل المسار ووضوح الرؤية. فالواقع أن هذا الوطن ملئ بأبنائه المخلصين والجادين والمبدعين في كل المجالات وعلي كل المستويات، ولكنهم أصيبوا بنوع من الإحباط والاستسلام لليأس فآثروا التواري والابتعاد والانطواء والعزلة حتي لا تضطرهم الظروف أو تجبرهم علي أن يقولوا يوما كلاما شاكلة يا ويكا وكلامك حلو وسكر وعامل زي المزيكا..! وواجبنا وواجب كل غيور علي هذا الوطن أن نزيل هذه الحالة من الإحباط واليأس وأن ندفع كل هذه العناصر المشرفة إلي المشاركة والظهور وأن يكون لها دور في صناعة القرار بكل أبعاده بدلا من الاكتفاء بالانسحاب وجلد الذات. وهي مسئولية إعلامية في المقام الأول، فليس مطلوبا من الإعلام أن يبحث عن سلبيات المجتمع فقط وأن يركز علي النواقص والعيوب أو أن يعمق فينا روح الاستسلام وإنما تمتد مسئولية الإعلام إلي تشجيع كل عمل جاد والكشف عن الكفاءات والخبرات والقدرات الكامنة لدي أبناء هذا الوطن الذي نفخر ونعتز بالانتماء إليه ونرفض دائما وأبدا أي تراجع في مكانته ودوره وقيمته. ولا يمكن في هذا أن نصدر حكما عاما بأننا لا نستحق هذا الوطن لأن أحد الأشخاص مهما كان مركزه قد ألقي قصيدة دون المستوي أو لا تتناسب مع مكانته ومع المناسبة، فهذا شأنه وحده وهذه هي قناعاته وقدراته ولكنها ليست مقياسا للحكم علي شعب بأكمله والفصل بأننا لا نستحق هذا الوطن. فالوطن الذي أنجب قمما في الأدب والشعر والسياسة والطب والعلوم والصحافة هو نفس الوطن الذي تخرج منه أغنيات للحمار والطشت والأستوك، وليس في ذلك عيب أو انتقاص من الوطن لأنه يضم الكثير من النماذج والقدرات التي لا يشترط فيها أن تنسجم وتتوافق فكريا وثقافيا وعقليا..! ولا يعني هذا أننا لسنا في أزمة، أو أن الأوضاع تسير بصورة طبيعية، وإنما يعني أن هناك فترات للترهل والتراجع تصيب أي أمة ولكنها لا تعني حكما عاما بالفشل والإعدام. إن الأستاذ فاروق جويدة الذي يكتب بقلم شاعر حساس قد انفعل كثيرا، ودفعته الغيرة والحب للوطن أن يصدر حكما قاسيا ولكنه مقبول لأنه يأتي من كاتب لا يكتب إلا للصالح العام. [email protected]