هذه أيام لاشك أنها شديدة القسوة علي صناع السيارات في العالم كله ولكن الأزمة الراهنة ستكون أقل سوء بالنسبة للرئيس التنفيذي لشركة بورش ويندلين ويدكينج الذي يحكم الشركة منذ 16 عاما حتي الآن. وتقول مجلة "فورتشن" إن الفضل في ذلك يرجع إلي المزيج الذكي الذي صنعه ويدكنيج وجمع فيه بين استراتيجية بعيدة النظر علي الامد الطويل وبين سياسة مالية ذات قوة سرية علي المدي قصير، فهذا المزيج هو الذي جعل بورش تواجه الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة من موقف قوي. فالشركة تجلس علي جبل من السيولة النقدية قيمته 20 مليار دولار أي أكبر من الضمانة المالية التي حصلت عليها شركات جنرال موتورز وفورد وكرايسلر مجتمعة من الحكومة الأمريكية. والأهم من ذلك أن ويدكينج قد أمن مستقبل بورش عندما اشتري جزء كبير من أسهم شركة السيارات الألمانية الكبري فولكس واجن التي تواجه بدورها الأزمة الحالية بشكل أفضل من غيرها من الشركات المنافسة. ويقول بيتر شميث مستشار صناعة السيارات في بريطانيا ن ويد كينج عندما أشتري أسهم فولكس واجن بأرخص الأسعار قد أشتري في ذات اللحظة وثيقة تأمين علي حياة شركة بورش ولأنه قائد ذكي فهو يصنع الآن من وراء فولكس واجن ثروة كبيرة لصالح بورش. والحقيقة أن شميث يتحدث عن عمل بطولي وفذ يؤهل ويد كينج لتسجيل اسمه في كتب الأرقام القياسية. فأرباح بورش في السنة المالية التي انتهت في يوليو 2008 بلغت 11،6 مليار دولار وهذا رقم يفوق إجمالي ايراداتها خلال نفس السنة والذي كان 10،2 مليار دولار فقط. وذلك انجاز لم تحققه حتي شركة جوجل التي لم تحقق أبدا أرباح تفوق حجم ايراداتها ويزداد اعجابنا بهذا الانجاز عندما تعرف أن 12% فقط من أرباح بوش هي التي تأتي من صنع السيارات. وأن الباقي ثمرة لاستراتيجية سياج الأسهم الذكية التي ابدعها هو لجار هارتر المدير العام المالي لبورش حتي قبل أن تبدأ الشركة في شراء أسهم فولكس واجن بسعر أقل من سعر السوق. وقد أعلنت بورش يوم 5 يناير الماضي أنها تملك 50% من أسهم فولكس واجن وأن لديها خيارات يمكن أن ترفع هذه الحصة إلي 74% ولذلك فإن ثمة نكتة تتردد الآن في دوائر صناعة السيارات تقول إن بورش عبارة عن صندوق تحوط ملحق به شركة سيارات. ولكن قادة بورش لا يضحكون علي هذه النكتة وإنما يقولون إنهم "تحوطوا" فقط من أجل تحقيق أهدافهم الاستراتيجية كشركة لصناعة السيارات قبل أي شيء آخر. وتجدد الاشارة إلي أن بورش تنتج سنويا 100 ألف سيارة لزبائن أثرياء من بينهم كبار المصرفيين ومديري صناديق التحوط وأنها كان يمكن أن تواجه موقفا أليما في الأزمة الراهنة. ولكن بورش تبدو مهيئة للنمو حتي برغم انخفاض مبيعاتها في الأشهر الأخيرة مثل كل شركات السيارات الأخري وهذه شهادة لصالح قيادة ويد كينج الذي حولها من شركة لصناعة السيارات الرياضية كانت علي وشك الانهيار عندما تسلمها عام 1992 لتصبح شركة سيارات عالمية قادرة دوما علي تحقيق الربح إلي جانب أن المديرين الألمان يختارونها في أي مسح كنموذج متميز للإدارة الألمانية الجيدة. وتقول مجلة "فورنشن" إن ويد كينج يعتبر نفسه رجلا شعبيا حيث تراه كثيرا وهو يتحول في خطوط الإنتاج بمصانع الشركة في شتو تجارت أو يركب جرارا من صنع بورش يطوف به حول حقول البطاطس القريبة من منزله ولكن هذه الصورة الشعبية فقدت بريقها أخيرا عندما جري الإعلان عن أجره حيث تبين أنه حصل من بورش في العام الماضي علي 100 مليون دولار. لقد أحدث هذا الإعلان ضجة في ألمانيا ولكن الرجل لم يعتذر عن أجره وإنما قال إنه يكسبه بكده. والحقيقة أن ويد كينج 58 عاما كمهندس ميكانيكي رجل مجتهد ويهتم جدا بالتفاصيل ويجب أن يتفقد كل العناصر الفنية في مصانعه بحثا عن الكمال. وهذا الاهتمام بالتفاصيل جزء من أسلوب ويد كينج في الإدارة وميله الجارف لمعرف مختلفة الآراء فهو يشجع مديريه علي الإعلان عن خلافاتهم حتي يمكنهم ويمكنه أن يتخذ قرارات تعتمد علي معلومات جيدة. وعلي سبيل المثال فإنه قبل اعتماد نماذج التسعير الجديدة لم يكتف بالاستماع إلي مقترحات مديري المبيعات بل اشرك معهم فريق التخطيط الاستراتيجي بمقترحاتهم واخضع كل المقترحات للنقاش قبل أن يتخذ القرار النهائي. ويقول ويد كينج إنه يتعمد تفجير المناقشات الداخلية وأنه يشجع المديرين علي ابداء آرائهم والدفاع عن قراراته حتي لو بلغ الأمر أحيانا حد الأزمة. ويتذكر ويدكينج ما حدث لبورش في ثمانينيات القرن الماضي أي قبل أن يتولي منصبه كرئيس تنفيذي فعندما ضرب الركود أمريكا حينذاك هبطت مبيعات بورش 80% عما كانت عليه. ولكن ويدكينج أدرك أن المشكلة ليست في ركود سوق المبيعات الرئيسي فقط وإنما هي أيضا في أساليب العمل العتيقة التي تتبعها بورش ودفع ويد كينج الشركة إلي الاستعانة بخبراء من اليابان كانوا هم نفس الخبراء الذين اشرفوا علي إعادة تنظيم شركة تويوتا ومنحهم حرية التصرف كاملة ولم تكن النتيجة مجرد عملية إعادة تنظيم للعمل وإنما جاءت بمثابة ثورة شاملة مست كل شيء في بورش وسرعان ما استردت الشركة عافيتها. وباختصار فإن ويدكينج يستحق ما وصفته به "فورتش" من أنه الرجل الذي أثبت أنه أكثر دهاء من السوق. وإذا كان اقدام بورش الصغيرة علي شراء فولكس واجن أكبر شركات السيارات الألمانية مغامرة سببت في البداية بعض القلق فقد ثبت الآن أن قرار الشراء ينم عن بعد نظر وأن الرجل يستحق فعلا ما يحصل عليه من أجر كبير قد يراه البعض مبالغا فيه.