عندما أعلن في أول أكتوبر 2008 عن قيام واريد بوفيت ذلك الملياردير الأمريكي الشهير بشراء حصة في جنرال اليكتريك قال كثيرون من الخبراء الكبار إن هذا دليل علي أن السوق الأمريكية بدأت تستقر ولكن لاري فينك الرئيسي التنفيذ لشركة بلاك روك كان له رأي آخر. فقد امتدح خطوة ذلك المستثمر العجوز الماهر واريد بوفيت ولكنه اعتبرها دليل علي أن الشركات الأمريكية وحتي الكبري منها لم تعد قادرة علي تمويل نفسها. وتقول مجلة "فورتش" إنه بينما كانت التعليقات التليفزيونية علي هذه الصفقة تمتليء بالسعادة والتفاؤل أعلن فينك أنه يتوقع موجة جديدة من الذعر والانهيار في أسعار الأصول وأن صفقة بوفيت تدل علي أن أمريكا أمام كارثة. والحقيقة أن هذا النوع من التفكير القادر علي أن يري عكس ما يراه الناس والقادر أيضا علي توقع أسوأ السيناريوهات هو الذي دفع بلاك روك خلال الاحدي وعشرين سنة الماضية لتتحول من دكانة للسندات إلي شركة عملاقة للخدمات المالية هي الأفضل بين أقرانها. ومنذ جري تسجيل شركة بلاك روك (ومعناها الصخرة السوداء) في البورصة عام 1999 تضاعف سعر سهمها 14 مرة من 14 دولارا للسهم ليصبح 198 دولارا للسهم وأصبحت قيمتها السوقية 25 مليار دولار. وفي المقابل فإن القيمة السوقية لجولدمان ساكس لم تزد خلال نفس الفترة إلا بمقدار ثلاثة أضعاف. وبوجه عام فإن بلاك روك صارت الآن أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم واسرعها نموا. وعندما تتم صفقة بلاك روك للاستحواذ علي شركة باركليز جولبال انفستور في وقت لاحق من العام الحالي سترتفع قيمة الاصول التي تديرها إلي أكثر من الضعف لتصبح 3،1 تريليون دولار أي ضعف ما تديره أقرب الشركات المنافسة لها مثل ستيت ستريت وفيديلني وكلها كما هو واضح شركات تريليونية من حيث حجم حافظة الأموال التي تديرها. ولكن بلاك روك تعترب كائنا جديدا وفريدا في عالم إدارة الأصول حيث إنها تقدم منتجات شديدة التنوع لجذب المستثمر المؤسس والمستثمرين الأفراد علي حد سواء وهي بخلاف البنوك وشركات السمسرة تركز علي عمل واحد هو إدارة الأصول كما تقدم القدر الأكبر من صناديق الاستثمار ذات الدخل الثابت ولذلك فإن هناك شركات وهيئات كبري توكل إيها مهمة إدارة صناديق معاشات العاملين فيها ومنها شركة سيسكو، وفيديكس، واتحاد معلمي المدارس الحكومية في كاليفورنيا. ومع ذلك فإن الناس تطلب المزيد من بلاك روك بعد أن تعودت أن تحصل منها علي الكثير وهذا هو أكبر تحد يواجه تلك الشركة.. فهل تستطيع بلاك روك التي كانت مجرد بوتيك للسندات أن تدير كل هذه التريليونات من الدولارات؟ وما هو المنطق الذي يوجه القرارات الاستثمارية لهذه الشركة؟ ثم هل تستطيع بلاك روك أن تقدم عوائد ثابتة لعملائها في صناعة متغيرة العائد والصراع فيها يتسم بالخشونة؟ هذه الأسئلة وغيرها جعلت مجلة "فورتشن" تقضي شهرا بأكمله مع قادرة بلاك روك في حوار مستمر لكي تحصل عي إجابة لها.. وكيف ازدهرت هذه اشركة خلال الكوابيس التي مرت بصناعة المال الأمريكية مثل أزمة صندوق التحوط لونج تيرم كابيتال مانيحمنت عام 1998 وأزمة انهيار شركات التكنولوجيا عام 2000 وأزمة الائتمان الراهنة التي بدأت في العام الماضي.. وقد خرجت "فورتشن" من هذه الحوارات بدروس أربعة تشكل قاعدة النجاح التي تستند عليها بلاك روك.. وأول هذه الدروس هو أن تظل الشركة الكبيرة تشعر دائما بما تشعر به أي شركة صغيرة.. فثقافة بلاك رو،ك تقوم علي العمل الشاق دائما وهذا يرجع إلي شخصية لاري فينك 56 عاما وزميله روب كابيتو 52 عاما الذي يشغل منصب الرئيس president. ويبقي الدرس الرابع والأخير وهو ادراك التغيرات التي تطرأ علي أسواق المال والتيقن من سلامة الاتجاه الذي تسير فيه الشركة وخاصة تلك التغيرات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية واتجاه مؤسسات الاستثمار إلي تغيير استراتيجياتها بحثا عن الأمان وعن السيولة في آن معاً.