يبدو أن هاجس التمويل سيكون الشغل الشاغل للحكومة خلال عام 2009 بعدما تصاعدت المخاوف وبدأت في التحقق من أن تتعرض منابع الاقتصاد المصري التي يعتمد عليها في تمويل الاستثمار إلي الجفاف. يتوقع الخبراء دخول المصادر التمويلية التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري في نفق مظلم بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية فالاقتصاد المصري يعتمد في تمويله علي ثلاث قنوات رئيسية بداية من الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر والمعونات الاقتصادية والمنح حيث يؤكد الخبراء أن هناك ضرورة ملحة لأن تبحث الحكومة عن آليات جديدة لتنشيط هذه القنوات فعلي صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر شهد تراجعا ملحوظا في حجمه في الفترة من يولية إلي سبتمبر 2008 وبلغت نسبة التراجع 44% مقارنة بالفترة المثيلة العام الماضي، أما الاستثمارات غير المباشرة فقد شهدت خروج أكثر من ملياري دولار من الاستثمارات غير المباشرة "المحفظة" في نفس الفترة في شكل أذون الخزانة (90%) منها بالإضافة إلي تكهنات مشتعلة ترجح أيضا تراجعا في حجم المنح والمعونات الواردة إلي الاقتصاد المصري وذلك في أعقاب الهزات العنيفة التي تعرضت لها الدول المانحة. الخبراء يؤكدون أن تطوير المنابع التمويلية للاقتصاد المصري يتطلب تحركات غير تقليدية وعلي عدة مستويات بداية من ضرورة جذب الاستثمارات من أسواق واقتصادات غير تقليدية من خلال فتح آفاق جديدة بالإضافة إلي مطالب تؤكد ضرورة تقليص الاعتماد علي المعونات والمنح من الدول المانحة في ظل خضوعها لاجندة سياسية واقتصادية فضلا عن ضرورة توجيه مزيد من الاهتمام بالاستثمار غير المباشر ووضع قواعد وأسس تضمن استقراره من خلال فرض ضرائب رأسمالية علي المستثمر الأجنبي في حال خروجه السريع من السوق أسوة بالدول المتقدمة بالإضافة إلي طائفة أخري من النصائح والارشادات التي رصدها الخبراء في إجابتهم عن سؤال طرحه "الأسبوعي" حول كيفية خروج الحكومة المصرية من مأزق التمويل في 2009؟؟ تؤكد الدكتورة مني المصري أستاذ التجارة الدولية بجامعة القاهرة أن مصادر التمويل التي تعتمد عليها الحكومة لتمويل المشروعات قد تتعرض للجفاف بسبب الأزمة المالية العالمية خاصة في ظل مخاوف من ركود طويل يطال اقتصادات الدول المستثمرة في مصر وهو ما يعلق الكثير من المشروعات ويجعلها تنتظر مصادر جديدة لتمويلها في مصر. أوضحت المصري أن الحكومة المصرية اعتمدت بصورة أكبر علي تدفق الاستثمار المباشر ولكن الأخطر من ذلك هو أنها وضعت البيض في سلة واحدة وجعلت أوروبا والولاياتالمتحدة هي الجهة الأولي في توفير التمويل لهذا الجانب وهو ما شكل ضربه موجعة للاقتصاد المصري الذي يعتمد في جذبه للاستثمار المباشر علي 36% من الولاياتالمتحدة و31% من الاتحاد الأوروبي وهو ما من شأنه أن يزيد من فرص زيادة أزمة التمويل التي ستعاني منها الحكومة خلال العام الجديد مشيرة إلي أنه يجب علي الحكومة أن تركز خلال الفترة المقبلة علي مشروعات واعدة وجذب استثمارات من أسواق جديدة ولاسيما الأسواق الناشئة حيث إنها الأكثر استقرارا في ظل الأزمة المالية العالمية بالإضافة إلي ضرورة التفكير في مشروعات جادة وذات جدوي اقتصادية تنجح في مغازلة الاستثمارات الخارجية وتنجح أيضا في استقطاب السيولة من خزائن البنوك. الاحتياطي النقدي وتابعت المصري قائلة إن هناك من يطالب بأن تلجأ الحكومة إلي الاحتياطي النقدي للخروج من مأزق التمويل وهو أمر غير واقعي ويعكس آراء قد تدخل الاقتصاد المصري في دائرة مفرغة بدلا من العمل علي انقاذه مشيرة إلي أن الاحتياطي النقدي في أي اقتصاد في العالم ليس له إلا وظيفة واحدة هو استقرار سعر الصرف وسد العجز في ميزان المدفوعات. وأشادت المصري بخطوات وزارة الاستثمار لتوفير مصادر تمويلية جديدة مثل تنشيط سوق السندات واصفة إياه بأنه يأتي في إطار تنويع مصادر التمويل وآليات الاستثمار مشيرة إلي أهمية تطوير القواعد الرقابية والتنظيمية لإصدار الصكوك لتنويع آليات التمويل طويل الأجل إلا أنها حذرت في ذات الوقت من عدم الانخراط في مجال إصدار سندات في الخارج لتوفير مصادر للتمويل لأنه يؤدي وبصورة غير مباشرة إلي زيادة عجز الموازنة وزيادة الدين العام.